في افتتاحه لمهرجان طريق الحرير بتاريخ الثلثاء 27 سبتمبر/ أيلول الماضي في مدينة المعرض القديمة بالعاصمة السورية دمشق، أوضح وزير السياحة السوري سعدالله آغا القلعة أن مهرجان طريق الحرير جاء من أجل أن تستعيد سورية تقاليد ذلك التفاعل الخلاق بين الأمم والحضارات، الذي كانت سورية مركزه ومحوره، في مواقعه التاريخية الأصلية. إذ جاء في وقت تبرز فيه حاجة العالم إلى الحوار، مستفيدة من اللقاء، الذي يضم مئات الإعلاميين المقبلين من مختلف دول العالم، لإبراز الصورة الحضارية الحقيقية لسورية وللمنطقة العربية. وأضاف القلعة "اننا نسعى من خلال هذا المهرجان لكي تكون المجموعات السياحية قوافل طريق الحرير المعاصر، ولكي تتحول السياحة لتكون أهم أدوات حوار الحضارات وتمازجها وتشاركها في بناء مستقبل عالم متوازن وآمن، إذ كانت تلك القوافل تأتي لتبادل البضائع والسلع في البعد المباشر، ولتبادل الأفكار والثقافات والموسيقى والشعر والعادات والتقاليد والأزياء الفلكلورية والأطعمة في الأبعاد المتضافرة والمتشابكة، محققة عبر اللقاء، تمازجا حضاريا حول طريق الحرير إلى رمز للتفاعل الخلاق بين الأمم والحضارات"، مردفا: "لقد جذب موقع سورية الجغرافي المتميز الشعوب والأفكار منذ فجر التاريخ، فسارت القوافل على طريق الحرير شرقا وغربا، كمدن متنقلة حملت معها تراثها وحضارتها وخلاصة فكرها وتقاليدها وإنتاج بلادها، قاصدة سورية، لتتلاقى على أرضها، وهو ما جعل سورية موئلا لأهم أشكال المثاقفة الحضارية عبر التاريخ، ما أكسب شعبها استمرارية الإبداع، وتقاليد الضيافة، وحرارة المحبة، وكرم العيش في أمان وسلام". وشهدت على هذا الكلام تلك الفعاليات التي ضمها برنامج الاحتفال والتي تنوعت واتخذت أكثر من مكان ومن محافظة في سورية. فمن دمشق إلى تدمر إلى دير الزور إلى حلب كان مهرجان طريق الحرير متألقا طوال فترة المهرجان.

رحلة عبر الزمن

كانت البداية لذلك الخيط المتوهج الذي يصل بين الماضي والحاضر في مشهد تمثيلي في مدينة المعرض القديمة، إذ حكت مسرحية "رحلة عبر الزمن" التي قدمها نخبة من الفنانين السوريين الشباب في الهواء الطلق زوايا من ذلك الطريق البعيد في التاريخ. ذلك الطريق الذي يحكي جانبا مهما من تاريخ سورية العريق في لوحات فنية راقصة كان للأضواء والمناظر والملابس الدور الأول فيها في إشعار المشاهد وكأن طريق الحرير كان جسرا للتواصل بين الأمم.

دمشق

وفي دمشق أيضا، التي تعتبر أقدم مدينة لاتزال مأهولة والتي تضم بين تراثها الجامع الأموي، كنيسة القديس بولص، سوق الحميدية وضريح صلاح الدين الأيوبي كان هناك معرض للصناعات التقليدية ساهمت فيه السفارات: الإندونيسية، التركية، الأرمينية والأردنية، ورافقه عزف موسيقي تونسي تراثي، تلاه معرض للمنسوجات القديمة الإيطالية مع معرض الشخصيات الأسطورية في فن الكوميديا المسرحية. كما كان هناك معرض للخط العربي ولتخطيط القرآن الكريم مع معرض صور في خان أسعد باشا. هذا، وساهمت الفرق الفنية "تربسيخورة" الألمانية وفرقة "بارتينا" المجرية في إحياء فعاليات اليوم الأول.

تدمر

وفي تدمر، تلك المحافظة النائمة على حكايات زنوبيا وعلى مسرحها التاريخي كان تألق الحفل الفني مع استعراض أعلام لفرقة "غيلملزوايرز" البلجيكية، فرقة "خريستوبوتيف" البلغارية والفرقة الوطنية الجورجية الفلكلورية. كما قدمت فرقة الرقة للفنون الشعبية لوحات فنية رائعة. بينما حفلت تدمر أيضا بسباق جري "ماراثون" إلى جانب افتتاح فعاليات الخيم البدوية.

دير الزور

اليوم الثالث من المهرجان كان في محافظة دير الزور. فعلى حوض نهر الفرات نشأت أقدم الحضارات الإنسانية التي جعلت دير الزور تتألق بأقدم المنشآت المعمارية وتفخر بأهم مكتشفاتها الأثرية، الأمر الذي جعل من دير الزور أجمل زمردة خضراء وسط الصحراء. وكان هناك في دير الزور سباق زوارق في نهر الفرات وسباق سباحة. كما أحيي ليلها بحفلات فنية في حديقة "حويجة صقر" شاركت فيه فرقة "تربيسخورة" الألمانية، فرقة "بارتينا" المجرية وفرقة سحر طه للفن العراقي.

حلب

أما حلب المدينة الأسطورية بتاريخها وانتصاراتها منذ العام الثالث "ق. م" فقد كانت الرحلة الأخيرة في مهرجان طريق الحرير العام 2005 في سورية، إذ كانت بها ندوة عن تاريخ الموسيقى والأدوات الموسيقية وتأثير التبادل بين الدول عليها. مع عزف على القانون أحياه الفنان خليل قرى دومان. لقد كان مهرجان طريق الحرير بحق سيمفونية رائعة جمعت بين الإبداع والابتكار، بين الثقافة والترفيه، بين الصداقة والفرح، وبين الماضي والحاضر. إذ نقل طريق الحرير المشاهدين والمتابعين عبر الحقيقة إلى حلم رائع، ومشهد بديع ارتدت فيه سورية ثياب الأصالة مزينة بأروع الألوان لإحياء لحظات لا تنسى