في المشهد الفلسطيني، لاتزال الخطة الصهيونية في الاحتلال للضفة الغربية تنتقل من اعتقال للعشرات، وقتل للأفراد، ومصادرة للأرض، واعتداء على الطلاب الصغار في مدارسهم لتصادر ملاعبهم فيها بشكل وحشي وتعذيب لأحاسيس الطفولة، وتخطيط لضم الضفة الغربية - ومعها القدس - إلى كيان العدو من الناحية القانونية. وإلى جانب ذلك، يعاني الفلسطينيون من الفتنة الداخلية التي يتوجه فيها السلاح الفلسطيني ضد الشعب الفلسطيني بطريقة مشبوهة يختفي العملاء المصطادون في الماء العكر خلفها، من خلال أساليبهم الملتوية الخفية، حتى أن بعض الشخصيات التي تملك بعض المواقع في السلطة تشجع بعض مسئوليها على تفجير الحرب الأهلية لأنها تسهل الحلول الواقعية الإسرائيلية والأميركية، وتؤكد أن أكثر من بلد في العالم في الواقع التاريخي استطاع أن يحصل على الاستقلال بفعل الحرب الأهلية. إننا نعتقد أن مجاهدي الانتفاضة لا يخضعون لتأثير حرب الفتنة، ولا يرون أي دور للسلاح في حركة الداخل، ويعملون على تفادي ذلك كله، ويقدمون التنازلات لمصلحة السلام الشعبي الداخلي، لأنهم يرون أمامهم هدف المستقبل الكبير في الوصول إلى التحرير الكامل، إذ لا يبقى للسلاح أي دور إلا في قتال العدو. وفي هذا الاتجاه، فإننا نريد للسلطة الفلسطينية أن تعرف جيدا أن الفتنة الداخلية لن تحقق نصرا للقضية، بل إنها تسقط الهيكل على رؤوس الجميع، لأن "إسرائيل" لا تفرق بين سلطة وانتفاضة، بل تريد مصادرة القضية الفلسطينية لحساب استراتيجيتها الاستيطانية في الأرض كلها. ولذلك لابد من أن تدخل في خط التنسيق الوطني مع الفصائل المجاهدة المخلصة، لأن قضية حرية الشعب والأرض هي الهدف المقدس للجميع، ولاسيما مع شعار اعتبار القدس التي تمثل فلسطين كلها عاصمة للوطن كله. أما في العراق الذي يقف بعض مسئوليه الكبار في السلطة ليطلب من قيادة الاحتلال الأميركي والبريطاني البقاء طويلا في أرضه بحجة "حماية البلد من الإرهاب"، على أساس عدم قدرة الجيش العراقي وقوى الأمن الداخلي على الدفاع عن أمن الشعب... فإننا نلاحظ أن قوى الاحتلال لم تستطع أن تقدم للعراقيين أية قاعدة للأمن الذاتي أو في مواجهة التكفيريين، حتى أنها لم تملك الدفاع عن أمنها الخاص، ولايزال الشعب العراقي يعاني من وحوش التكفير في أكثر من عملية إرهابية تستهدف المصلين في مساجدهم وهم بين يدي الله في عبادتهم وابتهالاتهم وصلواتهم في شهر رمضان، كما حدث في العملية الوحشية الانتحارية التي استهدفت مسجدا في مدينة الحلة، فحصدت العشرات بين قتيل وجريح، إلى جانب العمليات المتنوعة في أكثر من بلد في العراق. إننا في الوقت الذي نشجب ونرفض فيه مثل هذه الجرائم والمجازر الوحشية نتساءل: لماذا هذا الصمت في العالم الإسلامي عن إدانة هذه الأوضاع التي تستهدف المسلمين لا الاحتلال، من خلال عقدة مذهبية تعلن التخطيط لقتل الشيعة ومهاجمتهم من دون رأفة ولا رحمة، بالإضافة إلى بعض التصريحات السياسية من بعض المسئولين العرب الذين يتحدثون عن الواقع العراقي بلغة مذهبية طائفية، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن الشيعة في العراق لا يفكرون بوضع خاص تقسيمي، بل يريدون - في كل مواقفهم السياسية - أن يعيشوا في عراق موحد يتساوى فيه المواطنون في الحقوق والواجبات، بعيدا عن الطائفية والمذهبية والعرقية؟ إننا نناشد المسلمين جميعا الرحمة بالعراق وأهله، لأن الفتنة إذا امتدت فيه فستمتد إلى ساحات العالم العربي والإسلامي،ش والسؤال: هل هذه هي الفوضى البناءة التي بشر بها الرئيس الأميركي في خطته الجديدة في ولايته الرئاسية الثانية؟ إننا نؤكد لـه أن الفوضى لا تصنع نظاما، وأن الاحتلال لا يحقق لأي شعب حرية وديمقراطية وحقوقا إنسانية للإنسان، وأن النار ستحرق الذين يوقدونها، وأن على الباغي تدور الدوائر. وهذا ما نراه في الوحول التي بدأت الإدارة الأميركية تغرق فيها في العراق وأفغانستان وفي أكثر من بلد عربي وإسلامي، وفي العواصف السياسية التي تشبه العواصف الطبيعية التي بدأت تهب على المستكبرين. ومن جانب آخر، فإننا نناشد أهلنا في العراق أن يرتفعوا إلى مستوى الأخطار المحيطة بهم، ليواجهوا ذلك كله بالوعي السياسي المنفتح على المستقبل، لاسيما في اختيار الدستور الذي يؤكد وحدتهم ويحفظ هويتهم العربية والإسلامية، ويحقق لهم الأمن الذاتي الذي يسقط كل أعداء الله والأمة والإنسانية من المحتلين أو التكفيريين الذين يستحلون دماء المسلمين التي حرمها الله. وندعو كل الفعاليات الدينية والثقافية والسياسية إلى مواجهة التحديات الكبرى بكل الوسائل والإمكانات للجميع. أما لبنان، فإننا نلاحظ أن الجدل السياسي في أكثر من موقع يوحي بالمراهقة السياسية التي لا ترتكز على التخطيط الذي يدرس قضايا الوطن بطريقة موضوعية دقيقة، ما يجعل المسألة الأمنية تعيش في نطاق الغموض الضبابي لفقدان الخطة الواقعية التي يلتقي الجميع على التفكير في التخطيط لها، لأن المسألة ليست مسألة حكومة تسجل النقاط عليها في واقع المسئولية، بل هي قضية الشعب كله في تعاون الفعاليات من أعلى الهرم الى أسفله، في البحث عن المخرج من المأزق الذي بدأ يفترس الأمن والاقتصاد والسياسة، في الوقت الذي يتحول فيه الواقع السياسي إلى أسلوب المهاترات الكلامية، والجدال الحاقد، والتحالفات التي لا ترتكز على قاعدة الخطة المدروسة للوطن، والحركة الخارجية في خلفياتها الدولية التي تتحدث عن مصالح الآخرين في تدخلاتهم في لبنان، فيتحول البلد إلى ورقة للضغط على بلد آخر في لعبة التجاذبات، ما يجعل اللبنانيين يفكرون هل أن الوطن يواجه القدر التاريخي الذي يراد لـه أن يبقى أوراقا للضغط في لعبة الصراع الإقليمي والدولي، بدلا من أن يكون وطنا يتكامل فيه أهله في النادي السياسي في التخطيط لحرية لا ينتقص منها الارتهان للخارج، واستقلال لا تختفي وراءه الوصاية الخارجية، وكرامة وطنية تحافظ على الشكل ولا تتعمق في المضمون؟ إننا نقول للشعب: ليكن صوتك للذين يخلصون للإنسان وللأرض وللمستقبل الكبير، لا للامتيازات الشخصية والحزبية والطائفية، في كل موقف للتأييد أو الرفض، فهل تستجيب؟ مرجع دين
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1129 - السبت 08 أكتوبر 2005م الموافق 05 رمضان 1426هـ