يستعد الشعب العراقي للتصويت بـ "لا" أو "نعم" على الدستور الجديد في 15 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. التصويت مهم لأنه بمثابة استفتاء على مستقبل الكيان السياسي العراقي. ولابد في النهاية أن يعطي الشعب كلمته لتقرير مصيره وتوضيح تلك العلاقات الملتبسة بين مجموعاته الأهلية. فالدستور في الأخير يصوغ شخصية الدولة ويؤسس تلك التوازنات المفقودة سابقا ويعيد انتاجها لتتناسب مع طبيعة المتغيرات. فالدستور هو الدولة والدولة هي الدستور. والدولة الدستورية أفضل بكثير من دولة غير دستورية.ولكن وظيفة الدستور حماية الثوابت وتحصين الديمقراطية من التلاعب لأنه في الأخير يضمن وجود الدولة ويحدد علاقات أهلها. وفي هذا السياق يجب على الشعب العراقي الذي تعرض للاحتلال الأميركي ويعاني الفوضى والاقتتال بسبب غياب الدولة أن يقرر بوضوح مصيره في المستقبل وإلا سيتعرض لكارثة دستورية لن تقل خطورة عن مصيبة الاحتلال وتقويض الدولة. حتى الآن يلاحظ ان الفعاليات السياسية غير مهتمة كثيرا بالمصير الذي سيؤول إليه الكيان العراقي. فكل الفعاليات تتواجه انطلاقا من نزعات طائفية ومذهبية ومناطقية واقوامية لا من مخاوف دستورية. فالفريق الذي يشجع العراقيين على التصويت بـ "نعم" لم يبذل جهده لتوضيح المخاطر المتأتية في حال كسب الدستور معركة الاستفتاء. والفريق الذي يطالب العراقيين بالتصويت بـ "لا" لا يبذل جهده لتوضيح موقفه من الرفض. كذلك الفريق الذي يدعو إلى المقاطعة لا يشرح وجهة نظره الدستورية ويوضح المسألة في سياقها القانوني. الكل يتحرك في ضوء العصبيات ونزعات التطرف أو من شكوك ومخاوف نابعة أصلا من واقع نجحت الدكتاتورية في حفر السدود والموانع الطائفية والمذهبية بين أبناء الشعب الواحد. وجاء الآن الاحتلال ليستغل تلك التقسيمات ويكرسها دستوريا من خلال استخدام أدوات مختلفة لتلميع صورة المستقبل بينما حقيقة الصورة ستكون مظلمة وأسوأ من فترة الدكتاتورية. الدستور المعروض على الشعب العراقي للتصويت عليه في 15 الشهر الجاري من أسوأ الصيغ القانونية وهو لا يقل خطورة عن الاحتلال في حال وافقت عليه الغالبية. فالاحتلال قوض الدولة بينما الدستور في حال مرر اقتراعيا سيسهم في تقويض الكيان السياسي وسيؤدي لاحقا إلى غياب العراق عن الخريطة العربية. المشكلة التي يعاني منها العراق اليوم ستزداد تعقيدا غدا وربما تحمل في طياتها انفجارات أهلية وحروبا صغيرة تكرس الانقسام الواقعي وترسم خرائط سياسية تفصل المنظومات الطائفية والمذهبية والأقوامية عن بعضها بعضا في كيانات تتمتع بصلاحيات تعطيلية أقوى من تلك التي تتحدث عن الصيغة الاتحادية للعراق. فالصيغة الاتحادية أضعف من صلاحيات الأقاليم والمحافظات وهي تعطي فرصة لكل من يريد الاستقلال "الانفصال" عن الدولة المركزية. فالعراق في الدستور الجديد هو أشبه بسلسلة دويلات "عراقات" تتمتع بصلاحيات استثنائية وتملك مقومات قانونية تتجاوز كل ما يتصل بذاك الكلام العام الذي ورد في المادة الأولى من الباب الأول تحت بند المبادئ الأساسية. فتلك المادة الفضفاضة تتحدث عن "جمهورية العراق" و"دولة مستقلة ذات سيادة" وعن "نظام حكم" ادعت أنه يتبنى صيغة أطلقت عليه تسمية طويلة هي "جمهوري نيابي "برلماني" ديمقراطي اتحادي". بينما المواد الأخرى وتحديدا تلك الواردة في الباب الخامس وتتحدث عن "سلطات الأقاليم" تناقض المادة الأولى وتحد من قوتها وتعطل صلاحيتها وصولا إلى تغليب صلاحيات الأقاليم على الاتحاد "المادة 111" في حال وقوع الاختلاف بين الاتحاد وإقليم معين. المشكلة في الدستور الجديد المفبرك أميركيا والمعروض على الشعب العراقي للتصويت عليه يتضمن عشرات الألغام القانونية لا تقل خطورة عن تلك السيارات المفخخة التي تزرع في بغداد ومختلف المناطق والمحافظات. هذه مشكلة. والمشكلة الثانية أن الاحتلال نجح في تشكيل خطوط تماس أهلية متوترة بين المناطق والطوائف والمذاهب. وهذا الاستقطاب السلبي يؤثر كثيرا على منطق العقل والقراءة الدقيقة لمواد الدستور. فمن يريد قول "لا" يقولها من موقع طائفي - مذهبي ومن يريد قول "نعم" يقولها من الموقع ذاته... بينما المعروض على العراقيين هو تصفية الكيان السياسي وإعادة توزيعه مناطقيا "إقليميا" بين الطوائف والأقوام والمذاهب. وللحديث صلة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1128 - الجمعة 07 أكتوبر 2005م الموافق 04 رمضان 1426هـ