أكد أستاذ الجيو سياسية بجامعة السوربون في باريس أيمريك شوبراد أن نزاع الصحراء الغربية هو "نتاج الحرب الباردة والصراع الايديولوجي للمرحلة السابقة" بين الحلفين الشرقي الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي والغربي الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة. فلدى تدخله أمام اللجنة الرابعة للأمم المتحدة المكلفة بالقضايا السياسية وتصفية الاستعمار، أكد الخبير الفرنسي وفق ما نقلته وكالة الأنباء المغربية في تقرير لها من نيويورك أن المغرب "كان ضحية لانتمائه إلى المعسكر الغربي"، مبرزا أن "حدود المغرب قبل الاستعمار كانت تتجاوز بكثير الحدود الحالية باتجاه الجزائر، التي لم تكن موجودة آنذاك، ولكن أساسا باتجاه الجنوب إذ كانت حدوده تنتصب مع بلدان جنوب الصحراء حيث السينغال حاليا". وأوضح شوبراد الذي يشغل أيضا منصب مدير المجلة الفرنسية للجيو سياسية ونائب رئيس الأكاديمية الدولية للجيو سياسية، أن "المغرب يعد جسرا بين أوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء، وأنه كان كذلك دوما وأن فصله عن جنوبه يعني حرمانه عن جزء من هويته الإفريقية". وفي نظره فإن "المطلب المغربي ليس فقط استراتيجيا وإنما يتصل بكينونته وجوهره وأساس تكوينه عبر التاريخ، كما كان عليه الحال بالنسبة إلى الالزاس واللورين بالنسبة إلى فرنسا في وقت من الأوقات، ولهذا فهي مقدسة بالنسبة إلى الشعب المغربي وليس فقط بالنسبة إلى حكوماته. أما بالنسبة إلى الجزائر فإن قيام دولة صغيرة خاضعة وضعيفة تابعة لها وتكون منفذا لها على المحيط الأطلسي فإن ذلك بالنسبة إليها مجرد رهان استراتيجي، غير أن الأمر يختلف تماما بالنسبة إلى المغرب والمغاربة". وأبرز أن المغرب "الذي تم بتر أجزاء منه، تتمثل في الأجزاء الغربية من التراب الجزائري، وفي موريتانيا وفي أجزاء من مالي، يسعى إلى العودة إلى ما كان عليه، أي ذلك الجسر الشمالي الجنوبي والأورو إفريقي". كما أبرز شوبراد أن "الخطأ الذي يقترفه الكثير منا هو الاعتقاد بأن استقلال المغرب العام 1956 كان نهاية لتصفية استعماره. غير أنه لم يمثل في الواقع إلا المرحلة الأولى، فالمغرب لم ينل إلا جزءا من استقلاله، ذلك أن تصفية الاستعمار العام 1956 لم تتم بالنسبة إلى الجزء الذي كانت تحتله إسبانيا سواء تعلق الأمر بالنسبة إلى الصحراء أو بالنسبة إلى الجزر والثغور المطلة على الواجهة المتوسطية". وبعد أن ذكر بالجهود التي بذلها المغرب من أجل تنمية أقاليمه الجنوبية، تساءل شوبراد: "لماذا قدم المغرب كل هذه التضحيات من أجل جزئه الجنوبي؟ هل من أجل حفنة من الرمال؟ كلا، فهو من لاشيء صنع معجزة تنموية يعترف بها الجميع، معجزة محو الأمية والسقي والمنشآت المينائية مع ما خلقه ذلك من مناصب شغل". وأضاف "هل تعتقدون أن هذا البلد بذل كل هذه المجهودات لكي ينمي هذه المساحات الرملية الشاسعة ذات الكثافة السكانية القليلة لو لم يكن يحركه هدف وجودي"؟ مؤكدا في هذا الصدد ضرورة "إنهاء هذا المشكل، ليس فقط من أجل إنهاء معاناة الشعب المغربي بما في ذلك الجزء الأكبر من السكان الصحراويين المؤيدين للسيادة المغربية من جهة، والجزء الآخر من الصحراويين المخدوعين من قبل زعيمهم والدولة التي تدعمهم وتمولهم من جهة أخرى، وخصوصا أن الوضع أضحى مترديا جدا بالمنطقة" إذ سجل شوبراد أن "التطرف الديني يستغل المشكلات المحلية لكي يدمجها في الديناميكية الشيطانية لصدام الحضارات. وفي منطقة الساحل بدءا من ضفاف موريتانيا إلى جبال تيبستي بالتشاد مرورا بجنوب الجزائر وشمال مالي والنيجر، ما يقلق الخبراء الجيوسياسيين هو التطور الذي تشهده حركة الجماعة السلفية للدعوة والقتال". وقال إن المغرب والجزائر وموريتانيا كانت كلها ضحايا الإرهاب سواء كان منبثقا عن الجماعة السلفية للدعوة والقتال، أو مجموعات إسلامية أخرى. وبالنسبة إلى هذا الخبير في العلاقات الدولية فإن "جميع الدول معنية اليوم، غير أننا نعلم أن مجموعات مثل الجماعة السلفية للدعوة والقتال تتنقل في الصحاري الواسعة وتجند من بين دول المنطقة، وتجد لها متواطئين من فئات السكان الرحل الذين لا يتفاهمون مع الدول التي ينتمون إليها". وأضاف أن هذه الجهات المتشددة تتوافر على المال وتمثل التفكير الثالثي الجاهز في مواجهة الغرب وحكومات البلدان الإسلامية المتهمة بالتواطؤ مع هذا الأخير، معتبرا أن هذه الايديولوجية جدا مغرية بالنسبة إلى كل الذين يوجدون على الهامش. وأشار شوبراد إلى أنه "على رغم إنكارها، فإن البوليساريو لا يمكنها أن تنفي أنها مخترقة من قبل عناصر راديكالية، وأن التشدد يغري جزءا متناميا من مقاتليها". وذكر في هذا الصدد بما كان قد اعترف به زعيم الجبهة محمد عبدالعزيز في هذا الخصوص عندما قال: "من الممكن أن يكون هناك شبان صحراويون مهتمون بالتشدد الديني". ودعا شوبراد في هذا الإطار المجتمع الدولي ولاسيما بلدان المغرب العربي إلى التزام الحذر بقوله: "لنفتح أعيننا، هناك أمر مستعجل، إننا نعرف مفتاح النزاع. فالسفير الأميركي توماس رايلي في الرباط صرح بذلك حديثا وأنا أستشهد بما قاله: "إنه مشكل إقليمي بين المغرب والجزائر، وإنه يتعين على هذين البلدين أن يعملا معا على إيجاد حل له"، ممثل بلد صاغ مع ويلسون حق الشعوب في تقرير مصيرها يقولها بنفسه "إن قضية الصحراء الغربية ليست قضية استعمار". فبالنسبة إليه أن العناد في "ترك الوضع يتردى، هو بمثابة تمكين التطرف الذي يتكاثر في المنطقة من مستقبل زاهر". وأضاف أنه "يجب على الجزائر أن تعترف بحق المغرب في استكمال وحدته الترابية عبر الإقرار له بحقوقه التاريخية، كما يتعين على المغرب أن يتفهم الطموح الجيو سياسي للجزائر بالوصول إلى المحيط الأطلسي وبالتالي إيجاد حلول تتلاءم مع سيادته. والأسر الصحراوية المفصولة بهذا الحائط الذي يشبه حائط برلين الذي تمثله مخيمات تندوف، لهم الحق في أن يجتمعوا لكي يعملوا جميعا من أجل تنمية أقاليمهم في إطار احترام خصوصياتهم". واعتبر أن الحكم معناه الاختيار وأنه يتعين على المجتمع الدولي أن يختار "التوازن الذي تقدمه الدول - الأمم القوية والمتحررة من مشكلاتها الحدودية لكي تحارب بشكل أفضل الإرهاب الدولي وكذا من أجل دعم التنمية"
العدد 1133 - الأربعاء 12 أكتوبر 2005م الموافق 09 رمضان 1426هـ