في كل دساتير العالم "الاتحادية" تقود الدولة "المركز" الاقاليم والمحافظات والأطراف، إلا دستور العراق الجديد يستثنى من هذه القاعدة. فهو يشتمل على "سلة" مواد تتناقض مع بعضها وتنتهي إلى ان الاقليم يقود الدولة والجزء يقرر مصير الكل. فالتضارب في الصلاحيات هو الأساس. وحين تكون قواعد البناء محكومة بالتناقضات يصبح مصير الدولة على كف عفريت. مثلا ينص البند الخامس من المادة 91 على فقرة تتحدث عن صلاحيات "المحكمة الاتحادية العليا" مشيرة إلى أنها تتمتع بسلطة الفصل في المنازعات التي تحصل بين "الحكومة الاتحادية" و"حكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية"، فهناك "حكومة" في مقابل "حكومات" لا حصر لها. هذه مشكلة يمكن تجاوزها حين تؤكد المادة 92 على ان "قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة". فهذه المادة توضح صلاحيات المحكمة الاتحادية معتبرة اياها الاعلى. ثم تعيد المادة 93 تأكيد ما سبق حين تحسم الأمر وتحظر "انشاء محاكم خاصة أو استثنائية". حتى هنا المسألة مفهومة. بعدها تبدأ التعارضات حين ينتقل الدستور للتحدث عن صلاحيات الاقاليم. مثلا تشير المادة 115 إلى أن سلطات الأقاليم تتكون من "السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية". ويتبعها البند الأول من المادة 116 ليعطي "حكومات الأقاليم" الحق في "ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية" والبند الثاني يعطي لسلطة الاقليم الحق في "تعديل القانون الاتحادي في الاقليم في حال وجود تناقض بين القانون الاتحادي وقانون الاقليم". ويعطي البند الخامس الحق للأقاليم بتأسيس مكاتب لها وللمحافظات "في السفارات والبعثات الدبلوماسية لمتابعة الشئون الثقافية والاجتماعية والتنمية المحلية". يضاف إلى كل هذه الاستثناءات مجموعة صلاحيات للأقاليم تتصل بالسلطة التشريعية "المجلس الوطني" والدستورية "دستور الاقليم" والسلطة التنفيذية "مجلس وزراء الاقليم" والسلطة القضائية تعد محكمة تمييز الاقليم "أعلى سلطة قضائية فيه". هذه الصلاحيات اللامركزية أعطت سلطات الاقاليم قوة قانونية أعلى من السلطة المركزية على رغم ان المواد والبنود حاولت جاهدة الانتباه الى احتمال حصول تعارضات بين "الدولة الاتحادية" والاقاليم والمحافظات والادارات المحلية. فالدستور لاحظ مثل هذه المخاطر وأشار مرارا الى ان الصلاحيات والسلطات والأنظمة المرعية في الاقاليم يجب الا تتعارض مع "الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية". ولكن هذه الاستدراكات لا معنى لها حين يجيز الدستور للاقاليم سلطات فوقية وعليا خارج "الاختصاصات الحصرية" وهي تشمل كما تنص المادة 108 تسعة بنود تتضمن السياسة الخارجية والأمن الوطني والمالية والمقاييس والجنسية والاتصالات والموازنة العامة والمياه والاحصاء، مضافا اليها اختصاصات مشتركة بين "الاتحادية" و"الاقاليم". هذه الاضافة "المشتركة" يكمن في تفاصيلها الشيطان لانها غير واضحة وليست قاطعة. فلكل مادة استثناءات ولكل بند استدراكات. فهناك "الممنوع" والى جانبه "المسموح". والمسموح احيانا يتمتع بصلاحيات ميدانية تعطي سلطة الاقاليم قوة قانونية تستطيع استخدامها لممناعة دستور "الدولة الاتحادية" وتقويضه اذا توافرت شروطها أو حانت ظروفها. الاختصاصات الحصرية للدولة "المركزية" ليست حصرية في الواقع لانه يفرض شروطه في حال تعارضت مصالح الاقاليم مع سلطات الاتحاد وخصوصا ان الدستور لا يمكن تعديله الا "بموافقة السلطة التشريعية في الاقليم" في حال ارادت الدولة التخفيف من "صلاحيات الاقاليم" "البند الرابع من المادة 136". وتعزز هذا البند المادة 150 التي تؤكد استمرار العمل بالقوانين "التي تم تشريعها في اقليم كردستان منذ العام 1992". ومن هذه القوانين هناك مجموعة بنود تتصل بالموازنة العامة اذ تتشكل الايرادات من الحصة المقررة من الدولة مضافا اليها "موارد الاقليم المحلية"، والأمن الداخلي والشرطة والحرس "المادة 129". الدستور الجديد يشبه المجمعات "المخازن" التجارية الكبرى إذ يحتوي في داخله على محلات صغيرة تمارس البيع والشراء تحت يافطة عقارية واحدة يطلق عليها مجازا: دولة العراق
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1131 - الإثنين 10 أكتوبر 2005م الموافق 07 رمضان 1426هـ