العدد 1125 - الثلثاء 04 أكتوبر 2005م الموافق 01 رمضان 1426هـ

أوروبا والمسألة التركية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

منذ نحو 40 عاما وتركيا تقف في منتصف الطريق بين آسيا وأوروبا. فالنخبة الانقلابية الحاكمة تعتبر أن تركيا دولة أوروبية مستندة في ذلك على الدستور الأتاتوركي الذي ألغى الشريعة الإسلامية وبدل الحرف العربي إلى لاتيني ومنع ارتداء الحجاب وحرم الأذان بالعربية وعطل الكثير من الهيئات الإسلامية. وأوروبا تعتبر أن تركيا دولة "طرفية" بمعنى أنها غير مركزية وتقع خارج نطاق القارة وتفصل حدودها بين آسيا وأوروبا... وبالتالي فهي لا تتمتع بتلك المزايا الجغرافية والتاريخية والثقافية والاجتماعية وأيضا الدينية لتكون من المنظومة العامة للاتحاد الأوروبي. مضى على هذا النقاش أكثر من 40 عاما وحتى الآن لم ينته إلى نتيجة حاسمة. فالأفكار نفسها يعاد إنتاجها وتكرارها وخلطها وتصنيعها ثم تنتهي إلى النقطة التي انطلقت منها دائرة النقاش: هل تركيا أوروبية أم آسيوية؟ وهل تقبل دولة آسيوية مسلمة قادت العالم الإسلامي قرابة 400 سنة في جمعية مسيحية "علمانية"؟ الإجابات الأوروبية بلغت المئات من التعليقات والتصريحات وكلها كانت تتحايل على الواقع وتجانب قول الحقيقة. فأوروبا بحاجة أمنيا إلى تركيا نظرا لموقعها الاستراتيجي وكثافتها البشرية وقوة جيشها الذي نجح مرارا في اختراق أوروبا الشرقية وتطويق فيينا وتهديد عمق القارة. وأوروبا بحاجة إلى السوق التركية "قوة شرائية استهلاكية" وتريدها كمنفذ تعبر منه خطوط التجارة والمواصلات بين العالم الآسيوي "العربي - الإسلامي تحديدا" وبين العالم الأوروبي. وأوروبا تريد تركيا كمنتج بشري يتمتع بفائض سكاني يمكن الاستفادة منه في بعض مجالات العمل وتلك القطاعات التي يأنف الأوروبي التوظيف فيها. وكذلك تريدها حتى تستفيد من رخص الأيادي العاملة "الماهرة" لتوظيفها في بعض المواقع للحد من ارتفاع أسعار السلع. كل هذا تريده أوروبا من آسيا الصغرى. فهي بحاجة إليها للحماية الأمنية "حرس حدود" وكمعبر للتصدير والاستيراد وكقوة منتجة للبشر "سوق استهلاكية وأيادي عاملة رخيصة". ولكنها أيضا لا تريدها في داخل الدائرة وإنما على طرفها. لماذا؟ الجواب هنا معروف، ولكن أوروبا لم تقله حتى الآن. لذلك لجأت طوال 40 عاما إلى الكذب والنفاق والاحتيال والمراوغة والدوران حول المسألة واتباع مسلكيات غير سوية وإطلاق تصريحات استفزازية أحيانا ومشجعة أحيانا أخرى... وحتى الآن لم تقل الحقيقة ولاتزال تلف وتتلون وتلعب على حبال السيرك وتتذرع في كل مرة بمشكلة "حقوق إنسان، إصلاحات السوق، حرية الصحافة، أوضاع السجناء، الأقليات، المرأة، الحياة الاجتماعية، الأمن والاستقرار، بحر إيجة، اليونان، قبرص، والنمسا أخيرا". بعض قادة أوروبا وزعماء الطوائف والمذاهب والأحزاب صرح عن المعضلة وكشف الوجه الصحيح للمسألة، وقال بوضوح "لا نريد تركيا لأنها دولة مسلمة". والبعض أضاف "متخلفة". والبعض زاد "آسيوية". وبعضهم فصل أكثر في الدوافع الحقيقية للرفض، فأشار إلى مظاهر لها صلة بالسلوك الاجتماعي والعلاقات الزوجية وغيرها. أربعون عاما من الالتواء في قول الحقيقة انتهت من جديد في تمديد الامتحان حين أعلنت رئاسة الاتحاد في لقاء لوكسمبورغ "على الاتفاق الذي يتيح بدء مفاوضات انضمام تركيا" إلى أوروبا

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1125 - الثلثاء 04 أكتوبر 2005م الموافق 01 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً