أستأذن ابنتي "صفية" في استعارة عنوان مقال سابق لها نشرته في "الوسط"، وجعله عنوانا لمقالي هذا. قبل ليلتين قضيت بعض الوقت بصحبة أحد ابنائنا المتفوقين في دراستهم، وأتاح له تفوقه هذا فرصة الحصول على بعثة لدراسة الهندسة الميكانيكية في المملكة المتحدة. حدثني عن دراسته وتفوقه وطموحه، وتوقفت معه عند سؤال: وماذا بعد أن ينتهي من مرحلة دراسة البكالوريوس؟ صدمتني إجابته وندبت حظ الكثيرين من أبنائنا المتفوقين وبناتنا المتفوقات. قال: إنه مجبر على أن يعمل مدرسا بعد تخرجه لمدة تقارب العشر سنوات، إذ أن شرط الابتعاث يتطلب العمل في التدريس مدة تعادل ضعف مدة البعثة! لا أدري ما إذا كانت ابنتي قد وقعت مثل هذا الشرط أم لا قبل تغربها وابتعادها عن الوطن آلاف الأميال عندما قبلت أن تتخلى عن بعثة دراسة الطب في جامعة الخليج، وذهبت لتدرس في المجال الذي تعتقد أنه يلبي رغبتها وطموحها. لا أدري ما هي المقاييس التي تتبعها وزارة التربية والتعليم في إجبار المتفوق على أن يعمل مدرسا مكافأة له على تفوقه؟ كيف لوزارة التربية والتعليم وهي الجهة التي يجب عليها أن تعي وتعرف مقاييس المعلم الناجح الذي يستطيع أن يقوم بهذه المهمة الوطنية الشريفة. كيف لمعلم مسئول عن تعليم أجيال أن يقوم بالتدريس وهو مجبر؟ هل من الضروري أن يكون الطالب المتفوق دراسيا قادرا على القيام بهذه المهمة والعمل مدرسا من دون وجود رغبة حقيقية لديه؟ هل البعثة الدراسية التي يحصل عليها المتفوق هي مكافأة له على تفوقه وعطائه أم هي هبة من وزارة التربية والتعليم مشروطة بقتل طموح المتفوق بعد تخرجه بإجباره على العمل في مهنة هو لا يرغب فيها؟ هل خدمة الوطن من قبل الطالب المتفوق محصورة في أن يكون مدرسا دون رغبته؟ كيف للإنسان أن يبدع ويعطي في عمله إذا كان مجبرا؟ كيف تقبل وزارة التربية بمثل هؤلاء المدرسين وإن كانوا متفوقين في دراستهم؟ إن البعثة التي يحصل عليها المتفوق ليست منة وليست عطية من وزارة التربية والتعليم، بل هي حق مشروع للطالب المتفوق، بل هو يستحق ما هو أكثر من البعثة، المواطن المتفوق في أي موقع يستحق التكريم والرعاية. طلبتنا المتفوقون يستحقون الرعاية المستمرة، لأن في رعايتهم وتشجيعهم بناء، أما انصراف الدولة عنهم ففيه هدم. إن ثروتنا الحقيقية في هذا الوطن هو الانسان، فما بالك إذا كان هذا الانسان صنفا خاصا وقدرة مميزة. هل خدمة الوطن محصورة في مهنة التدريس؟ أليس الأجدر بوزارة التربية تشجيع المتفوقين على إكمال تعليمهم حتى بعد الانتهاء من مرحلة البكالوريوس. أليس الأجدر بالدولة تشجيع أبنائها المتفوقين في اختيار العمل والمهنة التي يرغبون فيها بعد تخرجهم؟ كم هو جميل أن نرى أبناء هذا الوطن وهم يتبوأون المراكز القيادية في جميع الشركات والمؤسسات. حرام على وزارة التربية والتعليم أن تجبر أبناءنا وبناتنا أن يتلقوا التعليم من مدرس مجبر على أن يكون مدرسا، إن مهنة التدريس أمانة كبرى، لا يمكن أن يؤدي هذه الأمانة من هو مجبر على تأديتها مهما كان متفوقا أثناء دراسته. على وزارة التربية والتعليم أن تعلن بعثات خاصة للطلبة الذين يرغبون في مزاولة مهنة التدريس بعد تخرجهم، وعليها أن تختار من بين المتقدمين من هو أكثر تفوقا وأكثر قدرة وأكثر رغبة. أقتبس نهاية مقال ابنتي المشار إليه: "وزارة التعليم العالي في دولة الكويت طرحت في يونيو/ حزيران 2000 برنامج "شحلاته"، أطلقت عليه "بعثات المميزين". ومن بيان هذا البرنامج أقتبس الآتي: "واستمرت بعثات الكويت للخارج في التخصصات المختلفة، حتى بعد إنشاء جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب. والحكمة في ذلك هي توفير المؤهلين في التخصصات غير المتوافرة محليا أو لتنويع مشارب التأهيل لشباب الكويت من خلال الدراسة في الجامعات العالمية "حلاه" والأحلى أن للطالب حرية التخصص وغير ذلك الكثير من المميزات "عقبال عندنا". وأنا أقول مع ابنتي المتفوقة التي تنازلت عن دراسة الطب في جامعة الخليج والتحقت بالدراسة التي اختارتها بملء ارادتها، أقول معها: "عقبال عندنا". هل هناك من يسمع؟ * كاتب بحريني
العدد 1123 - الأحد 02 أكتوبر 2005م الموافق 28 شعبان 1426هـ