في ندوة "الأزمة الدستورية ومزاعم الاستقواء بالخارج" التي انتقلت "ليس إلى رحمة الله"، بل من يوم ثلثاء إلى ثلثاء آخر، ومن "العروبة" إلى مقر العمل الوطني الديمقراطي، ومن السابع إلى الرابع عشر من سبتمبر / أيلول الماضي، كان موضوع الصحافة والإعلام طاغيا، ومتهما في آن. فثمة من وصفها "الصحافة المحلية - ليس كلها، بل جلها" بتشويه الحقائق، وهناك من اتهمها بـ "التآمر على الوعي"، فيما عرج آخرون على "الأقلام المأجورة" التي تزخر بها صحافتنا، غير أن رئيس جمعية العمل الديمقراطي إبراهيم شريف، طالب بـ "ساعة" للمعارضة في الإعلام الرسمي لعرض وجهة نظرها للتخلص من عقدة اللجوء للخارج، وفزعة صحافتنا كلما تسمع "الخارج" ليرتعد خوفا "الداخل". مطالبة شريف لكسر احتكار الإعلام من قبل الدولة بـ "ساعة" من أصل 24 ساعة بث مباشر للإذاعة والتلفزيون لدعاية تميل إلى الحصول على ولاء جميع المواطنين للحكومة بالإجماع، أي ما يعادل 4 في المئة من إجمالي البث المباشر، قد تبدو زهيدة، لكنها نسبة كبيرة ومبالغ فيها من منظور حسابات الدولة، أي كأنك تستأجر مفرزة من مفرزات شرطتها، وذلك لأن الصحافة والإعلام يعتبران سلاحا على جانب عظيم من الخطورة، من أسلحة الصراع السياسي. وعلى رغم أن طموح إبراهيم شريف مشروع في أية دولة ديمقراطية، تلتزم التعددية وعدم احتكار وهيمنة الدولة على وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة، كي تسمع المعارضة صوتها، إلا أن حقيقة الأمر، أن رئيس "وعد" يبدو انه "يحمل أفكارا مستوردة" من واشنطن أثناء دراسته الجامعية هناك، وتعلم ان تعددية وسائل الإعلام عنصر من عناصر تعددية نظام الحكم إلى جانب تعددية الأحزاب السياسية. ثم ان تعددية الأحزاب السياسية تظل وهمية وشكلية إذا لم ترافقها تعددية وسائل الإعلام، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية التي درس فيها. في النظام الأساسي للمنبر الديمقراطي التقدمي، قرأت مادة بشأن "صحافة المنبر" تقول: "تعبر صحافة المنبر عن مواقف واهتمام المنبر، ويسعى المنبر لتكون له صحيفته اليومية لتعبر عن تلك المواقف والاهتمامات ولتوصيل رسالته إلى أعضائه وعموم المواطنين". وأيضا ذلك طموح مشروع للمنبر وغير المنبر، لكنه مبالغ فيه ونحن نعيش تحت نير قانون المطبوعات والنشر، إذ يحتاج إصدار صحيفة يومية إلى ملايين الدنانير، وتجميد مليون دينار في الحفظ والصون عند وزارة الإعلام، بينما المنبر مديون حتى الركبة بسبب نشرة شهرية وعاجز عن الدفع المادي والصحافي والمهني لإصدار هذه النشرة، فكيف بصحيفة يومية تعبر عن لسان حاله؟! المسألة تقوم على المال. صحيح أن كل تنظيم يستطيع أن ينشئ نشرة أو صحيفة إذا ما تطورت الأمور في المستقبل إن شاء الله. هذا من ناحية الحقوق، أما من ناحية الواقع فلابد أن يملك التنظيم مليونين أو أكثر من الدنانير حتى يصدر صحيفة يومية في البحرين، فكيف الحال بالمنبر، وعادة فإن صحافة الجمعيات السياسية مشروطة ولا تباع في الأكشاك، بل توزع على الأعضاء بالمجان؟! يقول أحد المفكرين السياسيين ان "السياسة لا تأتي بالتمنيات، وإنما تحتاج إلى وقائع وظروف ذاتية وموضوعية". وحتى يتحرر الإعلام من احتكار الدولة له، أو من تدخل الدولة فيه، ينبغي لنا أن نحارب ثقافة "تبليه" الناس عبر الصحافة والإعلام الرسمي، ومن ثم ننظر إلى التطور العالمي ونحسن الكلام حين التحدث عن الديمقراطية عندنا، ونعرف ماذا نريد، ونتحدث بشجاعة عن المثالب في ديمقراطيتنا والمشروع الإصلاحي، فليس الأمر أمنيات فحسب، بل الديمقراطية ضرورة محتمة لأي مجتمع ينشد الاستقرار، إلا أن وضع صحافتنا وإعلامنا يبعث على القلق، فبدل أن يكون جرس إنذار قبل استفحال الخطر، نراه يتستر على الخطر، فيما يستخدم أدوات الدعاية والتحريض لتحطيم المعارضة أو الفئات الأخرى في المجتمع، لنسمع بإذن الحكومة ونحس بحواسها الخمس، ونرى بعينها ونمشي مشيتها وعلى صراطها، وإلا نهدد بـشرعنة "مشروع برغبة" عن أحلامنا ليكون على مقاس غطائنا أثناء النوم. نريد للمواطن البحريني أن يعرف كل الآراء، ويكون لنفسه رأيا خاصا عبر قراءته للصحف أو متابعته للراديو والتلفزيون. فحين لا يرتفع أي صوت من الأصوات معارضا ومكذبا، وحين لا يمكن أن تعرف الحقيقة، يسهل على الصحيفة أن تكذب، ويسهل على التلفزيون أن يكذب، والراديو كذلك، وعليه؛ فإن من الصعب جدا إخفاء الحقيقة في نظام تقوم فيه وسائل الإعلام على التنافس في المشروعات الحرة، التي تعزز من الديمقراطية وتطورها، لا أن تحصرها بيد قلة تباهي بها وهي غير موجودة عند الغير. ومن يلغي الآخر لا يمكن أن يكون ديمقراطيا!
العدد 1132 - الثلثاء 11 أكتوبر 2005م الموافق 08 رمضان 1426هـ