العدد 1132 - الثلثاء 11 أكتوبر 2005م الموافق 08 رمضان 1426هـ

كثيرون يؤمنون بالحقيقة... وقليلون ينطقون بها!

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

يقول نزار قباني في كتابه الجميل "الأعمال النثرية الكاملة" ص 8 "النقد في العالم العربي محاط باللآءات، محاط بالممنوعات. .. هو نوع من التابو، نحن في عالم عربي مطحون بتناقضاته وعقده. انا لا استطيع ان ارضي الجميع... هذا مستحيل، ونحن فينا السلفي والمتدين والرجعي والشعوبي والعلماني وما إليه، اذا كيف ستسلك القصيدة إلى سبيلها في كل هذه الطرق... فلو انني حاولت أن أداري هذا المجتمع بكل تناقضاته لما رماني أحد بحجر، ولكنني اعود فاكتشف ان الذي كونني في النهاية، هو هذه الحجارة فهي ضربت نحوي إلى أن جعلت مني تمثالا". النقد الأدبي مهم للشعر والنقد السياسي مهم لكل سياسي يحاول أن يشتغل في الشأن السياسي وليس أحد فوق النقد. الكاتب ما دام يكتب في الشأن العام فيجب ألا يعيش نرجسية احتكار الحقيقة فلا يعطي رؤى على انها يقينيات سياسية... يقدم بضاعته، من شاء اخذها ومن شاء لم يشترها وهكذا هو المحامي والمثقف والدكتور... في السياسة لا توجد قطعيات، فرمال السياسة متحركة والاجواء العالمية زئبقية وهناك الف شعار وشعار ديماغوجي كاذب. والسياسة فن الممكن بل فلنقل هي فن الموجود، وما هو على الأرض ولعلها تقترب من مفهوم أنيس منصور على أنها "أي السياسة": فن السفالة الأنيق. هناك أنظمة مصالح اجتماعية وسياسية واقتصادية فينبغي للاعب فيها ألا يكون فيها متصلبا بلا حراك كعمود الكهرباء. الحقيقة قد تكون مؤلمة لكن الهروب منها سيكون اشد إيلاما. الدروشة السياسية والتصوف السياسي هو عبارة عن تقاعد ذهني وتطييف ونوم في كهف التاريخ. قد ينام المرء على احلام عسلية وقد يرقص طربا لما يدغدغ المشاعر ولكنه لو سأل نفسه سؤالا واحدا: ثم ماذا؟ سيكتشف مقدار الوهم وسيكتشف انه يحتاج إلى رجيم حاد لازالة الترهلات المتدلية على عقله. سيكتشف ان سمنة العقل قد تقوده إلى سكتة قلبية سياسية وحياتية. وسمنة العقل أكثر خطرا على الانسان من سمنة الجسد. الاماني بضاعة الضعفاء والعمل بضاعة الأقوياء. والطامة الكبرى هي في الهروب من الواقع. كثيرون يؤمنون بالحقيقة وقليلون من ينطقون بها. وهذه احدى مشكلاتنا الاجتماعية والسياسية. من يؤمن بحقيقة موقف لا ينطق به لاحبته كي ينجيهم من اية كارثة سياسية... كي يحمي الاجيال والمستقبل، والحلم لا يصنع خبزا ولو كان بحجم الذرة. 50 عاما والشعوب العربية في غالبيتها تنقل من وهم إلى وهم، وأتمنى من شبابنا ان يقرأوا كتاب "النقد الذاتي" لخالص جلبي هذا المفكر الاسلامي الواعي. هو مفكر اسلامي وكذلك جراح كبير يشتغل ليلا في عمليات جراحية للمرضى في المستشفيات وفي النهار يقوم بعمليات جراحية لعقل المسلم العربي لإزالة الخرافات والاوهام والمثولوجيات، بعض شبابنا يقرأ السياسة بمرتكزات كتب الابراج والحظ والسحر والشعوذة. هذه الكتب التي عملت سنين على تخريف عقول نسائنا المتكدسات على أبواب بعض المشعوذات في مجتمعنا "قارئات الفنجان". يجب ان نغير نظرتنا للحياة في التنمية، في الاقتصاد، في المعرفة، في العلائق الانسانية، في معنى التمدن والحضر، في أهمية الاعلام، في مفهوم الخلافة في الارض ولماذا يقرن الله دائما في آياته بين الصلاة والزكاة... أي الصلاة والاقتصاد... الله يريدنا أن نقرأ القرآن أيضا قراءة اقتصادية... الزكاة رمز للمال. ما مفهوم التمكين في الآية "الذين ان مكناهم في الأرض اقاموا الصلاة وآتوا الزكاة" "الحج: 21" ما هو التمكين الاقتصادي في هذه الآية. لماذا اليهود يطبقون الشق الاقتصادي من الآية ونحن المسلمين نسيناه؟ الحكمة الجميلة تقول: تتغير حياتك اذا غيرت تفكيرك... أو ما بقلبك. والجاهل عدو نفسه فكيف يكون صديقا لغيره؟ ولنسأل انفسنا ماذا فعلت أميركا لالمانيا بعد الحرب العالمية من دعم اقتصادي كبير عبر مشروع مارشال لبناء المانيا، وماذا فعلنا نحن للعراق الآن؟ ماذا قدمنا للبنان بعد 17 سنة من الحرب الأهلية؟ ماذا فعلنا لفلسطين؟ ما اقسانا على اخطاء غيرنا وما أرأفنا بأخطائنا. يجب ان نعطي ابناءنا دروسا في الواقعية ولنتحمل نقد المحب ونقد الكاره فكلا النقدين قد يساعدانك على ازالة المياه المالحة من العقل والامام الصادق "ع" يقول "رحم الله من اهدى إلي عيوبي" ويجب ان نتعلم فضيلة الاختلاف ومن انفالها النقد بلا تجريح أو شخصنة وما أجملها من مقولة جميلة "تريد ان تهرب من النقد لا تتكلم... لا تعمل... كن لا شيء"

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 1132 - الثلثاء 11 أكتوبر 2005م الموافق 08 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً