في ورشة عقدت بجمعية العمل الوطني الديمقراطي لمناقشة قانون الجمعيات السياسية المفروض فرضا قسريا على أحزاب سياسية مارست النضال والعمل السياسي الوطني السري لمدة تزيد على نصف قرن، مارسته سريا جبرا بحكم ظروف القهر القسرية المفروضة من الأجهزة الأمنية وبحكم القوانين الأمنية التي تحرم على المواطن ممارسة العمل الوطني السياسي، وبعد المشروع الإصلاحي لجلالة الملك الذي تجاوبت معه تلك القوى وعملت جهدها لحمايته وتطويره، بدأت تلك القوى في الكشف عن أوراقها وقبلت بالعمل السياسي العلني، ولكن تظل القوى صاحبة المصلحة في إعاقة المشروع الإصلاحي لجلالة الملك تعمل من دون كلل أو ملل وبكل الأدوات التي تملكها وتستطيع تحريكها للوقوف في وجه كل ما يدعو له ذلك المشروع، في تلك الورشة قال المفكر علي محمد فخرو في مداخلة له: "سألت أحد كبار القانونيين في جمهورية مصر العربية: هل هناك تعارض بين عدم الاعتراف بقانونية دستور ما والنزول في انتخابات يحكمها قانون مستند إلى ذلك الدستور؟ فأجاب ذلك القانوني بالنفي القاطع، وأوصى بأن الواقع والضرورة يقتضيان العمل السياسي من أجل تغيير ذلك الدستور، وهذا لا يتأتى إلا بالممارسة في المؤسسات السياسية الموجودة". إننا على يقين بأن أي قانون يكون قد صدر أو سيصدر من المؤسسات التشريعية القائمة التي هي إفراز لدستور 2002 الذي هو دستور أقل ما يمكننا القول بشأنه إنه ليس محل توافق وطني ولم يصدر بالطريقة التي تم الاتفاق عليها بموجب ميثاق العمل الوطني الذي صوت عليه الشعب بنسبة تقارب الإجماع بإرادة حرة ودونما تزييف، سيكون قانونا على الأرجح والغالبية قانونا مرسوما ومحددا وفق ما تريده السلطة، خصوصا مع وجود مجلس معين يشارك المجلس المنتخب في سلطة التشريع. من تلك القوانين التي صدرت قانون الجمعيات السياسية الذي لاقى رفضا واسعا من غالبية التنظيمات السياسية الفاعلة وصاحبة القاعدة الجماهيرية العريضة، لكن السلطة لم تعر اهتماما لرأي قوى المجتمع الحية والفاعلة، وبحكم تكوين السلطة التشريعية القائمة التي هي نتاج المقاطعة الوطنية الكبيرة والواسعة للانتخابات التي أنتجت المجلس المنتخب يشاركه مجلس معين في التشريع والأخير سيظل مهما قلنا صمام الأمان للسلطة، كي تظل متحكمة في السلطة التشريعية كي تصدر قوانين مفصلة وفقا للمقاييس التي تريدها. الآن وقد أصبحت الجمعيات السياسية مجبرة على التسجيل والعمل طبقا لهذا القانون، ونعتقد أن جميع تلك الجمعيات في طريقها للتسجيل، على رغم الاعتراضات المشروعة على الكثير من بنوده. الآن والجميع على أبواب استحقاقات مهمة على الصعيد الوطني وعلى الصعيد السياسي، تأتي في مقدمتها انتخابات ،2006 وهي انتخابات ستظل نتاج دستور ،2002 سيظل السؤال مطروحا أمام القوى التي قاطعت تلك الانتخابات، وقلنا في مقال سابق أن اسباب مقاطعتها مشروعة ومبررة وأن تلك الأسباب والمبررات لم تتغير والسلطة مستمرة في نهجها ترفض المحاورة والاستماع إلى قوى سياسية فاعلة لا يمكن الاستهانة بها، السؤال هل ستستمر تلك القوى في مقاطعة انتخابات 2002؟ نرى الرأي الذي يراه كثيرون أن المقاطعة للانتخابات السابقة قد أدت دورا لا يستهان به وأوضحت بجلاء حجم المعارضة الفعلية لدستور ،2002 ومع ذلك نرى أنه لا يوجد ثمة تعارض بين موقف المقاطعة السابق وبين موقف مشاركة تلك القوى إذا ما قررت المشاركة في انتخابات ،2006 فالمواقف السياسية ليست مواقف جامدة فما كان موقفا صحيحا وفعالا في لحظة ما، قد لا يكون كذلك في لحظة أخرى. سؤال آخر مطروح: هل المشاركة تعني انتهاء الموقف المشروع بمعارضة التعديلات الدستورية التي تمت على دستور 1973؟ لا نرى، ذلك فالمشاركة لا تعني تغيير الموقف من دستور ،2002 "فالواقع والضرورة يقتضيان العمل السياسي من أجل تغيير ذلك الدستور، وهذا لا يتأتى إلا بالممارسة في المؤسسات السياسية الموجودة". ونضيف هنا إلى هذا الرأي حتى من خارج المؤسسات السياسية الموجودة وبالسبل السياسية المشروعة من مظاهرات واعتصامات سلمية وعرائض شعبية. مع ذلك يجب أن لا نكون واهمين بأن تطلعات شعبنا في إصلاح حقيقي ستتأتى بمجرد المشاركة في الانتخابات والدخول في المؤسسات التشريعية التي هي نتاج دستور ،2002 وإنما ستكون هذه المؤسسات إحدى وسائل النضال، والمشاركة ستعطي المزيد من التأكيد على أن المؤسسة التشريعية القائمة تظل عاجزة إلى حد بعيد في المساهمة الفعالة في تحقيق طموحات شعبنا في إحداث إصلاحات حقيقية فعلية توصلنا إلى المملكة الدستورية التي يطمح لها جلالة الملك ومعه شعب البحرين. إلى ماذا نطمح وماذا نتمنى إذا ما قررت القوى التي قاطعت الانتخابات السابقة العدول عن موقف المقاطعة والمشاركة في الانتخابات القادمة؟ نرى أن الموقف الوطني الصادق الذي سيعطي معنى لتحالفات تلك القوى في المرحلة السابقة ويعطي صدقية لقولها بأنها تحالفات استراتيجية، سيكون على المحك عند اتخاذ قرار المشاركة. على المحك إذا ما قررت تلك القوى استمرار برامجها ونضالها المشترك من أجل تحقيق طموحات شعب البحرين في الحصول على دستور يوصلنا إلى المملكة الدستورية التي يطمح لها جلالة الملك وشعب البحرين، لذلك لا نرى مبررا لدعوة البعض لحل الأمانة العامة للمؤتمر الدستوري بحجة عدم وجود غطاء من تلك الجمعيات إذا ما قررت المشاركة في الانتخابات القادمة، فهذا الرأي بعيد عن الموقف الصائب، بل يجب تدعيم الأمانة العامة للمؤتمر الدستوري وتشديد المطالبة بدستور يرتضيه شعبنا، للتأكيد بأن المشاركة لا تعني التخلي عن المطالب الدستورية المحقة. نأمل أن يظهر معنى التحالف الاستراتيجي في الانتخابات القادمة، نحن على علم ومعرفة بأن التيارات غير الاسلامية واقعها في الشارع ضعيف بفعل عدة متغيرات جرت في الساحة المحلية والساحة الدولية، ولكن هذا لا يعني أن فعلها ضعيف، وربما إذا ما شاركت في الانتخابات ستكون حظوظها ضعيفة في الوصول إلى البرلمان القادم، لذلك لن يكون لما سمي بالتحالف الاستراتيجي من معنى إذا ما قرر الإسلام السياسي الشيعي الانفراد وتطبيق مفهوم التمكين، بمنع من تحالف معه في المرحلة السابقة من الوصول إلى المجلس النيابي القادم، وهذا جرس إنذار! نرى بكل تواضع أنه يتوجب على من تحالف في المرحلة السابقة تعزيز تحالفه في المرحلة القادمة، بل توسيع تحالفه مع الآخرين. إن قوى الإسلام السياسي الشيعي مطالبة بإعطاء وجه وطني بالممارسة الفعلية بعيدا عن الوجه الطائفي وهي في حاجة لذلك والوطن أكثر حاجة في ظل من يسعى لتمزيق أواصر شعبنا، لدرجة أفقدت صواب وعقول البعض الذي ينادي علنا وجهارا بإنشاء مرجعية سياسية سنية استعدادا للانتخابات القادمة في مختلف مناطق البحرين، وهو بذلك يؤسس إلى أن الصراع هو سني شيعي، وليس صراعا من أجل إصلاح وطني حقيقي. نقول يتوجب على تلك القوى التي قاطعت الانتخابات السابقة وتتجه للمشاركة في الانتخابات القادمة التأسيس ومن الآن لتحالف وطني واسع، فالسلطة استطاعت توسيع قاعدتها وهذا من حقها، في الوقت الذي تتقلص فيه قاعدة القوى الأخرى بفعل التشرذم والصراعات والاختلافات التي بدأت نذرها تظهر إثر توجه الجمعيات السياسية إلى التسجيل تحت مظلة قانون الجمعيات السياسية الجديد. نطمح إلى أن نرى ممارسة وطنية صادقة تزيح عنا كابوس الطائفية الذي يسعى البعض وعن دراسة وتمعن إلى زرعه والترويج له وطموحه في كل ذلك الوصول إلى الكرسي النيابي وبأية طريقة حتى ولو جاء ذلك على حساب مصالح هذا الشعب وهذا الوطن. نقولها بوضوح وبصراحة إن ما يقع على عاتق جمعية الوفاق الإسلامية التي تمثل القطاع الواسع من الإسلام السياسي الشيعي، هو محل الاختبار الحقيقي للمرحلة القادمة، إذا ما استطاعت هذه الجمعية أن تملك رؤية وطنية حقيقية وصادقة، واستطاعت أن تعطي لنفسها وجها وطنيا صادقا سنكون بخير. نقولها أكثر صراحة إنه يتوجب على من يفكر في جمعية الوفاق أن يؤسس ومن الآن لفكرة تحالف انتخابي واسع يتيح لمرشحين من الجمعيات المتحالفة معها فيما يسمى بالتحالف الرباعي الوصول إلى المجلس النيابي، بل نرى وجوب توسيع هذا التحالف بما يتيح لمرشحين من المنبر التقدمي الديمقراطي وجمعية الوسط الإسلامي وعناصر وطنية مستقلة الوصول إلى المجلس النيابي حتى لو تأتى ذلك في دوائر انتخابية مضمونة لمرشحي جمعية الوفاق الإسلامية. عندها سيكون للعمل الوطني المشترك معنى ويكون ذلك ردا ميدانيا على من يسعى لحرف مجرى الصراع عن مساره وتحويله إلى صراع بين المذاهب والأديان. نأمل ونطمح ونتمنى مع الخيرين الذين هم كثر، فهل هناك من يسمع ويعي المقصد؟ * كاتب بحريني
العدد 1126 - الأربعاء 05 أكتوبر 2005م الموافق 02 رمضان 1426هـ