العدد 1127 - الخميس 06 أكتوبر 2005م الموافق 03 رمضان 1426هـ

الرئيس بوش "تلميذا قارئا"...

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

"اذا شئتم الاطلاع على مفهومي للسياسة الخارجية، اقرأوا كتاب ناتان شارانسكي. سيساعدكم على فهم الكثير من القرارات التي اتخذت أو ستتخذ". الرئيس بوش، في مقابلة "واشنطن تايمز". يتفضل وليد شرارة في الليموند ديبلوماتيك الفرنسية ببيان هذا الكتاب، أما مؤلفه فهو منشق سوفياتي مهاجر الى "اسرائيل"، ولقد شغل لبعض الوقت منصبا وزاريا في حكومة ارييل شارون، عنوان الكتاب "قضية الديمقراطية"، وهو يعتبر كمرافعة عن الحاجة الملحة لنشر الديمقراطية في العالم العربي، وكشرط لا غنى عنه من اجل توقيع اتفاق للسلام الشامل في الشرق الاوسط ومن اجل ترسيخ السلم العالمي. بعيدا عن السبر في محتويات الكتاب "الدستور"، كبيان أنه ينظر إلى الاسلام كحركة ارهابية، وانه تهديد ليس فقط لوجود "اسرائيل" بل للعالم الغربي أجمع. أو أن كاتب الكتاب استقال من منصبه اعتراضا على خطة شارون للانسحاب من غزة، فإن من الضرورة ان نتنبه إلى بعض الشواهد المهمة.

بوش بوصفه تلميذا

هؤلاء القوم يقرأون، ولابد ان الإنعتاق من كتاب الدبلوماسية لهنري كيسنجر نتيجة مهمة ومحورية، إذ لم يعد لمثالية هنري كيسنجر مقام أو مقال، وبوش الابن مهتم بأن يحاول إضافة مرجع فكري جديد لكوكبته السياسية، وهو طبعا كتاب يوازي كتاب الدبلوماسية ديباجة ومعنى، وهو "قضية الديمقراطية". في شخصية التلميذ، بوش يتأثر بمعلميه، ولست في صدد اتهامه بأنه رهينة للأكاديمية "كوندليزا رايس" أو للسيدة المؤمنة "لورا بوش"، هو ببساطة مستمع للجميع، وهذا ما أحاول توضيحه بوصفه "ملكية أميركية"، وهي المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة التي يصبح فيها قرارها السياسي نتاج مؤسسة عائلية، أكثر منه نتاج فرد يدعى "رئيس الولايات المتحدة الأميركية". الشخصية المؤمنة ذات الأبعاد الطفولية هي بالضرورة شخصية "قارئة"، وهي طبعا تستطيع أن تستعمل اللغة كسياسة، هذا في تجاوز أن اللغة بالأساس سياسة وأن السياسة في النهاية هي لغة. بمعنى أن اللغة من منظور الرئيس الأميركي هي سياسة، وإلا فإنه من الغريب أن يرجع الناس إلى معرفة ما سيتم ويجري إلى لغة مكتوبة في كتاب لم يتوقع صاحبه أن تكون مفرداته "سياسة"، خصوصا بيد أقوى دول العالم. هذا ما اعترض به على أستاذ الجامعة الثامنة بباريس ذوىى س. اق في مقاله المهم "الثالوث المقدس" "الله، الوطن، الجيش" والتي يسبر فيها المكون الثقاسياسي للأميركيين، إذ ان ثمة مؤثرات أخرى تحكم اللعبة وتحدد نتائجها، إذا أردتم فهو أميركا، عليكم بمحاولة فهم سلوك الطفل، إلا أن هذا الطفل لا يخطأ أخطاء الأطفال الاعتياديين، هو طفل رقمي، وهو في برمجته الغريبة طفل يقرأ.

صناعة القرار الرئاسي

في مقال "من يفكر عن اميركا" ذكرت الكثير من النظم الصانعة للقرار الأميركي، ونضيف اليوم أن الخطاب السياسي الأميركي يستقي الكثير من منتجات مؤسسة "اميركان انتربرايز" للدراسات، ويضيف شرارة "أن ادارة بوش بلورت مشروعها عن "الشرق الاوسط الكبير" بالارتكاز جزئيا على أبحاث "مؤرخين من اصحاب النفوذ، أمثال برنارد لويس من جامعة برنستون وفؤاد عجمي من جامعة جونز هوبكنز". واشتهر برنارد لويس، المناصر الراديكالي لدولة "اسرائيل"، باعتباره أول اختصاصي أميركي أعلن بعد حرب الكويت العام ،1991 موت العالم العربي ككيان سياسي، ويقول "لقد حاربت دول عربية دولة عربية أخرى "العراق"، الى جانب التحالف الغربي، وتهمشت منظمة التحرير الفلسطينية بسبب موقفها المناهض لهذه الحرب".

الملكية الأميركية الجديدة

كانت أسرة "كنيدي" شغوفة بالعروض والاحتفالات، لذلك لم يتسن لها - على رغم شعبيتها - أن تحضى بتأسيس طبقة نبلاء أميركية حاكمة، فإن "آل بوش" متفرغون تماما لصناعة القادة والتحالفات القوية، ثمة تنبؤات كبيرة بأن يكون "جورج بوش" مرشحا للانتخابات الرئاسية القادمة وليس الممثل الأميركي شتوتغارت ببعيد عن الترشح نسبيا. تجار النفط هذه السمة الملازمة لآل بوش، تجعل منهم اجتماعيا مؤهلين للعب هذا الدور، كما أن العلاقات الكبرى التي تربطهم اجتماعيا بالأسر العربية الحاكمة دلالة مهمة لا يمكن إغفالها. وكما أن الولايات المتحدة كإمبراطورية تسلك سلوكا مغايرا لما تعودناه من سلسلة الامبراطوريات الآفلة، فإن الملكية من آل بوش تدير ملكيتها بطريقة مغايرة وحديثة. ملكية مهذبة وديمقراطية، طبعا هي تنزح نحو العنف، إلا أن العنف ليس نتاجها بمفردها، هو في الغالب خيار الأميركيين عموما، كمؤسسات بحث ومجالس تشريعية أكثر منه نتاج فردية جاهلة غير متعلمة، فالرئيس بوش قارئ جيد. الإنسان الأميركي قارئ بالفطرة "كل اميركي يستهلك 20 كيلوغراما من أوراق الصحف سنويا"، هذا ما يجعل الإطارات أكثر وضوحا أمام مجتمع أو إمبراطورية قارئة وقادرة على صناعة نفسها كل يوم بشكل جديد وقادر على التموضع السليم وفق ما تقتضيه السياسات الدولية، وإن كان الرئيس "إدارة الرئيس بوش" تمقت "الهدوء"، فإن هذا السلوك تحديدا هو سلوك الشغوف بالجديد والتطور، وهذا ما يحيل إلى اعتبار الأميركيين أجواء الهدوء السياسي قاتلة لأميركا وطموحاتها اللانهائية

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1127 - الخميس 06 أكتوبر 2005م الموافق 03 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً