العدد 1129 - السبت 08 أكتوبر 2005م الموافق 05 رمضان 1426هـ

دستور "برج بابل"

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

يتوجه العراقيون في 15 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري للاستفتاء على الدستور. والاستفتاء "أضعف الإيمان". والعراقي الذي يريد أن يدلي بصوته عليه أن يعرف الحقيقة. كذلك ستكون الفعاليات السياسية أمام مسئولياتها الشرعية والتاريخية وبالتالي ستتحمل النتائج في حال تمت الموافقة على بنوده. مواد الدستور خطيرة وتهدد مستقبل الكيان السياسي نظرا إلى تعارضها وتشتت توجهاتها بين "الكليات" و"الجزئيات". وبعض الخصوصيات تلغي الكليات أو على الأقل تعطل وظائفها وتمنعها من استخدام "قوة القانون". وهذا يعني أن البنود المتعلقة بالكليات تتمتع بصفات عمومية غير قادرة على التنفيذ العملي في حال تعارض "الجزء" مع "الكل". وهذه ثغرة خطيرة لأنها تنزع عن القانون القدرة على استخدام قوته الدستورية. هذه الثغرة "التعارض بين الكليات والجزئيات" تضع الدستور في دائرة الاختلاف الأهلي وتمنع الدولة "الاتحادية" من ممارسة سلطاتها وصلاحياتها على الأقاليم والمحافظات. ومنها يتسلل الشيطان ليكمن في التفاصيل. والتفاصيل أيضا متعارضة. فكل مادة تعطل أختها. وكل بند يعارض ما سبقه... انتهاء إلى مجموعة إشكالات يحتمل أن تؤسس مشروعات سياسية كيانية تتمتع بصلاحيات دستورية تعطل وظائف الدولة "الاتحادية". يزعم الدستور المعروض للاستفتاء أنه يريد المحافظة على الجمهورية دولة مستقلة ذات سيادة تتمتع بنظام حكم "نيابي ديمقراطي اتحادي". إلا ان المواد الأخرى تعطل هذا الزعم وتشير إلى احتمال قيام دولة "غير اتحادية" تغرق الكيان وتطيح به فعليا. فالدستور يدعي أنه يتبنى صيغة اتحادية للدولة "فيدرالية" إلا أن بنوده تظهر بوضوح أن الصيغة تميل إلى تبني علاقات غير اتحادية "كونفدرالية". عموميات الباب الأول "المبادئ الأساسية" مخادعة فهي تلجأ إلى استخدام مجموعة مصطلحات لفظية مجردة من مضمون محدد واضح المعالم. فالمواد الأولى تتحدث عن الدولة والدين والهوية واللغة والتشريع "الإسلامي" ومصدر السلطات "الشعب" ثم تتخاطب داخليا لتنتج سلسلة استثناءات أهلية لا تتردد في الكلام عن أقاليم وأجزاء ولغات وهويات ومصادر مختلفة للقوة والصلاحيات. فالكلام العام المجرد تندرج تحته مجموعة جزئيات تعطل الكليات. مثلا الحديث عن الهوية الإسلامية يقترن بمفردات تنص على أنها تعني فقط "غالبية الشعب العراقي". والحديث عن الهوية العربية يقترن بمفردة "الجزء". فالعراق جزء منه "من العالم الإسلامي" والعراق جزء منه "من الأمة العربية". ما تبقى "حر" أي أنه خارج المعادلة الإسلامية والعربية. كذلك يمكن قراءة تلك الجزئيات التي تتحدث عن اللغة. فالعربية واحدة من اللغات وتقف إلى جانبها لغات أخرى رسمية "الكردية" وغير رسمية "التركمانية والسريانية" تستخدم في مناطق وجود التركمان والسريان. تضاف اليها لغات أخرى تتصل بالأقاليم والمحافظات، إذ ينص البند الخامس من المادة الرابعة على أن "لكل إقليم أو محافظة اتخاذ أية لغة محلية أخرى لغة رسمية إضافية إذا أقرت غالبية سكانها ذلك باستفتاء عام". وهذا يعني احتمال تطور لهجات محلية "عامية" وانتقالها إلى لغة خاصة يحق للمحافظة أو الإقليم إجراء المعاملات المحلية بها في حال توافق السكان على تبنيها رسميا في استفتاء خاص. الدستور إذا يشبه تلك الأسطورة التي تتحدث عن "برج بابل" فلكل طابق لغته وألفاظه ومصطلحاته وكيانه المستقل وخصوصياته وصلاحياته و"جزئيات استثنائية" تعطل وحدة "البرج" وتزعزع استقراره وتهدد بنيانه. الدستور حتى في بابه الأول يتضمن سلسلة مطبات تطيح بالدولة "برج بابل" لأن البنود والمواد ضعيفة ومتعارضة وتؤسس لعلاقات أهلية مضطربة وتفتقد لمقومات الوحدة في الهوية أو اللغة أو الصلاحيات. فالباب الأول يؤكد صيغة اتحادية "فيدرالية" بينما مواده تشير كلها إلى العكس. فالجزئيات تعطل الكليات وتدفع باتجاه صيغة غير اتحادية "كونفدرالية". وهذا يعني أن مصير الكيان العراقي لن يختلف كثيرا عن تلك الكارثة التي انتهى إليها "برج بابل". وللحديث صلة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1129 - السبت 08 أكتوبر 2005م الموافق 05 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً