العدد 1122 - السبت 01 أكتوبر 2005م الموافق 27 شعبان 1426هـ

عقوبة مخففة لجرائم كبيرة

فضيحة سجن أبو غريب في العراق

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

حكمت محكمة عسكرية أميركية على الجندية الاحتياطية ليندي إنغلاند بالحبس ثلاث سنوات بعد إدانتها بجريمة تعذيب معتقلين في سجن أبو غريب القريب من بغداد. كما سرحت من الجيش. بهذا القرار لم تستجب المحكمة لطلب الإدعاء الذي طلب بمعاقبة ليندي بالحبس مدة أربع إلى ست سنوات. وكانت صور ليندي وغيرها من الجنود الاميركيين في سجن أبو غريب قد نشرت في أنحاء العالم في مطلع العام 2004 بعد الكشف عن وجود صور أخذها الجلادون في السجن السيئ السمعة وأثارت اشمئزاز واستنكار العالم. في ألمانيا أيضا انتقد الفرع الألماني لمنظمة العفو الدولية ما وصفه بالعقوبة المخففة التي حصلت عليها ليندي إنغلاند وخصوصا أنها ألحقت أشد عار بسمعة الجيش الاميركي. وظهرت ليندي في عدد من الصور وأهمها وهي تمسك بحبل ربطته بعنق أحد المعتقلين. قالت ليندي إنها قامت بالممارسات السادية بسبب حبها للجندي تشارلز غرانر الذي حكم عليه بالحبس عشر سنوات وأنجبت منه سفاحا. منذ الكشف عن التعذيب في سجن أبو غريب صدرت أحكام على تسعة عسكريين في مقدمتهم غرانر وإيفان فريدريك الذي حكم عليه بالحبس ثماني سنوات ونصف السنة وحصل غيرهم على عقوبات بالحبس ما بين ثلاث سنوات وسنتين. وفقا لتقرير نهائي وضعته وزارة الدفاع الاميركية برئت ساحة القائد العسكري السابق للقوات الاميركية في العراق ريكاردو سانشيز وثلاثة من كبار المسئولين العسكريين ورفع التقرير عنهم كل مسئولية بشأن ما جرى من تعذيب في سجن أبو غريب. قبل أسبوع فقط تحدث الحاج علي الرجل الذي لفت صورته وهو يقف مغطى بلباس أسود يقف على كرسي ربطت يداه بأسلاك كهربائية، أرجاء العالم، عبر صفحات مجلة "دير شبيغل" عما عايشه من أهوال يعجز المرء عن تصورها. تساءل الحاج علي الذي مازال بعد مضي أكثر من عام ونصف العام على خروجه من سجن أبو غريب، يخضع لعلاج نفسي، ما إذا العقوبات التي صدرت بحق الجلادين سليمة وكيف بالوسع أن تصدر محكمة أحكامها من دون استدعاء ضحايا الجلادين ليطلعوها عما عانوه ولم تعر أهمية للأخذ بشهاداتهم. بدا منذ البداية أن الولايات المتحدة تسعى إلى لفلفة القضية التي أساءت كثيرا لسمعة الجيش الاميركي. لولا الصدفة لما عرف العالم ما عايشه العراقيون في سجن أبو غريب. لم يكن هناك وسيلة للكشف عن الممارسات السادية لجنود الاحتلال لو أن المجرمين أنفسهم لم يكشفوا عن جرائمهم بحق الإنسانية. من في العالم سيصدق سجين مجموعة من المعتقلين العراقيين عندما يقولون إنهم تعرضوا للتعذيب على أيدي جنود اميركيين؟ وإنه تم تجريدهم من ملابسهم وعوملوا معاملة الكلاب. لكن الصور التي التقطها الجلادون فضحتهم وقدمت أدلة لا غبار عليها ضد كل فرد منهم. وعند محاكمة الجندية الاحتياطية ليندي إنغلاند التي توصف بالوجه القبيح للعسكرية الاميركية، عرضت صور التعذيب على شكل ملصقات، إنها الصور التي لن تموت في مخيلة الحاج علي ورفاقه بل الشعب العربي برمته. لكن هذه الصور لم تكن كافية بالنسبة إلى المحكمة العسكرية لتنزل عقوبة تستحقها ليندي. بعد ظهور الصور السادية سارع الرئيس الاميركي لتهدئة مشاعر العراقيين والعرب بعد أن أبلغه مستشاروه عن ردود فعلها، قال بوش عبر تلفزيون "الحرة" الذي أسسته الولايات المتحدة لتبيع سياستها في المنطقة العربية، إن المحاكم المختصة ستعاقب المسئولين على جرائمهم. لم نحصل على ما يثبت أن الولايات المتحدة مخلصة في مسعاها. كما لا يمكن التسليم أنه من خلال هذه الأحكام المخففة بحق جميع الجلادين الذين كشفوا عن وحشية لا مثيل لها، أن ملف تعذيب المعتقلين في أبو غريب من وجهة نظر الولايات المتحدة قد أغلق للأبد. العالم يرى غير ذلك تماما. لقد حكمت محاكم عسكرية خاصة على مجموعة الجلادين الذين ظهرت صورهم والذين وفقا لأقوال الكثير منهم قاموا بالتنكيل بالمعتقلين بطرق بشعة بإيعاز من قادتهم. ويشك كثير من المراقبين أن يكون وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد ونائبه السابق بول وولفوفيتز وربما الرئيس بوش نفسه وراء قرار تعذيب المعتقلين الذين هم بنظره عبارة عن إرهابيين. إنها الرؤية الضيقة لبوش منذ هجوم 11 سبتمبر/ ايلول .2001 هددت الإدارة الاميركية بلجيكا وألمانيا وغيرهما من دول العالم، إذا وافقت محاكمها على النظر بدعاوى ضد أي مواطن اميركي متهم بارتكاب جرائم حرب. هكذا فشلت مساعي منظمات اميركية لمقاضاة رامسفيلد والمدير السابق لـ "السي آي ايه" جورج تينيت وريكاردو سانشيز خارج الأراضي الاميركية بتهمة ارتكاب جرائم حرب. غير صحيح أن تصرفات الجلادين كانت فردية. المعتقلون الذين خرجوا نصف أموات من سجن أبو غريب، يكشفون من خلال رواياتهم أن التعذيب كان متبعا أي أن الجنود كانوا يتلقون أوامر من مرؤوسيهم. القضية أكبر من رأي "البنتاغون" أن مجموعة من الجنود أخلوا بشرف الجيش وعوقبوا على جرائمهم. لا يكفي معاقبة الجلادين الذين فضحتهم الكاميرا. من لم تكشف الكاميرا عن وجوههم أولئك الذين حثوا على تعذيب المعتقلين أو سمحوا بالممارسات السادية انتقاما لضحايا 11 سبتمبر. هذه الممارسات ألحقت أشد إساءة بضحايا 11 سبتمبر. ملف التعذيب في سجن أبو غريب لن يغلق قبل أن يدان أولئك الذين حرضوا أو سمحوا بممارسات التعذيب. حتى يحصل ذلك يبقى السؤال المركزي من دون إجابة: ما هي علاقة الإدارة الاميركية بجرائم حقوق الإنسان في سجن أبو غريب؟ هل وقعت هذه الجرائم بسبب القوانين التي أقرتها إدارة بوش بشأن ما يسمى الحرب المناهضة للإرهاب؟ أو على الأقل شجعت عليها؟ ما من شك أن رامسفيلد أمر باستخدام صنوف التعذيب أيضا خلال استجواب المعتقلين في غوانتنامو. ودلت تحقيقات عدة أنه تم استخدام الأسلوب نفسه في سجون الجيش الاميركي في أفغانستان والعراق. من وجهت إليه تهمة إرهابي تعين عليه أن يخشى على حياته. لكن لم يعرف العالم ما جرى في سجون الجيش الاميركي في مناطق أخرى سوى ما فضحته الكاميرا لما حصل في سجن أبو غريب. جميع المسئولين العسكريين الاميركيين برئت ساحتهم ومازال رامسفيلد في منصب وزير الدفاع وكوفئ نائبه السابق وولفوفيتز بالحصول على منصب وجيه، رئيس "البنك الدولي". كان يتعين على رامسفيلد ونائبه أن يستقيلا على ضوء النتائج المدمرة لسمعة الولايات المتحدة بعد انتشار الصور السادية لتعذيب معتقلي سجن أبو غريب في أنحاء العالم. ستتوافر العدالة لضحايا التعذيب فقط حين تنظر جهة محايدة مستقلة بجرائم الجنود الاميركيين ومعاقبة المسئولين عنها من عسكريين وسياسيين. ولأن الإدارة الاميركية ترفض تشكيل جهة محايدة مستقلة للنظر في ملف أبو غريب، ستظل الصور تشهد ضد الجلادين ومن وراءهم في الهرم السياسي في واشنطن

العدد 1122 - السبت 01 أكتوبر 2005م الموافق 27 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً