هل يعاد إنتاج حركة "لا سامية" جديدة في أوروبا ضد الوجود الإسلامي؟ وهل أوروبا مستعدة لتقبل مثل هذه الحركة العنصرية المضادة للآخر أو الأجنبي؟ وهل أوروبا الآن اختلفت عن تلك القارة التي خرجت منكسرة ومحطمة بعد الحرب العالمية الأولى الأمر الذي اتاح للفاشية "النازية" النمو والتوسع مستفيدة من تلك المناخات؟ وهل عناصر النازية "أو الفاشية" متوافرة شروطها وأسبابها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في أوروبا لتمهيد الطريق أمام حركة عنصرية "لا سامية" جديدة معادية هذه المرة للوجود الإسلامي؟ وهل المعركة ضد الإرهاب تغطية سياسية لنزعة أيديولوجية "لا سامية" جديدة معادية للمسلمين؟ هناك أجوبة كثيرة يمكن إنتاجها أو على الأقل التفكير فيها لقراءة المسار الذي تتوجه إليه أوروبا في العقود المقبلة. فالأجوبة كثيرة إلا أن ملامحها تؤشر على وجود عناصر تؤسس لقيام حركات فاشية جديدة تتخذ من "الأجنبي" أو "الغريب" أو "الآخر" ذريعة لتحركها الميداني. فأوروبا شهدت في السنوات الأخيرة نمو اتجاهات عنصرية متطرفة نادت بضرورة التخلص من الجاليات الآسيوية والإفريقية وطردها من القارة. حتى الآن، تبدو تلك الاتجاهات ضعيفة أو منعزلة في أمكنة محدودة تعيش فيها غالبية معينة من الأجانب. ولكن وجود مثل هذه الظاهرة يطرح أسئلة متعلقة باحتمالات نموها في حال استمرت سياسة التحريض والتخويف التي تشجع عليها بعض مراكز القوى في دول الاتحاد مدعومة بحملات تشهير تقودها الصحف الشعبية وهي الأكثر مبيعا قياسا بالصحف الرزينة والعاقلة. فالمخاطر من اتساع ظاهرة العداء العنصري للأجنبي والغريب والمختلف واردة في ضوء التداعيات الأمنية والمسلكيات التي تصدر عن قادة الدول أحيانا والمجموعات التي تتورط في عمليات مشبوهة أحيانا أخرى. فهناك ما يشبه "الحلف الجهنمي" يربط بين النزعتين وتؤدي أفعال كل فريق إلى تغذية ذرائع الآخر وتزويده بالمعلومات والعناصر التي تبرر أفكاره وخطواته. قد تكون شروط نمو حركة "لا سامية" جديدة في أوروبا غير متوافرة الآن بحسب مواصفات تلك الشروط التي اعقبت الحرب العالمية الأولى إلا أن ظروف أوروبا في تلك الحقبة تشبه إلى حد معين الظروف التي تولدت في القارة بعد انتهاء "الحرب الباردة". وفي حال تغذت هذه الظروف بالمزيد من الجرعات من ذاك "الحلف الجهنمي" فإن احتمالات نمو نزعة "لا سامية" جديدة تصبح واردة أو غير مستبعدة. وتكفي الحركات العنصرية "الفاشية" أن تصدر تصريحات من هذا الجانب "الإسلامي" وتعليقات من ذاك الجانب الأوروبي/ الأميركي، مضافا إليها سلسلة حوادث وتفجيرات وتهديدات حتى تستغلها لتبرر وجودها انطلاقا من نزعة الخوف من الإسلام وتخويف الناس من المخاطر المتأتية من جماعاته المتطرفة. فالتطرف يغذي التطرف ويتغذى منه ويستفيد من مقولاته حتى يبرر مقولاته. هذه الأمور الأيديولوجية "الوهمية" تنبهت لها بعض القيادات الأوروبية وحاولت تطويقها أو التقليل من مخاطرها من خلال عقد ندوات ومؤتمرات واطلاق تصريحات تشير إلى وجود تيار إسلامي معتدل يمكن التعاون معه والاتكال عليه. وأحيانا ذهبت بعض تعليقات القيادات الأوروبية إلى الدفاع عن الإسلام وتأكيد أن حركات الإرهاب لا تمثل المسلمين. حصل هذا الأمر قبل هجمات 11 سبتمبر/ أيلول وبعدها. ففي بريطانيا مثلا نظمت وزارة الداخلية ندوة ناقشت فيها مسألة "الاسلامافوبيا" أي الرهاب "المخاوف" من الإسلام والمسلمين. واعتبرت الندوة التي أشرف عليها جاك سترو أن تلك المخاوف مفتعلة وغير حقيقية وهي ناتجه عن أوهام وغير مبررة فعليا. ولكن النتائج لم تكن على قدر التوقعات. فالمخاوف زادت واتسع نطاقها حين حصلت هجمات نيويورك ومدريد وبالي ولندن وغيرها من حوادث ولقطات "قطع الرؤوس" في بغداد التي نشرت على مواقع "الانترنت". المسألة إذا نفسية وثقافية تستند إلى وقائع أو أوهام اجتماعية وسياسية وأيديولوجية وتاريخية. ومجموعها يتكاتف لتبرير مخاوف أقوى بكثير من كل تلك المحاولات المبذولة من جهات مختلفة لوقفها أو احتواء تداعياتها. الاحتمالات إذا مفتوحة ويرجح أن تميل كفة الحركات العنصرية "اللا سامية الجديدة" مع مرور الوقت، وخصوصا إذا استمرت سياسة محاربة الإسلام بذريعة مكافحة "الإرهاب"... أو مكافحة الإسلام مسبقا لتجنب محاربة الإرهاب لاحقا
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1123 - الأحد 02 أكتوبر 2005م الموافق 28 شعبان 1426هـ