ها هو شهر الله يطل علينا، فكلنا بحاجة إلى تقليل شحوم العقل قبل شحوم الجسد وتذويب كوليسترول الوعي قبل كوليسترول البدن. .. بحاجة إلى قراءة القرآن قراءة حفر تبحث عن العمق القرآني في تنظيره لمنظوماتنا الفكرية والثقافية والاجتماعية، نحتاج إلى عقل قرآني يزيل ترهلات عقلنا السياسي ليزيل عوامل العطل والعطب والكلالة. القرآن يزيل منا انتفاخنا الايديولوجي فيعلمنا بآية "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" "الحجرات: 13". قال لتعارفوا وليس لتقاتلوا الشعوب الأخرى، قال شعوبا ولم يقل شعبا اسلاميا واحدا، قال قبائل وليست قبيلة واحدة، قال يا أيها الناس ولم يقل يا ايها الذين آمنوا. "إن اكرمكم عند الله اتقاكم" "الحجرات: 13". التقوى الصحيحة تقود للكرامة والتدين الواعي، تقود إلى حيث الانسانية والمعرفة والتنموية والتصالح، والتدين الابله يقود إلى حيث الاستحمار الخوارجي "نسبة للخوارج". والتدين يشبه الملح في الطعام اذا زاد عن المعدل الذي رسمه الله يفسد الحياة واذا قل أصبحت الحياة بلا طعم. القضية ليست ان نقرأ القرآن ولكن الأهم هو فهم معانيه لا نريد حفظا ببغائيا فعوام الاتراك يحفظون القرآن من دون فهم فقرة واحدة. نحتاج إلى اركيولوجية ثقافية لنبش طبقات الأرض الفكرية حتى ننجي أوطاننا وشبابنا المسلم. بعض شبابنا المسلم أصبحت عقولهم مصفحة ضد التغيير كاستحالة تغيير الجلد الافريقي إلى جلد اشقر. في عصر القراءة يتسابق العالم في نشر المنشورات وتوسيع حروب الثقافات وبعض شبابنا يزدادون هوسا في قراءة كتب الابراج والجن والعلاج بالاعشاب والأبخرة وقراءة الكف وخرجت علينا دكاكين خرافية توزع علب الشفاء من الامراض عبر قوانين مكتوب عليها أو مقروء فيها وهكذا. ولا اعلم ان كان يصح الوصف ان الانسان العربي اصبح حيوانا تلفزيونيا على طريقة تعريف الفلاسفة للانسان بأنه حيوان ناطق؟ لا أعلم... كل الذي اعلمه ان قليلا من الفضائيات العربية التي تقدم افكارا جميلة قد أنبتت سنبلة في عقل المتلقي في كل سنبلة مئة كذبة وكذبة في وقت اصبح المواطن العربي لا يصدق في الصحافة العربية غير صفحة الوفيات، ويجلس المشاهد ليغسل مخه بكل ما يطرح جالسا كعمود الكهرباء لا حراك، لا تفكير، لا تحليل. يطرق الشهر الكريم ابوابنا ليقلل امراضنا لكننا نزيدها، ليزيدنا اناقة ونظافة ولمعانا بيد اننا نزيد سواحلنا في الشهر الكريم مخلفات واتربة واوراقا وعلبا. في سنغافورة يتم تنظيف الارصفة في وقت مبكر وقد يتم تغريمك ان رميت بلبانة في الشارع... هذه الدولة لا تملك موارد طبيعية، لكنها تمتلك خامات بشرية شكلت في مختبر يسمى مختبر التنمية البشرية الانسانية وان المواطن محور التنمية والثروة الحقيقية للبلد، فبدأوا ينتجون دولة حديثة تنموية، استثمرت ذكاء ابنائها وتدير اقتصادها ومدارسها ومناهجها بصورة جميلة فأصبحت غاية في الجمال. يقول الاقتصاديون انها بذلك حققت احتياطا قدره 100 مليار دولار. نحن في عصر راحت الصين والهند وايرلندا تتقدم بشكل مذهل ومثير للفرح لهم وللشفقة على وضعنا العربي لعقل شبابنا المسمم بأفكار قنواتنا التي مازالت تعمل على نفخ العقول المتكرشة بالاوهام على طريقة أحمد سعيد "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة". ابدا ذلك خطأ فلنقل لا صوت يعلو فوق صوت التنمية، لا صوت يعلو فوق صوت المعرفة، لا صوت يعلو فوق صوت الانسان. كفاية أوهام فلنزرق في عقول شبابنا الواقعية، واقعية الافغاني ومحمد عبده ورشيد رضا، فلنقلل من غريزة الصراخ ولنفعل ميكانزم التأمل. شبابنا العربي ليته يقرأ ثورة المايجي إيشين في نهضة اليابان بدلا من ان يقرأ الثورة البلشفية في روسيا أو غيرها. اقرأوا اليابان التي طبقت الآية الكريمة: "اقرأ وربك الأكرم" "العلق: 3" إذ عرف اليابانيون طبيعة العلاقة بين القراءة والكرامة، فإن الشعوب الاكثر قراءة أكثر كرامة، ولماذا وصفنا مسئول اسرائيلي باننا امة لا تقرأ. شهر رمضان فرصة جميلة للانفتاح في علاقاتنا الاجتماعية فلنر المجالس الشيعية والسنية ولنسهر مع بعضنا كما هي عادتنا وشهر رمضان.
ملاحظة:
- بعد شهر رمضان سأكتب عن ملف جامعة النيلين ونقاش علمي مع وزارة التربية وعن قضايا اخرى تتعلق بالوزارة
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1125 - الثلثاء 04 أكتوبر 2005م الموافق 01 رمضان 1426هـ