"هناك خلافات واضحة حول كيفية تقاسم الثروات الطبيعية خصوصا عائدات النفط في هذا البلد الذي يملك ثاني أكبر احتياط نفطي في العالم بين الحكومة والمناطق وذلك على رغم اتفاق مبدئي بهذا الخصوص ومازال الأكراد يطالبون بنسبة 35 في المئة من العائدات فيما يدعو الشيعة إلى توزيع العائدات على أساس عدد السكان في كل محافظة". عنوان هذه العجالة ذو شقين شق أستلفه من افتتاحية الـ "واشنطن بوست" ليوم السبت صفحة أي .20 والشق الثاني هو ما نراه نحن، بينما تعجز أية حكومة عربية أن تراه لانشغالها في أمور تراها أكثر أهمية وإلحاحا من الانخراط في الشأن العراقي المتأزم. افتتاحية الـ "واشنطن بوست"، ابتدأت بفقرة تنسبها إلى قائلها الأكثر شهرة في قتل الأبرياء في العراق، ألا وهو أبومصعب الزرقاوي، إذ نشرت يوم الخميس الماضي على موقع الإنترنت الخاص بتنظيم "القاعدة" في العراق، والتي تقول: "المحكمة القضائية لمنظمة القاعدة في العراق حكمت على أن من الواجب الشرعي تأييد قانون الله وقتل أولئك الذين أعلنوا أنفسهم شركاء الله في صياغة هذا الدستور". وهذه الفقرة التي تعدها الـ "واشنطن بوست" بيانا صارخا يعلن بشكل صريح "الأهداف الواضحة من التمرد العراقي"، والتي تهدف في مجملها إلى "منع حكومة دستورية منتخبة بحرية من تسلم السلطة"، ليتسنى للقاعدة "إعلان جمهورية إسلامية استبدادية بدلا من ذلك". تقول الصحيفة: إن تهديد الموت هذا الذي بثته شبكة القاعدة في العراق، يجب أن يؤخذ على انه أمر إيجابي، ويجب أن يرتاح ويصفق له الجميع لكونه يرد بقوة على كل المشككين في أن الحرب في العراق هي حقا حرب من أجل الديمقراطية، وليس كما يشاع بينهم بأنها حرب من أجل النفط أو الكبرياء أو الامبريالية. وتؤكد الصحيفة إلى جانب ذلك أن البيان أكد وجود "فجوة متزايدة أيضا بين رجال الدين الإسلاميين الذين يريدون دستورا وأولئك الذين يريدون الدكتاتورية"، وتستشهد على ذلك بقول لزعيم مسلم شيعي، هو عبدالعزيز الحكيم، يقول فيه: "نحن يجب أن لا نترك فرصة إنجاز هذا الهدف أن تضيع"، وهي بهذا تضع نص الحكيم مقابل نص الزرقاوي، وهذا برأيي قمة الإجحاف بحق فكر الشعب العراقي المناضل عبر التاريخ. فنص الزرقاوي - إن كان له نص - لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يوضع في مقابل نص الحكيم، لما نعرفه له من تاريخ مشرف كسياسي وكرجل دين واضح المعالم، وله أتباعه المعروفون، ولما لعائلة الحكيم والطائفة الشيعية في العراق بجميع مرجعياتها الدينية وعلى رأسهم السيد السيستاني، من تاريخ حافل سياسيا ودينيا ونضال ضد كل أشكال الاستعمار والاضطهاد والطغيان وما شابهه. الزرقاوي الخارج من معمعة الفوضى التي صاحبت التوغل الأميركي والإنجليزي، وعليهما أن تعترفا مجتمعتين في العراق، بعيد إتمام أهداف المرحلة الأولى من ذلك التوغل ألا وهو إسقاط النظام المتسلط والقادم من لا مكان ولا زمان محددين والخارج أيضا - التوغل - من ركام الانهيار الكبير لأبراج الحادي عشر من سبتمبر، وانهزام القاعدة في عقر دارها أمام أنظار العالم، ومشاركتها ومباركتها من قبل القوات الأميركية لا يمكن بأي حال أن يرتقي إلى مستوى النضال التاريخي لشعب العراق العظيم منذ خمسة عشر قرنا ضد كل أشكال الظلم والعنف والدكتاتورية، وآخرها دكتاتورية الأوحد المعتقل الآن في انتظار محاكمته التاريخية التي سيقول فيها الشعب العراقي كلمته الفصل، ولا يمكن أيضا بأي حال أن يرتقي إلى مستوى المرجعية الإسلامية في العراق ورموزها عبر تاريخ ذلك النضال. الصحيفة تدعو إلى الاستعجال في إكمال الدستور قبل الموعد المحدد النهائي في 15 أغسطس/آب. وقد قدم مع بعض النقصان كما قيل - وذلك للأهمية الاستثنائية، وأن أي تأخير قد يدفع البلاد إلى فوضى أعظم، خصوصا إذا بدأ معارضو الدستور المتمردون يشعرون بأن استراتيجيتهم تعمل لصالحهم. الدستور لم يكمل، ومازال موضع نقاش طويل ومعارضة شبه دموية. في ختام افتتاحيتها تدعو الصحيفة المجتمع الدولي الى المساعدة في تحقيق إنجاز الدستور العراقي والتصديق عليه بالقول: الأوروبيون والأميركان والزعماء العرب يجب أن يركزوا وعلى مدى الأيام القليلة القادمة، كل الجهد المحتمل على الإقناع، المداهنة ولي أذرع العراقيين نحو المساومة، فمستقبل الديمقراطية العراقية يعتمد على ذلك. فهل حقا يعتمد مستقبل الديمقراطية فقط على ذلك؟ لنراجع أنفسنا واضعين في الاعتبار ان الديمقراطية في الأساس عملية متواصلة متغيرة من زمن إلى زمن وبحسب طموح الإنسان وأهدافه. في مقال آخر، نشرته "نيويورك تايمز"، كتبه كيرك سيمل، بعنوان: "جنود منتشرون في صحراء العراق مع كثير من الأدوات الأميركية الصنع"، تقول فيه إن "الجنود المنتشرين في العراق هم جنود منعمون إلى أبعد الحدود، وعلى ذلك نقدم مثالا لما يجري في معسكر الحرية، وهو أحد أفضل المعسكرات المعينة في برج القواعد العسكرية الأميركية في العراق، له شكل مبهم يماثل حرم جامعي، لكنه مليء بالرمال تغوص فيه القدمان، وتحوم الصقور السوداء من فوقه وتقوم بهجوم استعراضي بقذائف الهاون العشوائي". جميع الجنود هناك يصرفون لياليهم على أسرة "بحجم كبير ذات شراشف مستوردة تغطيها ثم غطاء منفوش يلتحفون به". وعلى رغم توقعاتهم المسبقة بأنهم سيقضون معظم أوقاتهم في صحراء رملية تلسع أجسادهم حرارة شمسها، والأوامر العسكرية التي تجبرهم على إداء واجباتهم، غير إن أيا من هذا لم يحصل أبدا، فالمكيفات تعمل على مدار الساعة في المقطورات التي تحتوي على ثلاجات خاصة لكل جندي، وتلفزيون وتلفون خلوي ومايكروويف وجهاز تسجيل ومشغل دي في دي، واتفاقية دائمة للاتصال بالإنترنت السريع. إضافة إلى ذلك فلهم قاعة طعام تعرض مجموعة واسعة من الطعام والشراب يختارون منها ما يشاؤون. ليالي فيها الأكل من المطبخ العراقي وليال أخرى من مطابخ أخرى؛ صالة استقبال، بوظة لذيذة، ومن حين لآخر مجموعة موسيقية لفرقة جاز حية. ومعسكر الحرية هذا هو إلى جانب ذلك مجهز بمتجر مجهز جدا، جمنازيوم مجهز بالتجهيزات العصرية، مكيف في كل مكان ونشاطات مثل دروس فنون الدفاع الذاتي واللغة. تقول إحدى المجندات: "لم يكن لدينا أدنى فكرة عن إن الأوضاع ستكون عظيمة!" وتضيف: "لقد تغيرت حياة المحارب الحديث، وعلى الأقل المحارب الأميركي الحديث في القواعد". ويذكر المقال ان الأمر ليس مريحا بشكل دائم، فالجنود يقضون أوقاتا في "المخافر الأمامية الصغيرة في المناطق الداخلية الريفية في أحسن الأحوال، بلا شيء أبعد من وسائل الراحة الأساسية، ومطلوب منهم لبس ملابس المعركة كاملة، من درع الجسم والخوذة، طوال النهار لأن هجمات المتمردين متكررة جدا". إضافة إلى ذلك فهؤلاء الجنود مطلوب منهم في بعض الأحيان لأسباب وظيفية ترك القاعدة، ولذلك "ليس هناك ثمة مهرب من الحقائق القاسية للحرب في العراق، ولا من تهديد الموت الموجود في كل مكان. هذا من جهة الحرب، أما الحرب الأخرى فهناك الحرب مع الطبيعة القاسية، فالجنود يختنقون من الغبار والحر، وقد يطول بقاؤهم أسابيع طويلة، ينامون حيث هم على الأرض أو في البنايات الفارغة أو في عرباتهم المصفحة، ولا يمس جسدهم الماء طوال تلك الفترة. كما أن هناك نقصا في الإمدادات بالعربات الأكثر أمانا من قبل وزارة الدفاع". بين المقالين يمكننا أن نرى بعقل البصيرة أن العراق قادم على أيام خطيرة جدا، وذلك لوقوعه بين المحاربين من أجل دستور يضم بين جوانبه جميع أفراد الشعب مع الاعتراف بأنه لن يرضي الجميع، وبين المقاطعين لهذه العملية الإنسانية وذلك لسبب ليس له صدقية يعتد بها - نقصد تحديدا الطائفية والعرقية - من طرف آخر ستشتعل الحرب بين المحاربين من أجل إقامة دولتهم التي تعتمد القتل وقطع الرؤوس والجنود الأميركان ومن اشتبه في مساندته لهم، والذين على ما يبدو لم يأخذوا في الحسبان بعد تلك العمليات التي تقوم بها جماعة الزرقاوي، ومن هم تحت مظلته ومظلة الماسكين بنصل السيف لقطع رقاب العباد، فقط لكونهم لا يتفقون معهم في الأفكار التي يطرحونها وسائل أكثر صرامة لحمايتهم ما قد ينتج عنه من إسالة دماء. صحف كثيرة أخرى عربية وأجنبية، تورد معلومات أخرى لها أهمية كبيرة في فحص ما يجري في العراق فحصا دقيقا، هي الأخرى تصب في منحى ما سبق ذكره وربما بنظرة سوداء قاتمة جدا. من هذا كله نستنتج قدوم زلزال كبير أكثر تدميرا وتشريدا للبشر من طوفان "تسونامي"؛ كونوا على استعداد. هذا خطابنا... فهل تقرأون؟
* كاتب كويتي مقيم في البحر
العدد 1126 - الأربعاء 05 أكتوبر 2005م الموافق 02 رمضان 1426هـ