تتمتع كل ولاية أميركية بخدمات وأنظمة خاصة بها تميزها عن بعضها بعضا لكن في المناطق التي تعرف باسم "المناطق المحجوزة للهنود الحمر" فإن الأمر يختلف واقعا وخصوصا ان ما تبقى من قبائل الهنود قليل جدا اذ ان غالبيتها تعرضت للتطهير العرقي مع بداية اكتشاف القارة الأميركية الشمالية وتحديدا في ولايات الشرق الأميركي. ان الاعتراف بما جناه الغزاة الأوروبيون ضد هذه القبائل جاء متأخرا وقد يكون متحف "سكان أميركا الاصليين" الذي افتتح منذ سنوات قليلة في واشنطن دي سي بداية لسرد تاريخ هذه القبائل الهندية والأخرى من أميركا الوسطى والجنوبية بصورة مختلفة عما كانت تروج له سينما هوليوود. مناسبة الحديث عن ذلك هي زيارتي الأخيرة للولايات المتحدة التي شملت عددا من الولايات بما فيها ولاية نبراسكا الموجودة في وسط الغرب الأميركي والمعروفة بتحفظها وتعصبها وتحديدا في مدينة "اوماها" النامية صاحبة الغالبية "البيضاء" والتي تتميز بانقساماتها داخل مجتمعها الواحد إذ عادة لا تحبذ عناصر المجتمع "الابيض" الحاضرة وسط المدينة وفي مناطق الشمال من اوماها "السوداء" الافارقة الاميركيين أو حتى في مناطق الجنوب من اوماها التي يوجد فيها "الهسبانك" اي الاميركان ذوي الاصول اللاتينية. هذه الانقسامات موجودة من ولاية إلى أخرى لكن هناك ولايات مازالت مجتمعاتها مثل اوماها لا تحبذ التخالط كثيرا وقد تكون مناطق "الهنود الحمر" التي ترجع اصولها الى قبائل اوماها، وهو الاسم الذي سميت به هذه المدينة، كانت مثيرة للاهتمام كونها مناطق معزولة تخلو من الخدمات الكثيرة نتيجة عدم خضوعها لنظام الحكومة الأميركية... اذ ان النظام ينص على ان مناطق الهنود الحمر لا تخضع للسيطرة أو لقانون بحسب الاتفاق الذي حصل بين الطرفين ونتج عنه هذه الصورة الانعزالية المثيرة للشفقة في بلد من المفترض انه قوة عظمى! ليس هذا فحسب، بل ان المرشد المحلي لاوماها من السكان البيض عرف لي مسبقا قبل زيارة مناطق الهنود انهم اصحاب عرق معين يتعرضون لامراض معينة من دون غيرهم وانهم في الغالب مجتمعات تعاني من الادمان على الكحول. وعندما سألت احد المحليين من الهنود الحمر وهو رئيس تحرير صحيفة محلية للهنود رفع حاجبيه غير مستغرب لمثل هذه التعبيرات عن جماعته قائلا: "صحيح لكن هذه الأمراض هي أمراض العصر ولا تختلف عن باقي الاعراق فلدينا مشكلة السكر والبدانة وهي بسبب طبيعة الحياة الحالية أما عن الادمان على الكحول فهي مشكلة جميع المجتمعات الاميركية وليست فقط عندنا ولقد تفاقمت بسبب محاولات الحكومة غلق المستشفى الوحيد الذي تتعالج فيه جميع القبائل الهندية في الولايات المختلفة لأنهم عادة لا يتعالجون او يتداوون بالأعشاب الطبيعية فقط التي هي الأخرى بدأت طرقها تنقرض. ان هذه الصورة التي أنقلها لواقع اميركي مجهول هو واقع ينقل لنا الوجه الآخر للسلطة التنفيذية في الولايات المتحدة وكيفية تعاملها مع هذه الفئة تحديدا، فمناطق الهنود غير خاضعة للسلطة لا سياسيا ولا اجتماعيا اي شبه ولاية منعزلة وهو اسلوب ذكره لي احد المراقبين الاميركيين يؤدي إلى "اضمحلال تدريجي" للهنود بسبب نبذ عرقهم وثقافتهم وتاريخهم وخصوصا أن أحفاد مدينة اوماها هم في الغالب احفاد الاجيال التي سفكت دماء اجدادهم ومورست العنصرية ضدهم والتي آثارها مازالت ملموسة لكن بنسب مختلفة تبعا لظروف الزمن. فهل يا ترى تحل عقدة الغازي الأوروبي مع ما اقترفه ازاء السكان الاصليين؟ وهل متحف "سكان أميركا الاصليين" بداية لتحسين صورة المجتمعات البيضاء داخل المجتمع الأميركي...؟ أم هو مجرد تحسين صورة من أجل الدعاية الاميركية؟ على رغم ان الواقع الاميركي هو واقع أكثر عنصرية من غيره من باقي مجتمعات دول العالم... وقد تكون ولاية نبراسكا بمنطقة اوماها المحافظة ذات التوجه المسيحي المتشدد وصاحبة التاريخ العنصري والتصفية العرقية للقبائل الهندية مثالا حيا لممارسات العنصرية لكن بثوب وبشكل جديد
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 1131 - الإثنين 10 أكتوبر 2005م الموافق 07 رمضان 1426هـ