العدد 1132 - الثلثاء 11 أكتوبر 2005م الموافق 08 رمضان 1426هـ

نفي النفي... إثبات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

نفى ناطق رسمي باسم "البيت الأبيض" ما نقله نبيل شعث عن الرئيس الأميركي من كلام تردد خلال اللقاء الذي جمعه بحضور رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. شعث روى إلى محطة "بي بي سي" ان الرئيس جورج بوش قال في جلسته إنه "كليم الله" ويتلقى أوامره بتكليف الهي. والرب أمره بأن يذهب إلى أفغانستان. وأمره ثانية بالذهاب إلى العراق. وهو الآن يطلب منه أن يعطي الشعب الفلسطيني "دولة" وأن يجلب الأمن لـ "إسرائيل" ويحقق السلام في "الشرق الأوسط". نفى الناطق الرسمي هذا الكلام واعتبره يتنافى مع "العقل السليم". كذلك صحح شعث بعض ما أورده في المقابلة، ولكنه لم يتراجع عن مضمون الحديث. أما الرئيس الفلسطيني فضل التظاهر بالطرش، فهو كما قال: "لم يسمع مثل هذا الكلام". نفي النفي إثبات كما يقول المنطق الرياضي. فاذا نفيت الشيء ثم نفيته ثانية فهذا دليل على ان ما نفي هو الصحيح. فالناطق باسم الرئيس نفى، وشعث صحح، وعباس نفى خوفا من تداعيات ردة الفعل الأميركية على الشعب الفلسطيني التي قد تصل إلى حد سحب بوش وعده بإنشاء "دولة". النفي أيضا لم يحقق المراد منه، إذ تناقلت وسائل الإعلام الكلام وعلقت عليه معتبرة اياه ليس غريبا وليس جديدا. فمثل هذه الاختلاقات سبق للرئيس "المكلف" ان قالها للكثير من الصحافيين وكررها مرارا في أحاديثه الخاصة ومجالسه. الجديد إذا ليس النفي وانما توقيت صدور هذا الكلام عن مسئول فلسطيني وفي محطة بريطانية تعتبر الأهم في العالم. التوقيت ليس جيدا لا للشعب الفلسطيني لانه يعطي ذريعة للإدارة الأميركية لسحب وعودها، ولا للرئيس الأميركي الذي يستعد لخوض جولة عسكرية جديدة. عباس أدرك المشكلة باكرا واعتبر كلام شعث خطوة غير موفقة وربما خطة حاكتها "بي بي سي" لتوريط مسئول فلسطيني بحديث يثير السخرية من رئيس أكبر دولة في العالم يعتد بنفسه. ولهذا السبب ادعى عباس الطرش. فهو لم يسمع. وعدم السمع يعني ان الكلام ربما قيل وربما لم يقله بوش... بل فهم شعث منه هذا الأمر. الورطة الفلسطينية حصلت مهما حاول عباس تدارك الأمر وتنقيح الكلام. بقيت الآن فرصة صغيرة لمعرفة ردة الفعل الأميركية وكيف ستتعامل إدارة بوش مع هذه الفضيحة "الإهانة" التي جاءت ايضا في فترة تحضر واشنطن عدتها وعتادها لاختلاق مشكلة كبيرة مع إيران وربما سورية. التوقيت إذا لم يكن مناسبا للجانب الفلسطيني، كذلك لم يناسب خطة بوش الهجومية الجديدة التي أعلن عنها في خطاب القاه أمام "المعهد الوطني للديمقراطية" في واشنطن في اليوم الذي نقل شعث ذاك الكلام "المجنون". المصادفة إذا لعبت دورها وفضحت الكثير من الجوانب المظلمة من شخصية بوش التي كما يبدو تعاني الانفصام بين صعوبات داخلية تعطل عليه خوض مغامرة جديدة واوهام ايديولوجية "دينية" تشجعه على استكمال ما بدأه في العامين 2001 و.2003 الخطاب هو أقرب إلى الفضيحة وأسوأ سياسيا من الكلام الذي نقله عنه شعث في ذاك اللقاء الذي عقد في "البيت الأبيض" بعد نحو شهرين من سقوط بغداد. فالخطاب يدل على وجود شخصية منحرفة تقودها مجموعة أوهام ايديولوجية "دينية" ولكنها مسلحة بالمال والقوة والمعدات. فهو شبه خطر "التطرف الإسلامي" بالخطر الشيوعي، وهو ايضا حدد الإطار الجغرافي لمواجهة ذاك الخطر من اسبانيا "الاندلس" إلى اندونيسيا، مدعيا ان "الأصولية" تريد اقامة امبراطورية إسلامية لمحاربة الغرب انطلاقا من دولة محددة "مركز الخلافة" وهي العراق. الخطاب ليس بريئا. وخطورته انه يتظاهر بالخوف من "المجهول" ويدعي انه المنقذ "المكلف" من احتمال تفشي هذا الخطر وانتقاله. وبرأيه يجب على الولايات المتحدة والعالم مواجهة هذا التهديد الأمني الممتد في بقعة جغرافية تبدأ حدودها من غرب العالم الإسلامي "اسبانيا" إلى مشرقه "اندونيسيا". هذا الكلام قيل علنا في خطاب أمام معهد اميركي وليس في جلسة سرية عقدها الرئيس مع أجهزة مخابراته. والكلام مجنون وهو ليس بعيدا عن تلك الترهات التي لم يسمعها عباس في ذاك الاجتماع الخاص في "البيت الأبيض". نفي النفي إثبات. وخطاب الرئيس يؤكد أن ما نقله شعث عن بوش ليس بعيدا عن الحقيقة. فالآتي أعظم

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1132 - الثلثاء 11 أكتوبر 2005م الموافق 08 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً