في برنامج على قناة "الصفوة" مساء أمس كان البرنامج الحواري يتحدث عن الشأن الكويتي، وتحدث اثناء الحوار الصحافي الكويتي المعروف محمد الجاسم الذي كان جريئا في طرحه عندما أشار إلى ان بعضا من البلاء الذي تعاني منه الكويت "وغير الكويت أيضا" هو ان "الفساد أصبح مؤسسة"، وان هناك مؤسسة أخرى تدعمها وهي "مؤسسة النفاق"، وضرب أمثالا ربما لايسعنا ذكرها في البحرين نظرا إلى ان سقف الحرية لدينا مازال أقل مما هو في الكويت. حديث الجاسم أصاب في لب المشكلة لانه أشار إلى ان المؤسسة تعني وجود أعمدة لها، وأنظمة، ورموزا، وان قوتها مستمدة من قوة ما تقوم عليه. وانه أصاب عندما قال ان هناك مؤسسة أخرى تدعم الفساد، وهي "مؤسسة النفاق" القائمة على المجاملات وعلى إسماع الاخرين الاطراء الذي يودون سماعه، وقائمة على الحصول على مكاسب من خلال التقرب من "مؤسسة الفساد". البعض يطرح بان مشكلتنا تكمن في الطائفية، أو في العنصرية، أو في وجهات النظر الضيقة التي تنتشر هنا وهناك، ولكن الواقع هو ان كل هذه السيئات انما هي نتاج متفرع من مؤسستي الفساد والنفاق اللتين تضربان في الاعماق، وتمتصان خيرات العباد والبلاد لصالح الفئة القليلة التي حصنت نفسها ولن تتضرر من كل ما ينتج من سياسات وممارسات. ربما ان الوضع ليس بالسوء الذي وصفه الجاسم لان هناك اشراقات كثيرة في بلادنا، ولان الاوضاع الدولية والاقليمية تتجه نحو الاصلاح، وان الموجة الديمقراطية بدأت تصل إلى منطقتنا. ولكن لو نظرنا إلى ما قاله الجاسم، فإنه فعلا تشخيص دقيق لكثير من المشكلات التي نعاني منها في بلداننا. فكثير من النخبة المتنفذة ليس لها هم سوى "شفط" أكبر كمية من خيرات البلاد حتى لو كان ذلك يعني هلاك الآخرين وتخلق عجلة التنمية. وكثير من هذه النخبة هي أساسا فوق القانون، ولاتستطيع أية جهة الوقوف امامهم أو اللجوء الى القضاء لمواجهتهم. ودليل ذلك انه لم نسمع في يوم من الايام ان تعرض أحد المتنفذين الضليعين في امور غير حسنة الى المساءلة أو العقاب. ان الديمقراطية لايمكنها ان تستقيم الا في بيئة تكافح الفساد عبر الاجراءات الواضحة والتي تطول أي شخص فاسد مهما علت مكانته السياسية او الاقتصادية، او وجاهته الاجتماعية، أو منصبه. وهذا ما يدعو اليه "منتدى المستقبل" الذي سينعقد الشهر المقبل بحضور وزراء خارجية الدول الصناعية الكبرى التي طرحت مبادرة "شراكة" مع الحاكمين ومع أصحاب الاعمال ومع المجتمع المدني، من أجل اصلاح الشرق الاوسط. وأحد أهم متطلبات الاصلاح هو اقامة "الحكم الصالح" المعتمد على المساواة وعلى حكم القانون وعلى الشفافية وعلى ازالة كل ما يعوق التنمية الانسانية بمفاهيمها الواسعة التي تشمل الجوانب المدنية والسياسية والاقتصادية والتنموية والبيئية والاجتماعية والثقافية
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1130 - الأحد 09 أكتوبر 2005م الموافق 06 رمضان 1426هـ