قد يستغرب البعض إذا قلت إن نصف المشكلة في العراق هي مشكلة إعلامية ليس إلا، فالإعلام العربي لم يكتف بأداء واجبه في تغطية حوادث الحرب على العراق، بل كان لاعبا أساسيا وغير نزيه على الساحة العراقية. فكثير من وسائل الإعلام لم تكن حيادية أو موضوعية أو حتى أخلاقية ولو بالحد الأدنى في تغطيتها للشأن العراقي، والشواهد كثيرة، فهي من زرع وكرس التسميات الطائفية في ذهنية المواطن العراقي والعربي، مثل المثلث السني والجنوب الشيعي وكردستان العراق وغيرها. وصورت العراق على أنه بوابة الجحيم والخطر المحدق بالآخرين، وأن السنة "الإرهابيين" يقتلون الشيعة، والشيعة "العملاء" يقتلون السنة وأن الأكراد "الجواسيس" على وشك الهروب بشمال العراق إلى القارة الإفريقية، والحقيقة خلاف ذلك تماما. صورة العراق "المنفلت" نسبيا من الناحية الأمنية والسياسية يمثل جانبا معينا من الحقيقة وليس الحقيقة كلها، لكن وسائل الإعلام لم تكن ترى سوى نصف الكأس الفارغة وأغمضت عينيها عن النصف الآخر الذي يقول إن الجيش العراقي يستعيد مكانته والعراقي استعاد حريته وحقه الحقيقي في الانتخابات بعيدا عن نسبة الـ 99 في المئة الخالدة، صورة مئات الآلاف من الموظفين وهم يذهبون يوميا إلى دوائرهم، وملايين الطلبة إلى مدارسهم وجامعاتهم، وكل العراقيين يتحاورون ويحبون بعضهم ويتصاهرون ويفرحون ويتسامرون ويسافرون عبر البر والبحر والجو ويذهبون للتسوق والمطاعم الفاخرة في ساعات الليل، ومازال دجلة يجري في قلب بغداد والفرات في مكانه لم يتزحزح. باختصار، لا أقول إن وسائل الإعلام تكذب في كل ما تقوله، لكني أقول إنها تبالغ وتشوه وتجسم كل ما تقوله، فالعراق العظيم ليس لغما يزرع على جانب الطريق أو ملثما يهتك ستر الليل بل هو أكبر من ذلك بكثير