أول الكلام، وقع أحد القراصنة في أسر الإسكندر، وحين سأله الإسكندر: كيف تجرؤ على ممارسة المضايقات في البحر؟ أجاب القرصان: وأنت كيف تجرؤ على ممارسة المضايقات في العالم بأسره؟ ألأنني أفعلها بسفينة صغيرة يقال إنني لص "معارضة غير مدنية وقانونية"، وحين تفعلها بأسطول كبير يقال إنك إمبراطور "دولة ونظام وقانون!". حين سألنا شكسبير عن المسرح السياسي في البحرين، وعن أدوار البطولة والكومبارس، وعن تزاحم المشاهد المليئة بالحزن، والفقد، واليأس الممزوج بقدر من الأمل الذي يبقي على صلاحية الحلم بالسعادة والحب، أجاب فيما أجاب، أنه لم يفهم حتى الآن عنصرا مسرحيا يمثل الخطورة الرئيسة في تمام فصول المسرحية. هذا العنصر هو ما يعوق التقاء الحبيب بحبيبته في نهاية المشاهد - إن كانت لها نهاية - أو بمعنى أوضح، لتعم الحرية والمساواة ودولة القانون بين الناس كافة. وأضاف شكسبير أنه عاجز عن فهم المسرح البحريني تمام الفهم، ولعله أبدى بعضا من التذمر حيال أداء بعض الممثلين، متهما إياهم بأنهم مخادعون يسترقون السمع في الكواليس ويعبثون بنصوص المسرحية. نستطيع بسهولة أن نكشف عن الشخصيات "الشياطين" عندما نشاهد أيا من المسلسلات الرمضانية هذه الأيام، وعلى رغم أن الشياطين غالبا ما تستتر خلف شخصيات محبة وكريمة، تسعى فيما تسعى للخير والتنمية والحوار المدني المتحضر، فإنها تعجز عن الاختباء والمخادعة، فالمتابع والمتفحص للمشهد المسرحي أو التلفزيوني يستطيع أن يعرف هذه الشخصيات مهما لبست من أقنعة ومهما بالغ المخرجون في تعقيد حبكتهم الإخراجية، وهذا تحديدا ما يجعل من المسرح البحريني متفردا على مستوى شياطينه، فهم في الغالب مستترون لا يعلمهم ويعرفهم سوى المتطلعين لقراءة ما وراء الأخبار من مضامين خطيرة ومهمة، والتي لا تجيد - ولا تريد - صحافتنا المحلية - في الغالب - سبرها وتحليلها وتفكيكها وتقديمها للقارئ. ثمة شياطين في الصحافة، وآخرون في المعارضة، وليست الحكومة ببعيدة عن هذه التهمة، شياطين الإعلام والصحافة فضحتهم أوراق التاريخ وكشفتهم، وهم وإن استطاعوا تلوين كلماتهم أخيرا، إلا أنهم لا يستطيعون في مجمل شيطنتهم أن يخدعوا الناس، أو أن يضحكوا على ذقونهم أكثر مما ضحكوا في الأيام الكئيبة الماضية، خصوصا بعد بداية التجربة الإصلاحية البحرينية لتكشف لنا حقائق اليوم، أي الأوراق هي "صحافة صفراء" في ألوانها، وأيها كانت ومازالت "صحافة صفراء" في مضامينها.
كي لا تفقد الشياطين أعمالها
شياطين تسترق السمع، وتتنبأ بالخير والتصالح والوئام بين الفريق المسرحي، فتبدأ مهماتها التاريخية، فتسمم البئر، وتصطنع الاكتشافات والتحليلات المجنونة، لتصنع لنفسها أمانا وظيفيا في المسرح البحريني، فأدوار الشياطين لا يستغني عنها المخرجون، ومن هنا كان للممثل المصري المشهور "عادل أدهم" أهميته التاريخية في مجمل الإنتاج الفني المصري، إلا أن هذه الصورة الإخراجية في الحبكة المسرحية البحرينية استفحلت وتعملقت حد الملل! الأمان الوظيفي لهذه الفئة لا يتمثل إلا في الحفاظ على حال من الفوضى على خشبات المسرح السياسي البحريني، هي فئة تتنامى مصالحها ومواقعها عبر تأسيس حال من انعدام الثقة والتخوين بين الممثلين الرئيسيين في المسرح البحريني "الجمعيات المقاطعة، الحكومة". نستطيع أن نلمح صورا كثيرة من هذه الشياطين ومستنسخيها الجدد على صفحات الإعلام البحريني، خصوصا في تلك العناوين الفاقدة لأسماء محرريها على الصفحات الأولى من بعض الصحف المحلية. يخرج الصحافي في مهمته التحريرية ويعود ليعد مادته، يجد الخبر جاهزا للنشر، ويجد ما لديه من معلومات واستنتاجات مازالت تعبث بذاكرته قد تحولت إلى مضامين "شيطانية"، قد لا يفهم أهدافها في الوهلة الأولى، لكنه يستنتج حقيقة تامة، وهي أن هؤلاء يحملون في عقولهم مشكلة تاريخية فحواها، لا يجب أن تسهم صحافتنا في خدمة التجربة الإصلاحية بأية طريقة كانت، من كتاب الأعمدة وصولا لتحرير الأخبار المحلية، فلا يكون من هذا الصحافي إلا أن يقول "ارفعوا اسمي عن الخبر!"، فتخرج الأخبار "مجهولة الولادة"، أو هي في الحقيقة "بنت الشيطان وربيبته".
اضربوا "الوفاق" و"وعد"... تفلحوا
نعم، ليست الوفاق صورة سياسية مدنية، وليست الوفاق أكثر من مأتم منظم، وليست حزبا سياسيا حديثا، وليست الوفاق أكثر من حلم بسيط العناصر والتكوين لفئة شعبية كبيرة، لكننا في الإعلام والصحافة لابد أن نحترمها، وليس الاحترام بالضرورة هو احترام وتقدير لخياراتها السياسية أو لآلية نظمها السياسية، بقدر ما هو احترام لتلك الطبقة التي تمثلها على أرض الواقع. نعم، ليست "وعد" - جمعية العمل الديمقراطي سابقا - حركة جماهيرية كبيرة، وليست ذات ثقل شعبي لافت، إلا أنها تمثل نخبة من أبناء البحرين، قدمت من عمرها الكثير لهذا الوطن، ومهما اختلفنا على تقييم خياراتها السياسية، إلا أن احترام هذه الخيارات هو احترام للبحرين وتضحيات أبنائها. نعم، الشياطين تدرك أن إسقاط "الوفاق" و"وعد" وابتعادهما عن لعب دورهما الوطني، هو أهم وأثمن، وأكثر الضمانات أهمية لبقائها متنفذة قوية متغولة داخل البلاد، لذلك لا تتوانى خلايا الشياطين في كل زاوية عن توجيه أية ضربة لهذه الجمعيات والنظم الاجتماعية لتبقيها خارج المسرحية، لتستمر الشياطين في توصيفها بالخارجة عن القانون تارة، والمخربة للمشروع الإصلاحي تارة أخرى. نعم، شكسبير يعلم أن الأداء المسرحي للجمعيات المقاطعة كان سلبيا خلال الفترة الماضية، وهو حين يرى أن الأداء المسرحي لهذه الجمعيات لم يكن بالمستوى المأمول فهو لا يسعى إلى تأسيس خديعة كبرى مفادها "أن باقي الممثلين كانوا التزموا بأدوارهم المسرحية بحسب ما تقتضي أدبيات المسرح الحديث، أو أنهم كانوا مثالا للقانون والمدنية والتنظيم المدني المتكامل والديمقراطي المتمدن". لا يجوز لنا تأسيس نتائج أشبه بـ "القفزات"، تذهب إلى اعتبار السلوك السياسي اللامدني في بعض الفعاليات والقرارات السياسية للجمعيات المقاطعة كان مقابلا بسلوك وأداء سياسي "قانوني ومدني" لباقي الفاعلين السياسيين في المسرح السياسي البحريني، وهذا ما تعمد بعض الأقلام - جاهلة أو متعمدة - لتأسيسه كنتيجة تاريخية قارة ونهائية. الشياطين، مازالت تعبث هنا وهناك، أسهمها تزداد، بعض وجوهها أصبحت مكشوفة مفضوحة، والبعض الآخر مازال مستترا خلف تصاميم المسرح السياسي، ولعلها مشاهد بسيطة - لو شاركت الوفاق في انتخابات 2006 - وتنكشف وجوه الشياطين، عندها فقط، يكون لكل شيطان، شهاب ثاقب. * كاتب بحريني
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1133 - الأربعاء 12 أكتوبر 2005م الموافق 09 رمضان 1426هـ