العدد 1122 - السبت 01 أكتوبر 2005م الموافق 27 شعبان 1426هـ

برلمان 73 نظرة من الداخل... التركيبة والأداء

معتدلو 2002 يؤكدون ضرورة التعديلات الدستورية

ربما كان مهما أن يلقي قارئ "الوسط" نظرة على أول برلمان في تاريخ البحرين، وهو برلمان العام ،1973 لا لكي يلقي نظرة مقارنة على الصلاحيات المعطاة لذلك البرلمان، وإنما على الأداء أيضا، وعلى التركيبة التي حملها ذلك المجلس التاريخي، مع الإشارة التي تقتضيها الأمانة إلى أن معظم المعلومات الواردة في هذا التقرير، مستفادة من كتاب الباحثة ريا حمزة، الذي حمل عنوان "التجربة البرلمانية الأولى في البحرين. .. المجلس التأسيسي والمجلس الوطني 1972 - 1975". في 11 يونيو/ حزيران من العام ،1973 وبعد أن اقر الدستور المجلس التأسيسي الذي انتخب معظم أعضائه الشعب، صدر عن المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة مرسوم بقانون رقم "10" بشأن احكام الانتخاب للمجلس الوطني، وضم هذا المرسوم خمسة فصول هي: تقسيم المناطق الانتخابية، الناخبون، جداول الناخبين، إجراءات الانتخاب، الطعون الانتخابية. وعليه، تم تقسيم المناطق الانتخابية الى ثماني مناطق، وتم تحديد عدد نواب كل منطقة على النحو الآتي: المنامة 10 نواب، المحرق ،8 المنطقة الغربية ،3 المنطقة الوسطى ،2 المنطقة الجنوبية ،1 منطقة الرفاع ،2 أما سترة فيمثلها ،2 وكان مجموع هؤلاء النواب هو 30 نائبا. وكان مجموع عدد الناخبين آنذاك هو 27 ألف ناخب، وتم تقسيم الدوائر الانتخابية الى عشرين دائرة وتقدم للترشح لعضوية مجلس النواب 113 مترشحا. وفاز في تلك الانتخابات 30 نائبا هم: رسول الجشي، خالد الذوادي، عبدالهادي خلف، حسن الجشي، محمد سلمان حماد، محمد ملا هرمس، محسن مرهون، علي صالح الصالح، حمد أبل، علي ابراهيم عبدالعال، جاسم مراد، عبدالله المعاودة، علي ربيعة، محمد جابر صباح، عيسى حسن الذوادي، ابراهيم فخرو، خليفة البنعلي، عبدالله منصور، مصطفى القصاب، علوي الشرخات، عبدالله المدني، الشيخ عيسى أحمد قاسم، الشيخ عبدالأمير الجمري، الشيخ عباس أحمد، يوسف سلمان كمال، عبدالعزيز منصور العالي، حسن علي المتوج، سلمان الشيخ محمد، الشيخ ابراهيم سلمان خالد آل خليفة، خليفة الظهراني.

الثلاثة الأوائل

وبالنظر إلى الأصوات التي حاز عليها كل مترشح نجد أن الشيخ عيسى أحمد قاسم حاز على أعلى نسبة اصوات، إذ بلغت الأصوات التي انتخبته 1079 صوتا، تلاه الشيخ عبدالأمير الجمري الذي حاز على 817 صوتا، فيما حل المرحوم عبدالله المدني ثالثا من حيث عدد الأصوات التي انتخبت، إذ بلغت 771 صوتا، ويلحظ هنا أن الثلاثة هم من أعضاء الكتلة الدينية في برلمان .1973 وقد رعى سمو الأمير الراحل المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، الجلسة الافتتاحية في تمام الساعة العاشرة والربع من صباح يوم الأحد، الموافق 16 ديسمبر/ كانون الأول ،1973 وألقى خلالها خطابا مطولا حمل الكثير من القضايا، ورحب فيه بأعضاء المجلس الوطني المنتخبين، ويلحظ هنا أن أعضاء الحكومة حينها أدوا اليمين الدستورية أمام الأمير وامام المجلس المنتخب.

انتخابات داخلية وتشريع اللائحة

وفي تلك الجلسة، تمت تزكية حسن الجشي رئيسا للمجلس، إذ رشحه لهذا المنصب ابراهيم فخرو، وثنى عليه جاسم مراد، ولم يتقدم أحد آخر ففاز الجشي بالرئاسة، أما منصب نائب الرئيس فتنافس عليه اثنان هما خلفية البنعلي، وجاسم مراد، وتعادل الاثنان في جولة التصويت الأولى بواقع 22 صوتا لكل منهما، وفي جولة التصويت الثانية فاز البنعلي بواقع 23 صوتا مقابل 21 لجاسم مراد، وتنافس الشيخ عبدالله المدني، وعبدالهادي خلف على أمانة سر المجلس وفاز المدني بواقع 26 صوتا مقابل 18 صوتا لعبدالهادي خلف، الذي تم الطعن بعضويته، وتم اسقاط عضويته بدعوى عدم إكماله ثلاثين عاما من العمر عند تقدمه بطلب ترشيح نفسه للانتخابات، وإثر ذلك حل محل عبدالهادي خلف، حسن عيسى الخياط. وقد شرع برلمان 1973 لائحته الداخلية، وأصدرها الأمير الراحل قانونا يحمل الرقم "4" للعام ،1974 في 6 يوليو/ تموز منذ ذلك العام.

جوانب من الأداء وتحليلها

تشير الباحثة ريا حمزة، في كتابها إلى بعض المواضيع التي نوقشت في المجلس الوطني آنذاك، وبعض الأسئلة التي تقدم بها بعض نوابه. فقد قدم بعض النواب أسئلة عن أحوال شركة بابكو والبحرنة فيها وربما كان يدل ذلك على تحسس أعضاء المجلس من وجود الكثير من الأجانب الذين كانوا في الشركة، كنتاج لمرحلة الاستعمار البريطاني، وتم توجيه هذه الأسئلة إلى وزير المالية آنذاك محمود أحمد العلوي، والأسئلة هي: ما عدد موظفي وعمال بابكو البحرينيين؟، وما هي النفقات التي تدفعها الشركة كرواتب وأجور نقل وتدريب؟ وكم عدد الموظفين والعمال الأجانب في الشركة؟ وما هي جنسياتهم؟ وما هي النفقات التي تدفع لهم كرواتب وأوجور سفر وسكن إلى آخره؟ وهل يدفع للمواطن البحريني الرواتب نفسها في حال قيامه بالعمل أو الوظيفة نفسيهما إلى آخره التي يقوم بها الأجنبي؟ كما قدم عضو المجلس علي ربيعة، سؤالا إلى وزير الإعلام آنذاك طارق المؤيد، وذلك بشأن حظر الوزارة نشر أي نقد للسياسة الرسمية ومصادرة الصحف التي تقوم بذلك، وكان نص السؤال كما يأتي: الديمقراطية الصحيحة تتطلب وجود صحافة حرة ومعبرة عن كل الاتجاهات، لإظهار الوجه الحضاري لهذا البلد، كما تتطلب أيضا إعطاء المجال للصحافة في أن تعبر عن رأيها في القضايا المطروحة بكل حرية، والسؤال هو لماذا يحظر نشر اي نقد ومعارضة للسياسة الرسمية، وتصادر جميع الصحف التي تتعرض لذلك، سواء كانت داخلية أو خارجية؟ كما عاود علي ربيعة، سؤال وزير الاعلام عن امتناع وزارة الاعلام، عن الرد على الكثير من طلبات تأسيس صحف جديدة في البحرين، وكان السؤال: ما عدد الطلبات؟ ومن هم مقدمو الطلبات؟ ولأي نوع من الصحف؟ وما السبب وراء رفض إعطاء اي ترخيص لإصدار صحف حتى هذا التاريخ، وخصوصا صحف المعارضة؟ كما قدم علي ربيعة سؤالا إلى وزير المالية عن الفوائد التي تجنيها البحرين من وجود المصارف الأجنبية، وعن الحكمة في استمرار إعطاء المزيد من التراخيص للمصارف الأجنبية؟ علي ربيعة أيضا وجه سؤالا عن الأيدي العاملة البحرينية والأجنبية، وكان نص سؤاله هو: ما مجموع عدد الأيدي العاملة الأجنبية؟ وكيف هي موزعة بين المؤسسات التجارية والصناعية والشركات والمقاولات؟ أرجو تزويدي بجدول يبين ذلك... وما مجموع ما استورد من الأيدي العاملة الاجنبية خلال العام 1974؟ وما مجموع الأيدي العاملة البحرينية؟ ويلحظ من الأسئلة المذكورة، أن ثمة هاجسا قديما كان ولايزال في سيطرة الأيدي العاملة الوافدة للبحرين، على فرص العمل، وهو الأمر الذي لايزال موجودا حتى الآن، إذ وعدت دراسة شركة ماكينزي التي أعلنت قبل عام، بوجود 100 ألف عاطل بحريني في العام 2010 إذا لم يتم إصلاح سوق العمل. كما يلحظ من الأسئلة ضيق هامش الحرية الاعلامية الموجودة آنذاك، إذ كانت وزارة الاعلام تمتنع عن الترخيص لصحف جديدة، وخصوصا المعارضة منها، مع الإشارة إلى أنه ليس مسموحا حتى الآن في المملكة بوجود صحف حزبية معارضة معفاة من شروط قانون المطبوعات والنشر، والذي يشترط شروطا صعبة على إصدار الصحف.

مقارنة حديثة معتدلة

وبعد استعراض جوانب من تلك التجربة، لابد من إلقاء نظرة على التجربة البرلمانية الحالية، التي قاطعتها قوى سياسية مهمة، لأسباب عدة كان أهمها، تقاسم السلطة التشريعية بين مجلسين أحدهما منتخب والآخر معين من قبل الملك، مع الإشارة إلى أنهما متساويان في العدد. فما هو الأفق لحل إشكالية المقاطعة، وإشكالية ضعف الصلاحيات بل وتداخلها، إذ صرح عضو جمعية الوسط العربي الإسلامي المحامي حكيم عبدالعامر، في وقت سابق بأن وجود مجلس الشورى بصلاحياته التشريعية، مناقض لمبدأ دستوري مهم هو: الشعب مصدر السلطات. ومن جهته، يشير رئيس جمعية المنبر التقدمي عضو معهد التنمية السياسية حسن مدن، في مقارنة للأوضاع في العام 1973 والأوضاع حاليا، بقوله: إن المقدار المتاح حاليا من حريات عامة، هو أفضل من المقدار الذي كان موجودا إبان وجود المجلس الوطني السابق، مستشهدا بفصل وزارة التربية والتعليم آنذاك لبعض المعلمين، الذين انتقدوا المقررات الدراسية والنظام التعليمي في الصحافة. ويرى مدن أن بناء الدولة الحديثة، ودولة المواطنة المتساوية، يكمن في انتهاج سبيل الحل السياسي، وليس السبيل القسري، الذي يقترن باستخدام الوسائل والتدابير الأمنية، ويؤكد أن جوهر هذا الحل هو إقرار السلطة التنفيذية بتقاسم السلطة مع الشعب، وأن سبيل ذلك واضح ومحدد وهو: تفويض السلطة التشريعية للشعب بصورة فعلية، ليتولاها مجلس تشريعي منتخب كامل الصلاحية، إعمالا لمبدأ الفصل بين السلطات. ويؤكد مدن أن المشروع الإصلاحي الذي دشنه جلالة الملك، خصوصا في مطالعه، وفر مناخا باعثا على التفاؤل، وأتى بمكاسب مهمة وخصوصا على صعيد الحريات العامة، إلا أن الأمر الأساسي الذي مازال ينتظر الحل، هو: "بلوغ التوافق الوطني حول الشأن الدستوري الذي لن يصبح بوسعنا المضي إلى الأمام من دونه، يضاف إلى ذلك أن القدر المتحقق من الحريات المفروضة بقوة الأمر الواقع، مازالت غير محمية بالقانون، بل إن النهج الرسمي في الفترة الأخيرة، يتجه للأسف الشديد نحو تقنين الحريات وتقييدها، كما حدث بالنسبة لقانون الجمعيات السياسية، ومشروعي قانوني التجمعات، ومكافحة الإرهاب المقدمين للمجلس الوطني، وقانون الصحافة النافذ الآن".

إجماع على التعديل

رئيس جمعية الوسط العربي الاسلامي السابق عبدالله الحويحي، الذي شاركت جمعيته في الانتخابات البرلمانية في العام ،2002 أشار في مقال سابق نشره في "الوسط"، إلى ضرورة أن تكون هناك تعديلات دستورية، تتضمن نقاطا محددة هي: الحق في تكوين الأحزاب تحت مسمى التنظيمات السياسية وضرورة حصول التشكيل الوزاري على الثقة من قبل مجلس النواب والذي يتوافق مع الديمقراطيات العصرية التي تحتاج الحكومات دوما لثقة المجلس وبالتالي ثقة الشعب. وتغيير الأسس التي يتم في ضوئها تشكيل مجلس الشورى بحيث يتم تعيين نصف المجلس عن طريق الانتخاب غير المباشر من قبل مؤسسات المجتمع المدني في حين يعين النصف الآخر عن طريق الإرادة الملكية المباشرة، والذي يحافظ على درجة أكبر من التمثيل الشعبي للمجلس الوطني مع الحفاظ على التوازن قدر المستطاع في تشكيلة المجلس الوطني ليعبر عن الطيف السياسي والإثني في المجتمع. وكذلك رفع عدد أعضاء مجلس النواب إلى 45 عضوا "رفعهم إلى 50 قد يكون أكثر مناسبة" ليتحقق بذلك مبدأ الشعب مصدر السلطات التي وردت في ميثاق العمل الوطني والدستور. وإعطاء النواب المنتخبين أحقية في توجيه الأسئلة والاستجواب إلى كل من رئيس الوزراء والوزراء وهي المادة التي أسقطت من دستور 73 من دون سبب في ظل أن الميثاق عندما أعطى حق التعديل على دستور 73 في استشرافات المستقبل لم يأت على هذا الجانب لا من قريب أو من بعيد. وأن يتم تعديل المادة "92 فقرة أ" وإعطاء دائرة الشئون القانونية استقلالية عن الحكومة، باعتبارها "الدائرة" جهازا فنيا بالدرجة الأولى يقوم بصوغ التشريعات والقوانين. وأن يتولى رئيس مجلس النواب رئاسة اجتماع المجلس الوطني، لأن هذا يحقق أن الشعب مصدر السلطات من خلال رئاسة المجلس الوطني لعضو منتخب وليس معينا. وأن يكون ديوان الرقابة المالية تابعا لمجلس النواب والذي يتوافق تماما مع دور مجلس النواب في الرقابة على الجهاز التنفيذي، وبالتالي يعطي لهذا الديوان مزيدا من الصدقية أمام الرأي العام

العدد 1122 - السبت 01 أكتوبر 2005م الموافق 27 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً