العدد 1130 - الأحد 09 أكتوبر 2005م الموافق 06 رمضان 1426هـ

دستور منازعات أهلية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بعد أقل من أسبوع يتوقع أن يعطي الشعب العراقي رأيه "نعم أو لا" بالدستور. وقبل أن يقترب موعد الاقتراع لابد من قراءة تلك النصوص والمواد والبنود لتكون صورة العراق ومستقبله واضحة. فالكلام العام لا يكفي، كذلك التصريحات السلبية "النارية" التي تشوش الذهن وتعطل التفكير. الدستور سيئ وتحديدا حين يتعرض لموضوع الأقاليم والمحافظات. فالمواد متعارضة والبنود متضاربة إلى درجة يمكن أن تحدث اهتزازات في علاقات المجموعات الأهلية وتدفع المناطق إلى منافسات يحتمل أن تتورط خلالها في مجابهات ساخنة تقوض وحدة الكيان العراقي. هذه المسألة يجب أخذها في الاعتبار. وهناك احتمالات كثيرة ترجح دخول العراق في سلسلة اضطرابات تزعزع البناء الاجتماعي وتدفع التكتلات السياسية نحو منازعات تفكك أو تشرع التقسيمات الواقعية التي كشفها الاحتلال واستخدمها لتمرير مشروعه التقويضي. فالدستور يشجع على المنازعات ويقلل من فرص التفاهم على صيغة متجانسة تضمن التوازن وتقيم العدل. شعب العراق أمام امتحان كبير وكل الاحتمالات مطروحة في المستقبل القريب وتحديدا النزاع على الدستور وصلاحيات السلطات الاتحادية وتضاربها مع صلاحيات سلطات الأقاليم. وهذا الاختلاف على تفسير المواد والبنود الواردة في الدستور ربما يشد أطراف المجتمع ومناطقه إلى اصطدامات أهلية لتشكل مراكز نفوذ وقوى متسلحة بشرعية دستورية. الكلام الفضفاض الذي تشمله المواد والبنود عن حقوق الإنسان، والحريات والصحافة، واحترام الأقليات، وتوازن الأجهزة، والتساوي أمام القانون، والجنسية والتجنس، واللجوء السياسي، والعمل النقابي، والملكية الخاصة والتملك، والانتقال، وتشكيل الأحزاب، وحرية الاجتماع والتظاهر، ومنع التنصت، واحترام الشعائر والعبادات... كلها نقاط مهمة ولكنها تسقط حين تتضارب الصلاحيات وتدب الفوضى وتأخذ الأقاليم بقضم سلطات الاتحاد بذرائع غير مفهومة نص عليها الدستور. المشكلة إذا ليست في الكلام العام وإنما في تمزق الصلاحيات وتبعثرها وعدم وضوح العلاقة بين الاتحاد والأقاليم. وغموض تلك الشبكة من الاتصالات ربما يساعد لاحقا على بلورة خطوط تماس أهلية يصعب السيطرة عليها أو إداراتها مركزيا. فالبند الأول في المادة 63 يشير إلى وجود مجلس تشريعي أطلق عليه "مجلس الاتحاد" ويضم الأقاليم والمحافظات للنظر في مشروعات القوانين ذات العلاقة بالأقاليم والمحافظات. ولكن هذا المجلس "الاتحادي" يفتقد إلى قوة قانونية تعطيه صلاحيات التدخل وفرض شروط السلطة "الدولة" المركزية في حال تعارضت المصالح بين المركز والأقاليم والمحافظات. هذه النقطة الخلافية واضحة في الدستور الأميركي مثلا. فالولايات المتحدة دولة مركزية "فيدرالية" وتتمتع ولاياتها ببعض الصلاحيات ولكن حين تتعارض مصالحها مع الدولة "المركز" تحسم المسألة للسلطات الفيدرالية. فقانون الدولة "الفيدرالية" أعلى من قانون الولاية. والأخيرة مهما كبر شأنها تخضع للسلطة المركزية. في لبنان أيضا هذه المسألة واضحة. فالدستور اللبناني طائفي ويقوم على مبدأ المحاصصة في توزيع المقاعد النيابية والوزارية، إلا أن المحافظات تخضع للدولة "المركز" حتى لو كانت الدولة في أضعف حالاتها. فالقانون في لبنان الطائفي لا يسمح لأية طائفة أو محافظة أو قضاء بالانفصال أو الانسلاخ عن الدولة، ويعطي الدستور للمركز حق استخدام القوة المسلحة لاحتواء محاولات الانقسام. فالدستور اللبناني يميز بين الاعتراف القانوني بمجموعاته الأهلية "الطائفية" وبين وحدة الدولة. ففي الدستور هناك فارق جوهري بين حق الاعتراف "قانون الأحوال الشخصية مثلا" وبين الخضوع للقانون الواحد والتساوي أمامه من دون تمييز أو تفرقة. فالدولة في لبنان واحدة دستوريا والطوائف متعددة عرفيا ولا يجوز قانونيا أن تتحول الطوائف إلى دويلات طائفية أو مناطقية "دستوريا" حتى لو تمتعت بخصوصيات وأنظمة أهلية داخلية. الدستور العراقي غير واضح الشخصية في هذا المجال. فهو أشبه بخلطة غير موفقة تجمع آراء وأفكارا ووجهات نظر ومواد قانونية لزجة "مطاطة" تسمح للبند الواحد أن يفسر بطريقتين: واحدة اتحادية والثانية إقليمية "كونفيدرالية" تعطي الإقليم قوة قانونية تتجاوز صلاحيات الاتحاد. عدم الوضوح هذا يرفع نسبة المخاوف من احتمال تعرض "الدولة الاتحادية" إلى ارتجاجات قانونية تزعزع أركانها وتهدم القواعد التي تأسس عليها البنيان السياسي - الدستوري. وللحديث صلة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1130 - الأحد 09 أكتوبر 2005م الموافق 06 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً