العدد 1132 - الثلثاء 11 أكتوبر 2005م الموافق 08 رمضان 1426هـ

التوهان بين الصهاينة والأميركان!

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

لماذا نعيش هذه الحال من التيه بين ما تطرحه الحكومة وبين ما يتسرب إلينا من أخبار ومعلومات من مصادر أميركية وصهيونية متعددة، عن توجه الحكومة الرسمي لرفع الحظر عن البضائع الصهيونية، ومن ثم فتح الباب واسعا أمام قطار التطبيع مع العدو الذي لايزال جاثما على أنفاس أبنائنا وأشقائنا في فلسطين، ولايزال جنوده يدنسون المسجد الأقصى وقبة الصخرة والحرم الإبراهيمي بأحذيتهم القذرة وأنفاسهم النتنة؟ لماذا تصر الحكومة على إدخالنا إلى بيت الطاعة الصهيوني، على رغم عدم وجود أية صلات قربى ولا وشائج مصاهرة تجبرنا على التعاطي معه بأي شكل من الأشكال؟ هل نحن بحاجة إلى أن نرتمي في أحضان السفاحين القتلة حتى نضمن بأن حد المقصلة لن يأتي على رقابنا، ومنذ متى كان الأحرار يركنون إلى الظلم وينقادون إلى المذبح بروح خانعة مستسلمة؟ ترى هل نسينا الجرح الفلسطيني؟ وصدى النشيد الفلسطيني "هذا هو الجرح الذي لا ينتهي، في ليلة لا تنتهي، في ساعة لا تنتهي، هذا هو الجرح الفلسطيني" لايزال يصم آذاننا ويذكرنا بالآلام التي عاشها أهلنا في فلسطين، والفظائع والجرائم التي ارتكبتها الحركات الصهيونية من أجل اقتلاع الشعب الفلسطيني ومن ثم زرع شذاذ الآفاق مكانه، وإطلاق اسم دولة "إسرائيل" على هذا الكيان العنصري البغيض. من المؤكد بأن أحدا من القراء الأعزاء لم ينس شاعر البحرين الشيخ أحمد بن محمد الخليفة الذي أبدع في كثير من مجالات الشعر، لكن ترى كم من المواطنين يتذكر قصيدته الشامخة عن فلسطين، التي كانت تدرس لطلبة البحرين في المرحلة الإعدادية، وكان من أبياتها: قل لصهيون وإن طال المدى سوف تطوون على الذل الجباها إن نار الثأر في أعماقنا لم يزل يغلي مدى الدهر لظاها إن عينا قد تغشاها الكرى ملت النوم وصدت عن كراها صرخة الأحرار دوت في الفضاء شعلة يومض في الأفق سناها يا لها من صرخة عاصفة ردد الشرق إلى الغرب صداها ترى لماذا تم شطب هذه القصيدة من مقررات اللغة العربية، ولماذا هذا الإصرار على تغييب فلسطين من ذاكرة أبنائنا الطلبة؟ هل يتم ذلك وفق ترتيبات لتذويب عدائنا التاريخي للعدو الصهيوني، حتى يتمكن هذا العدو من التسلل إلى بيوتنا بطرق شتى ليتولى خنقنا، تماما مثلما يتسرب غاز أول أكسيد الكربون إلى رئتي ضحاياه ليقضي عليهم دون أي علامات أو مؤشرات. ربما يقول البعض إن تغيير المناهج من سمات العصر، وهو يتم بهدف التطوير، لكننا نسأل هل إن تطوير المناهج يتطلب تغييب القضية العربية والإسلامية المركزية الأولى فلسطين التاريخ والإنسان؟ وللتدليل على أن هناك من يتعمد قتل الذاكرة المتعاطفة مع فلسطين في نفوس أبنائنا أسأل: هل تتذكرون الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان؟ نعم، إنها شقيقة الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، في المرحلة الإعدادية أيضا كنا نحفظ لها قصيدة تصف مأساة العام ،1948 حين احتل الصهاينة أرض فلسطين وأعلنوا إقامة دولتهم في 15 مايو / أيار من ذلك العام. كلمات وأبيات الشاعرة فدوى طوقان كانت تقرعنا وتحفزنا لكي لا ننسى فلسطين، ولايزال رنين كلماتها يرن في أذني: خلال دخان علا واستدار رأيت الحمى خربة ماحلة على العتبات تدب هوام وتعبر قافلة قافلة وبين الزوايا عناكب تحبو وتمعن في زحفها واغلة عيون مفقئة بعثرت على الأرض حباتها السائلة وأيد مقطعة ووجوه غزا الترب ألوانها القاحلة من هذه القصائد كنا نتعرف على الوجه الحقيقي للصهاينة المحتلين المتوحشين، الذي بقروا بطون الحوامل وقتلوا الأطفال، ودمروا قرى فلسطينية كاملة على رؤوس أهلها، ولم يرحموا أي فلسطيني توسل إليهم بأن لا يقتلوا أبناءه، أو ترجاهم ألا يهتكوا عرضه، أو لا يحرقوا داره. أسماء فلسطينية لقرى عربية عاشت آلاف السنين، لكن الصهاينة مسحوها من على الخريطة، واستبدلوها بأسماء عبرانية لا تمت إلى الأرض بصلة، وأقاموا عليها المستوطنات والمستعمرات، ثم استكثروا على الفلسطينيين أن يقيموا حتى عددا محدودا من المخيمات تؤويهم وتحولهم من شعب مستقر إلى شعب لاجئ. هؤلاء الصهاينة، يطلب إلينا اليوم أن نضع أيدينا في أيديهم، في زمن تمكنا فيه من دحرهم بقوة الإيمان وسلاح الإرادة والتضامن وتعزيز الروح الفدائية، في زمن أصيب فيه المشروع الصهيوني العسكري بالوهن، فاضطر إلى الاستعانة بمن يؤمن له البقاء ويضمن له التفوق، وهكذا انبرت الولايات المتحدة الأميركية لإعادة تشكيل المنطقة، ونسج علاقاتها بشكل يخدم ربيبتها "إسرائيل". نعم، لقد انهار المشروع الصهيوني الحلم المتجسد في شعار "أرضك يا "إسرائيل" من النيل إلى الفرات"، ولم يعد ممكنا تحقيق الأكذوبة التي رسمت على العلم الصهيوني، نجمة داوود التي تمثل أرض "إسرائيل"، ويحدها خطان أزرقان الأول يمثل نهر النيل والآخر يمثل نهر الفرات، هذا الحلم تحول إلى كابوس على أيدي المقاومين في لبنان وفلسطين. وفي نشوة الفرح وزمن تحقيق المعجزات، تصر بعض الأنظمة العربية على تقديم التنازلات المجانية لهذا الثور المنخارة قواه تحت ضربات المقاومة الشعبية في كل من لبنان وفلسطين إذ ترسم الدماء العربية المسلمة خريطة العزة والنصر القادم بإذن الله. نحن نفهم أن تهب أميركا لنجدة حليفتها وابنتها المدللة، لكننا لا نفهم لماذا يقدم العرب هذه التنازلات المخزية من دون أي ضغط وبلا أي مبرر، سوى توقيع اتفاق تجارة حرة مع الكاوبوي الأميركي، لم نر منها إلى الآن أية منفعة بالمطلق، ويبدو أن شرورها تفوق أية إيجابيات لها مهما بلغت هذه الإيجابيات، إذا كان الثمن الذي يجب أن ندفعه هو التطبيع مع الدولة اللقيطة صنيعة الاستعمار والخنجر المغروس في خاصرتنا منذ أكثر من 50 عاما. وهنا لابد من تنبيه كل المواطنين بأن أميركا لا تمتلك حق فرض التطبيع مع الصهاينة على أحد من العرب، وأن من يريد التطبيع مع العدو الصهيوني، إنما هو يختار ذلك الطريق بملء إرادته هو، ومهما حاول البعض تمرير البضائع الصهيونية إلى الأسواق فإننا نستطيع بإرادتنا أن نفشل النوايا السوداء لهذا البعض، من خلال مقاطعة البضائع الصهيونية ومقاطعة من يسربها إلى أسواقنا. إنها جريمة نكراء تحتاج إلى أن يقف الجميع في وجهها رافضا، وهي ليست واجبا كفائيا يسقط عن أحد لمجرد أن الآخرين قاموا بالدعوة إلى الالتزام به، بل أنها على رأي جميع علماء المسلمين واجب عيني ملزم للجميع، ولا يحل لأحد أن يتاجر بدماء أبنائنا وأخواتنا وإخواننا الذين سقطوا تحت آلة القتل والتدمير الصهيونية. إننا نطالب كل العلماء ورجال الدين من كل المذاهب الإسلامية، كما نطالب كل الأحزاب والجمعيات السياسية وجميع مؤسسات المجتمع المدني، والكتاب والمثقفين والتجار ورجال الأعمال بالتصدي لهذا النهج المتخاذل والخائن الذي يسعى البعض لتسويقه علينا بشتى الطرق والحيل، ونطالب جميع أفراد شعبنا بأن يتنبهوا للخطورة التي يشكلها هذا الاختراق الصهيوني الكبير والخطير في آن واحد. اليوم طالبوا بإغلاق مكتب مقاطعة "إسرائيل" ورفع المقاطعة معها، وغدا يطالبون بنسج العلاقات الطبيعية مع العدو الباغي، ثم بعد ذلك يصبح هو المتحكم في كل حياتنا واقتصادنا، ويأتي الخبراء ليقرروا كيف يجب أن نقرأ القرآن، وما هي السور والآيات المسموح بها، والتي لا تخدش شعور الصهاينة، ولا تؤذي مشاعرهم، ثم بعد ذلك سيتدخلون في صوغ المناهج الدراسية، ليقرروا ماذا يجب أن يدرس أبناؤنا؟ وكيف يجب أن يكون لباسهم وطريقة كلامهم وتسريحة شعرهم؟. إنه الغزو الصهيوني بأسلوب جديد، حين يدخل إلى بيوتنا عبر المحطات الفضائية والاتفاقات الثنائية والتبادل التجاري والوعود البراقة الكاذبة، يساهم في تحويلنا إلى نوع آخر من البشر. نوع يتم تحسين صفاته الوراثية ويعاد ترتيب أولوياته وأبجدياته، وليس بمستبعد أن يعاد تركيب مفرداتنا اللغوية حتى نتخلص من حرف الضاد الذي يميزنا عن كل اللغات الحية الأخرى، بحجة أنه عائق أمام التطور والانفتاح على الآخر. وأخيرا... فإن الأمل معقود على المواطنين جميعا بأن يفشلوا هذا المخطط المشبوه لتمرير البضائع الصهيونية لأسواقنا، من خلال التصدي الجماعي لكل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني تحت أية مبررات وأية مسميات، فلقد آن الآوان لوقف مسلسل التوهان بين الصهاينة والأميركان. * رئيس جمعية مقاومة التطبيع

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 1132 - الثلثاء 11 أكتوبر 2005م الموافق 08 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً