العدد 1134 - الخميس 13 أكتوبر 2005م الموافق 10 رمضان 1426هـ

مأساة اللاجئة كارثي ويلز!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أكثر من أسبوعين بقليل، نقلت الزميلة تمام أبوصافي لنا وللقراء صورة واقعية عن أميركا من الداخل، بنشر تحقيق ميداني يكشف جانبا من الكارثة التي خلفها إعصار كاترينا، الذي اجتاح عددا من الولايات المتحدة الأميركية. الصورة كانت مؤثرة أكثر لأنها جاءت من داخل الملاعب الرياضية التي تحولت إلى ملاجئ يأوي إليها مواطنو أعظم وأقوى دولة على وجه الأرض في هذه الحقبة من التاريخ. هذه الدولة التي أخذها جنون القوة إلى الاعتقاد بأنها قائدة العالم نحو الديمقراطية والرقي، وأن عليها واجبا أخلاقيا لقيادة أمم الأرض، بما يتيح لها تعميم نموذجها الحضاري على الجميع. هذه العقيدة، عقيدة القوة، لم تكن الولايات المتحدة أول من أصيب بها، وإنما هناك نماذج أخرى سابقة في التاريخ، من الإسكندر الأكبر إلى هولاكو وهارون الرشيد الذي كان يسخر من السحابة في السماء. وعربدة الرئيس الأميركي جورج بوش بأن الله أوحى له بحرب العراق، إنما هي كلمات صادقة جدا تعكس هذه العقيدة القائمة على الغرور ونشوة الانتصار. في الثمانينات، وفي أتون الحرب الباردة بين الشرق والغرب، تفتق العقل الأميركي عن برنامج للحماية من الصواريخ العابرة للقارات قبل سقوطها على الأرض الأميركية، فيما عرف لاحقا بـ "حرب النجوم"، والنجوم منها براء! وتشاء المقادير أن تهب الرياح، وتضرب الأعاصير سواحل تلك البلاد القوية المتشامخة، مع علم عتاة الإدارة الأميركية وكل أجهزتها ووزاراتها قبل أيام، فلا تستطيع تلك الدولة أن تعمل شيئا لمواطنيها غير نصيحتهم بالفرار في أقرب فرصة من وجه الإعصار، وبأية وسيلة نقل متاحة. في تحقيق الزميلة أبوصافي، استوقفتني صورة وحديث الأم الأميركية كارثي ويلز "56 عاما" من مدينة نيواورليانز، وهي أم لشابين "22 و23 عاما"، وتعمل بدار لرعاية المسنين. عندما بدأت المياه تغمر منزلها لم تجد ملجأ غير الصعود إلى الطابق العلوي من منزلها، بانتظار وصول الجيش لإنقاذها. في سياق حديثها قالت ويلز معبرة عن واقع الإنسان حين يجد نفسه بين ليلة وضحاها في العراء: "عندما تكونين في ظروف سيئة فإنك تقدرين كل شيء يقدم لك". هذه العجوز الأميركية قالت كلاما يستدعي بعض التأمل: "كل يوم أستيقظ في الصباح وأصلي شكرا للرب على منحي فرصة أخرى في هذه الحياة". تقول هذا وهي مواطنة متوسطة الحال تعيش في أكبر وأغنى دولة على وجه الأرض. ومن وسط ذلك الحشد المزدحم من الناس في الملجأ "الرياضي"، تحدثت عن برنامجها اليومي بنفسية الحريص المتمسك بحقه في الحياة: "أحرص على مشاهدة الأخبار في الصباح، وأحاول أن أتأقلم مع ما يحيط بي من ظروف". ضربة واحدة من الرياح أطاحت بالحياة في عدد من الولايات المتحدة "العظمى"، من دون إطلاق رصاصة واحدة، ولا سقوط صاروخ عابر للقارات على الأرض الأميركية، ترى ماذا لو تعرضت هذه القوة المتشامخة إلى عدة ضربات؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1134 - الخميس 13 أكتوبر 2005م الموافق 10 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً