زرت دبي الصيف الماضي لحضور زواج عائلي، وزرتها مطلع الأسبوع لحضور واجب عزاء، وشدّ ما كان اختلاف الأمس عن اليوم.
من الوهلة الأولى لنزولك في المطار، تشعر أن الوضع ليس كما كان، فهناك تقلصٌ ملموسٌ في حركة المسافرين. لا طوابير طويلة أمام مكتب ختم الجوازات. لا زحام شديد في موقف السيارات.
الملاحظة الثانية عندما تستقل السيارة... أين اختفى الزحام الخانق في الشوارع؟ الوصول إلى السكن كان يستغرق نصف ساعة، أما هذه المرة فلم نستغرق أكثر من عشر دقائق، من باب المطار إلى باب المنزل.
هذه الملاحظة تأكّدت خلال الأيام التالية في تنقلاتنا في أوقات مختلفة، في الماضي كنت تسمع الكثير من الشكوى والتذمر بسبب زحام الشوارع، رغم ما أقيم من إنشاءات وجسور، أما اليوم فهناك ارتياحٌ كبيرٌ لتراجع الزحام بصورة لافتة و»مريحة للأعصاب»! حتى شوارع السوق المكتظ دائما بالسيارات في قلب دبي، تلاحظ انسيابية حركة السيارات فيها.
آخر تصريحٍ قرأته قبل سفري إلى دبي، كان لرئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي محمد بن راشد. كان واضحا أنه يرد على ما اعتبره «شائعات»، وينفي أن تكون دبي معروضة للبيع. التصريح جاء على خلفية تقارير كثيرة في «صحف دولية مرموقة» حسب وصف الحاكم نفسه، تحدّثت عن آثار ومظاهر الأزمة المالية العالمية على هذه الإمارة المزدهرة. التصريح نفسه - بصراحة - هو الذي أوحى لي بعنوان المقال، وهو ما تأكّد لي بعد هذه الزيارة العابرة، فلم أقتنع كقارئ ومتابع أن «الأزمة المالية أصبحت من الماضي وراء ظهورنا»، و»أن اقتصاد دبي والإمارات تجاوزها بأقل قدرٍ من الخسائر».
لعل أشهر التقارير ما انتشر على نطاق واسع عبر شبكة الإنترنت عن «آلاف السيارات» التي تركها أجانب في مطار دبي وغادروا إلى بلدانهم، دون أن يسدّدوا أقساطها، وهو ما تنفيه السلطات وتعترف بوجود نحو العشرين أو الثلاثين سيارة فقط كحالات فردية لا جماعية.
التقارير تتحدّث عن موسمٍ صعب مع حلول الصيف، إذ يُتوقع حملة «جلاء عشرات الآلاف» من الأجانب، يمنعهم المغادرة الآن ارتباط أبنائهم بالمدارس. وهو ما قلّل من شأنه حاكم دبي أيضا، إذ اعتبر الاستغناء عن الموظفين الذين لم تعد لهم وظائف أمرا طبيعيا، وأنه «لا توجد حملة ولا ذروة في الشهور المقبلة». مع ذلك لا تفلح هذه التصريحات من بعث الطمأنينة في النفوس، فأغلبية الأجانب (74 في المئة) لا يشعرون بالاستقرار في أعمالهم ويخشون مواجهة البطالة، حسب آخر استطلاع أجري داخل الإمارات.
التقارير تتحدّث أيضا عن توقف بعض المشروعات أو تأجيلها. وسمعت كلاما من بعض أهالي دبي المتفائلين، الذين يفخرون بتواصل العمل في «ترمينال 3» بالمطار، ضمن خطة طموحة لإنشاء أكبر مطار في العالم. ومع أول عودتي للعمل (أمس) قرأت تقريرا لـ «رويترز»، ينقل عن الرئيس التنفيذي لشركة مطارات دبي (بول جريفيثز) القول إن إتمام المشروع قد يؤجل إلى ما بعد 2015، وإن الشركة تدرس تطوير المنشآت القائمة حاليا للتعامل مع الرحلات الإضافية حتى يتم افتتاحه. دبي ما بعد الأزمة ليس دبي ما بعدها. دبي المزدهرة الطموحة اليوم جريحة، وتحتاج حتى تلتئم جروحها إلى وقتٍ... قد يطول.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2427 - الثلثاء 28 أبريل 2009م الموافق 03 جمادى الأولى 1430هـ