"مجنون يحكي وعاقل يفهم". هذا هو مختصر خطاب الرئيس الأميركي الذي القاه أمام "المعهد الوطني للديمقراطية" في واشنطن الأسبوع الماضي. وحين يتكلم المجانين على العقلاء ان ينتبهوا. فالحكمة أحيانا تؤخذ من المجانين. و"الحكمة" ليست دائما تصدر عن عقل سليم. المجنون أيضا يفكر على طريقته. والخطر يزداد حين يكون المجنون يمتلك امكانات وقدرات مالية وإعلامية وتدميرية. خطاب جورج بوش أمام المعهد خطاب مجانين وخطورته في وضوحه على تعيين دائرة القلق وتحديد الاطر الجغرافية العامة لمكان الخطر والوسائل التي يجب اتباعها لمكافحة المخاوف الوهمية والمختلقة في معظم حالاتها. ومن صفات المجنون انه عادة لا يحدد مصادر معلوماته ولا يشير الى مراجعه. الا ان بوش لم يتردد في تسمية الجهة التي تشير إليه وتنصحه فهي بكل بساطة وكما صرح مرارا: الله سبحانه وتعالى. العالم اذا امام حال استثنائية وعلى الناس "ان تصدق أو لا تصدق" بوجود مبشر جديد يكلفه "الرب" مباشرة بمهمات أرضية وقعت مصادفة كلها على جغرافية العالم الإسلامي من اسبانيا إلى اندونيسيا. "مجنون يحكي وعاقل يفهم". فهل نصدق أو نكذب؟ وكيف يمكن ان يتعامل العالم مع هذا الوضع؟ وماذا يمكن ان يفعله العالم الإسلامي امام مثل هذا الكلام؟ انها مشكلة. ومشكلة العقلاء مضاعفة وخصوصا حين يوضع العاقل امام امتحان صعب وخطر يداهم الأمة من مغربها الى مشرقها. الا ان العاقل يجب عليه الا يتجاهل كلام المجنون "خذوا الحكمة من أفواه المجانين". فالتجاهل هو جنون بعينه. لذلك على المعنيين بالموضوع ان يلاحظوا بدقة كل الاشارات وان يفهموا بسرعة دلالات تلك الكلمات التي نطق بها "فاه المجنون". قراءة الخطاب تدل على وجود اتجاه للتصعيد بدأت تخطط له "كتلة الشر" في مبنى "البنتاغون" بعد سقوط بغداد في ربيع .2003 وربما وضعت الخطط قبل ذاك التاريخ. فالمسألة واضحة من كل التصرفات والتحركات التي اسست لها واشنطن بعد وصول "المحافظين الجدد" الى الإدارة الأميركية. وأهم تلك الاشارات ان الحرب على العراق "ناقصة" ولابد من استكمالها لتعطي ثمارها السياسية على المستويين الاقليمي والعالمي. هذه المسألة اضطرت الإدارة الى تأجيلها حين اكتشفت حجم الممانعة الأوروبية والاعتراضات الدولية وظهور مقاومة عراقية لم تكن موضوعة بمثل هذا الثقل في الميزان. كذلك اجلت الإدارة استكمال خططها خوفا من انعكاس سلبياتها على الانتخابات الرئاسية. وبسبب تلك المخاوف اخذت واشنطن تتظاهر بالضعف وتضخم الصعوبات وتتقارب مع أوروبا وروسيا لتمرير فترة الانتخابات وارسال اشارات خاطئة لكل القوى المضادة لعدوانها وطموحاتها. الآن كما يبدو استكملت الإدارة مناوراتها وعادت "حليمة إلى عادتها القديمة" فاخذت مجددا تفصح عن مشروعاتها ومشاغلها مستفيدة من المتغيرات الدولية والاقليمية. فأوروبا مثلا أصبحت أكثر تفهما للمشروع الأميركي من السابق وخصوصا بعد الصفعة التي تلقاها الرئيس الفرنسي في الاستفتاء على "الدستور الأوروبي"... وأخيرا خروج المستشار الألماني غيرهارد شرودر من منصبه. المتغيرات أيضا شملت دول "الشرق الأوسط الكبير" من باكستان إلى تركيا مضافا اليها تعزيز تلك المخاوف المختلقة في الخليج من خطر غامض مصدره دولة بعيدة عن فلسطين المحتلة. كل هذه المتغيرات تفسر الى حد كبير أسباب عودة المجنون إلى اطلاق تصريحات ايديولوجية "دينية" تثير الفزع وتستنفر العصبيات الموروثة ضد عدو تاريخي/ جغرافي مستفيدا من اخطاء وثغرات و"ارهاب" ليس بعيدا في تصوراته السياسية عن هذيان المجنون. وبوش كما يبدو بدأ يستعيد عافيته السيئة واخذ يسترد ثقته بنفسه. وبسبب احساسه بالقوة ارتفعت درجة حرارته إلى درجة العظام/ الانفصام. "خذوا الحكمة من افواه المجانين" ليست مجرد موعظة وانما قيلت للتنبيه وضرورة اخذ الحيطة حتى من ذاك القبيل الذي لا نعطيه الاحترام ولا نكترث لكلامه. فالكلام في النهاية من فضة وحين يتكلم المجنون المسلح بالمال والقوة على العاقل ان ينصت حتى يقرأ بوضوح معاني تلك اللغة الهاذية
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1133 - الأربعاء 12 أكتوبر 2005م الموافق 09 رمضان 1426هـ