بعد غياب تام عن العراق منذ غزوه قبل عامين ونصف العام، قرر العرب أخيرا، وبإيحاء من الولايات المتحدة ربما، القيام بعمل "فوري" في بلاد الرافدين لتجنيبها خطر حرب أهلية يخشون من أن يكون لها انعكاسات واسعة النطاق في منطقة الشرق الأوسط. وفاجأت جامعة الدول العربية الجميع بأنها ستوفد أمينها العام عمرو موسى في مهمة إلى بغداد تستهدف إقناع السنة العراقيين بقبول مشروع الدستور وهو هدف تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقه بكل السبل. ولذلك ليس أمام موسى سوى مسابقة الزمن لتنظيم مؤتمر للمصالحة الوطنية في العراق قبل الاستفتاء على الدستور العراقي، الذي سيجرى في الخامس عشر من الشهر الجاري أي عليه أن يحض السنة العراقيين في غضون أقل من عشرة أيام على التخلي عن ترددهم والقبول بمشروع الدستور. وعلى رغم كراهية واشنطن للأمين العام للجامعة شخصيا والتي طالما رفضت تدخل أي طرف عربي في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، نجدها اليوم تطلب من العرب القيام بدور في هذا البلد، إذ وصفت المبادرة التي اتخذت في مدينة جدة بأنها "تطور إيجابي". كل هذا يدل على أن الأميركيين ليست لديهم أية استراتيجية واضحة في العراق وهم يعرفون انه إذا أقر الدستور من دون موافقة قطاع كبير من المواطنين "ليس بالضرورة أن يكونوا سنة، إذ هناك التيار الصدري وغيره ممن لا يرغبون في تأييد الوثيقة السياسية" فإن البلد سيشهد حربا أهلية لا محالة. ولهذا السبب ضغطت الولايات المتحدة على اللجنة الخاصة بالعراق في الجامعة العربية لإقناع الرافضين للدستور بقبول التعديلات التي ادخلها السفير الأميركي في بغداد على مسودته حتى بعد إجازتها في صورتها النهائية. ولا نفشي سرا إن قلنا أن لعرب الجوار العراقي مصالح أيضا يريدون الدفاع عنها. فهناك من الدول من يخشى انعكاسات الحرب الأهلية في العراق على مواطنيها، إذ ان سكان هذه المنطقة جزء لا يتجزأ تربطهم أواصر مشتركة. عموما بما أن العرب ارتكبوا خطأ استراتيجيا كبيرا بتركهم الملف العراقي للأميركيين في الفترة الماضية فإن التصحيح لذلك الخطأ أمر مفضل على التمادي فيه بشرط أن تكون الكلمة الفصل في النهاية للعراقيين أنفسهم وليس التدخل في شئونهم من دون أخذ رأيهم. وينبغي احترام ما تفضي إليه نتيجة الاستفتاء المرتقب على مسودة دستورهم