العدد 1129 - السبت 08 أكتوبر 2005م الموافق 05 رمضان 1426هـ

محاربون وعمال وطلبة مسلمون وضعوا نواة الإسلام في ألمانيا

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

على رغم أن معظم السياسيين الألمان ينفون أن بلدهم أصبح بفعل الهجرة التقليدية أو تلك التي فرضت نفسها من خلال نتائج الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا وأوروبا، بلدا متعدد الثقافات، إلا أن من يزور ألمانيا وخصوصا مدن برلين وكولون وبون ودوسلدورف يحصل على دليل يؤيد أولئك الذين يقولون إن ألمانيا باتت متعددة الثقافات. فالوجود التركي خصوصا وكذلك العربي وغير ذلك من أجناس أخرى بصورة واضحة يعكس رأي المجموعة الثانية. وحين زار البابا بنيديكت السادس عشر الذي ينحدر من ولاية بافاريا بلده ألمانيا قبل أسابيع قليلة تم التحضير لزيارة إليه في مقره قام بها وفد يمثل الجالية الإسلامية في ألمانيا كان أعضاء الوفد من أتراك وعرب. من بين 3 ملايين مسلم تتنامى أعدادهم باستمرار يقيمون بصورة دائمة في ألمانيا وبعضهم حصل على الجنسية الألمانية، فإن الغالبية تركية، ما يجعل البعض يتحدث عن إسلام تركي في ألمانيا. لكن ليس معنى ذلك أن الأقلية العربية ليست نشطة في ممارسة شعائر الإسلام والسعي المستمر إلى الفوز بحقوقها التي يضمنها لها الدستور، أي القانون الأساسي الألماني. وقد كسب المسلمون كافة الدعاوى التي رفعوها أمام محاكم محلية إن كان طلبا للسماح لهم بالذبح الحلال أو بناء المساجد وغير ذلك، لكن مازالت هناك خلافات واضحة مع الدولة والمجتمع منها قضية الحجاب المنتظر أن تتفاقم من جديد في حال تولت وزيرة الثقافة في ولاية بادن فوتمبيرغ أنيتي شافان منصب وزيرة التربية والتعليم في حكومة تتزعمها المستشارة أنجيلا ميركل. إذ كانت شافان هي التي قامت بمنع مدرسة ألمانية من أصل أفغاني من ممارسة مهنتها عندما رفضت التخلي عن الحجاب معتبرة إياه وسيلة للتبشير بالإسلام. تبعت تلك الواقعة وقائع مشابهة في عدد من المدن الألمانية. بعد حظر الحجاب في مدارس فرنسا فإن المراقبين لا يستبعدون اتخاذ ألمانيا قرارا مماثلا في المستقبل القريب. لكن على صعيد آخر، فإن بعض الولايات الألمانية تفكر جديا في السماح بتدريس تعاليم الإسلام في المدارس الرسمية. وكانت ولاية سكسونيا السفلى وعاصمتها مدينة هانوفر أول ولاية محلية قامت بهذه الخطوة التي نالت استحسانا واسعا في صفوف الجالية الإسلامية في سكسونيا السفلى. يعتمد التعامل مع المسلمين ومراعاة حقوقهم واحتياجاتهم على الأشخاص. على سبيل المثال فإن رئيس الحكومة المحلية لولاية سكسونيا السفلى هو كريستيان فولف الذي ينتمي للاتحاد المسيحي وهو سياسي شاب له مستقبل واعد. في الوقت الحالي يتصدر السياسيين الأكثر شعبية في ألمانيا. وهو متفتح على احتياجات الجاليات الأجنبية، بينما في ولاية بافاريا التي يحكمها سياسيون متعصبون ينتمون للحزب الاجتماعي المسيحي فإن نظرتهم للإسلام ناقدة. وكانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول العام 2001 ضربة قوية للمسلمين في ألمانيا أيضا، إذ كتب عليهم تلقي الانتقادات والشكوك والإهانات من قبل وسائل الإعلام المحلية. ووجد المسلمون أنه لابد من التصدي للحملات الإعلامية المغرضة، وتقوم منظمات إسلامية بهذه المهمة علـى أن الصحف ومحطات التلفزة في هذا البلد لا تفتح الأبواب أمام ممثلي المسلمين مثلما تفتحه أمام ممثلي الجالية اليهودية. في الغضون أصبح الإسلام ثاني أكبر دين في ألمانيا بعد الكاثوليكية وقبل الإنجيلية. ويرى الخبراء أن الوضع الديموغرافي في ألمانيا في تحول مستمر. مقابل انخفاض عدد المواليد عند الألمان فإن التكاثر مستمر في صفوف الأجانب والمسلمين بالذات. ويعتقد هؤلاء الخبراء أنه في العام 2040 سيصبح عدد الجالية الإسلامية كبيرا. ويلاحظ أن الأحزاب الألمانية سعت خلال الحملة الانتخابية الأخيرة لكسب ود الألمان من أصل أجنبي. وقام المستشار غيرهارد شرودر بزيارة مقر دار إعلامية تركية في مدينة فرانكفورت. وتشير التحليلات أن الألمان من أصل أجنبي بينهم نصف مليون ينحدرون من تركيا، يميلون لتأييد الحزب الاشتراكي الذي ينتمي إليه شرودر وكذلك حزب الخضر والحزب اليساري. وقلة منهم يؤيدون الاتحاد المسيحي والحزب الليبرالي. قبل 90 عاما تأسس أول مسجد على أرض ألمانيا يؤذن بقدوم الإسلام لهذا البلد كي يبقى وينتشر. من يظن أن الإسلام الحديث جاء مع توافد الأيدي العاملة من تركيا وتونس والمغرب والأردن وفلسطين ويوغسلافيا السابقة وغيرها فإنه مخطئ في ظنه. إذ يعود إنشاء أول مسجد في هذا البلد إلى زمن الحرب العالمية الأولى. إذ إن المسجد قام كواحدة من نتائج هذه الحرب. تشير دراسة في الخصوص إلى أن أول مسجد أقيم في ألمانيا بتاريخ 13 يوليو/ تموز العام ،1915 وتحديدا أثناء الحرب العالمية الأولى، إذ تم إنشاء مسجد خاص للمسلمين المعتقلين الذين كانوا يعملون في جيش دول المحور، إذ اعتقلت القوات الألمانية من ضمن ما اعتقلت، جنودا مسلمين من أصول مغربية، جزائرية، هندية، سيبيرية، سنغالية وتاتارية. قرابة 15ألفا من هؤلاء الأسرى تم وضعهم في معسكر أطلق عليه اسم "معسكر الهلال" في ضاحية فونزدورف في برلين والذي كان مخصصا للأسرى العرب والأفارقة الذين كانوا يعملون مع الجيش البريطاني، بينما وضع الأسرى المسلمون العاملون مع الجيش الروسي في معسكر آخر مجاور. وأثناء فترة الاعتقال في المعسكر بدأ الأسرى بتنظيم حياتهم وممارسة شعائرهم الدينية، فكان من بينهم من يؤمهم في الصلاة ويلقي عليهم الدروس الدينية. ولقد روعيت الاحتياجات الدينية للأسرى المسلمين من قبل إدارة المعتقل، إذ كان لديهم الإمكان لاختيار الأكل المناسب دينيا والقيام بواجباتهم الدينية كالصلاة والصيام. وهكذا سمحت إدارة المعتقل في صيف 1915 بتخصيص مكان للصلاة في "معسكر الهلال" والذي يعتبر أول مسجد في تاريخ ألمانيا. هذا المسجد كان عبارة عن بناء خشبي مستدير على مساحة قدرها 18 مترا بارتفاع 12 متر، وارتفاع المنارة 23 مترا، صمم لاستيعاب 4000 شخص. وتم افتتاح المسجد في 13 يوليو عام 1915 في حفل أقامه الأسرى المسلمون. وقد وصف محرر صحيفة "لتور كريغز بلات" أي صحيفة الحرب في منطقة تلتوف الحدث بالكلمات التالية: اجتمع أمام مدخل المعسكر رهط من الضيوف الغربيين ومسلمون من كل دول العالم، أتراك، فرس، بلغار، وألمان ورفعت يافطات تهاني باللغة العربية. وقد سارت الحياة الدينية في فونزدورف بشكل مريح حتى نهاية الحرب العالمية الأولى إذ كان يمارس المسلمون شعائرهم الدينية بحرية، وكان السلطان العثماني يتبرع بإرسال لحوم الضأن في عيد الأضحى ويتولى الإمام في سفارته في برلين إمامة المسلمين في صلاة العيد. وعندما وضعت الحرب أوزارها، تم إطلاق سراح الأسرى المسلمين ليعودوا إلى بلدانهم. ولكن ليس جميعهم عاد إلى وطنه، بل ظل منهم عدة مئات في برلين، إذ استغلوا الفرصة للبقاء والعمل في ألمانيا هربا من الفقر في بلدانهم. وهكذا وضعوا النواة الأولى للجالية الإسلامية في ألمانيا. وفي هذا الوقت كانت ألمانيا قد بدأت تشكل منطقة جذابة للمهاجرين المسلمين عموما، إذ تدفق الكثير منهم إلى برلين، كثير منهم أتوا من بلدان عربية وأيضا من الهند وإيران وتركيا، سواء لغرض الدراسة أو هربا من اضطهاد الاستعمار البريطاني والفرنسي. مع ازدياد أعداد المسلمين في ألمانيا تشكلت في العشرينات جمعية إسلامية استطاعت أن تكسب مسلمين ألمان ضمن صفوفها. كما نشأت اتحادات وجماعات إسلامية. غير أنه مع استلام النازيين السلطة بقيادة أدولف هتلر في العام 1933 وتعرض ألمانيا لأجواء سياسية أخرى خلال عهد الرايخ الألماني، انعكس ذلك أيضا على طبيعة حياة ووجود المسلمين في ألمانيا، إذ تعرضوا للملاحقات وحملات التنكيل، ما دفع بالكثير منهم إلى الفرار من برلين. أدى ذلك إلى ضعف الوجود الإسلامي في العاصمة الألمانية التي كانت في ذلك الوقت مكتظة بأعداد اليهود. وانتهى دور المنظمات والاتحادات والجمعيات الإسلامية. حتى وقت قريب فقط بدأ الحديث عن معاناة المسلمين في ألمانيا إبان العهد النازي علما بأن المناقشات بشأن جرائم النازية ظلت مقتصرة لعقود طويلة تبعت نهاية الحرب العالمية الثانية على اليهود فقط وتم تجاهل معاناة العرب والمسلمين تماما حين تم توثيق جرائم النازية. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية حاول المسلمون في برلين إعادة تنظيم صفوفهم مرة أخرى، وبدأت بعيدا عن أنظار الرأي العام، تتبلور ملامح حياة إسلامية في المدينة التي أصبحت بفعل الحرب العالمية الثانية مقسمة إلى شطرين. مع وصول أول موجة من العمالة التركية لبرلين في بداية الستينات عاد الوجود الإسلامي إلى ألمانيا وبدأ حجم الجالية الإسلامية يكبر. راح العمال الأتراك يبنون المساجد الصغيرة. في الغضون هناك أكثر من 2000 مسجد في ألمانيا. الحياة الإسلامية مستمرة في التوسع في ألمانيا على رغم الجدل السياسي الذي حاول إعاقتها ففي الحملات الانتخابية تستغل الأحزاب اليمينية المتطرفة ورقة الأجانب لتخويف الناخبين مما تصفه خطر المسلمين الذين يخطفون وظائف عمل الألمان. وكان التحدي الكبير للمسلمين في ألمانيا هو هجوم الحادي عشر من سبتمبر 2001 الذي عرضهم إلى التشكيك وإخضاعهم لإجراءات أمنية مشددة لا تنطبق على غيرهم بتلك الدقة والشدة. حتى أن رئيس الدولة هورست كولر طلب من مسلمي ألمانيا بعد تفجيرات مدريد ولندن التي قام بها متطرفون أن يعلنوا رسميا رفضهم لهذه الجرائم. ولم يطلب الرئيس الألماني مرة من يهود ألمانيا الاحتجاج على جرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. كما لم يطالب مسئول ألماني من الجالية الصربية بالتنصل من جرائم الميليشيات الصربية ضد مسلمي وكروات البوسنة

العدد 1129 - السبت 08 أكتوبر 2005م الموافق 05 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً