حدثان مهمان يقتربان إلى البوابة العراقية، ففي شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل سيكون هناك اقتراع بشأن الدستور الجديد وفي ديسمبر/ كانون الأول سيكون الاقتراع بشأن البرلمان الجديد. وهنا يبقى سؤال عالق في الذهن، هل سيشارك كل الشعب العراقي في هذين الاقتراعين، أم سيبقى أحدهم "زعلان" واضعا اليد على الخد في انتظار تبدل الظروف؟ باعتباري متابعا، مازلت أرفع يدي إلى السماء داعيا الله أن يقتنع قادة وعلماء أهل السنة بالدخول في التجربة وألا يكرروا خطأ الشيعة في عشرينات القرن العشرين عندما رفضوا المشاركة والتعامل مع الملك فيصل بحجة أنه امتداد للاستعمار الإنجليزي. طبعا المجتهدون آنذاك اختلفوا في الموقف تجاه الملك فيصل، فالمرجع أبوالحسن الاصفهاني والشيخ النائيني عارضا ترشيح فيصل باعتباره امتدادا للاستعمار، أما الاتجاه الآخر من الشيعة - والمتمثل في الشيخ مهدي الخالصي والسيدمحمد الصدر - فقد أبدى تأييده لترشيح فيصل وتنصيبه. وأرسل الصدر برقية للشريف حسين يطالبه فيها بالموافقة على ترشيح نجله، بل رافق السيدالصدر نفسه مع عدد آخر من اللاجئين العراقيين الأمير فيصل أثناء قدومه إلى العراق في يونيو/ حزيران 1921م. في اعتقادي أن موقف محمد الصدر كان هو الموقف الواقعي، فالصد عن الملك فيصل سبب ردة فعل كبرى ساعدت على تهميش الشيعة في تلك الفترة بل صدرت فتوى تحرم الدخول في المجلس التأسيسي، وهناك من العلماء من هدد بهجرة جماعية إلى إيران إن لم تلب مطالبهم وفعلا هاجروا فأثار ذلك ارتياح الحكومة العراقية في ذلك الوقت ولما اكتشف العلماء عدم جدوائية ذلك وظهور تململ لدى الشارع إذ إنه لم تكن وراء ذلك مكاسب ملحوظة رجعوا إلى العراق، ولكن هذه المرة بشروط أملتها عليهم الحكومة العراقية. للتفاصيل راجع كتاب "شيعة العراق" لإسحاق النقاش و"الدور السياسي لشيعة العراق" لعبدالله النفيسي. الشيعة هذه المرة وبعد مرور 80 عاما من الغياب السياسي بدأوا يدركون أن استراتيجية المقاطعة للحكومة أو للدولة استراتيجية فاشلة وبدأوا يكتشفون أن التعاطي الإيجابي والتصالح مع الأنظمة لبناء شراكة وطنية هو السبيل الأفضل للمجتمع وللوطن. ما أتمناه ألا يرتكب سنة العراق خطأ شيعة العراق فيما حصل بعد ثورة العشرين حين يكررون الإشكال ذاته ويقعون في مأزق التهميش. فالشعارات البراقة لن تخدمهم ولن تخدم العراق. لكي يتم تحصين العراق من تفرد طرف على طرف ينبغي المشاركة بكل قوة ويجب سد الطريق تجاه خلق أي اختراق يأتي من الخارج أيا يكن شكله. وعروبة العراق يجب عدم التنازل عنها، فالعراق قطر إسلامي عربي عريق وتحالف القوى الشيعية والسنية والكردية وبقية الأطياف تحت أجندة وطنية سيمنع انقسام العراق. ذلك لا يكون إلا بعراق تعددي يتم فيه التداول السلمي للسلطة بين أفراد العراقيين بعيدا عن أي إملاءات خارجية. يجب ألا يستقوي الشيعة على السنة وألا يستقوي السنة على الشيعة، يجب أن يعملوا على تقوية جبهة داخلية قوية وذلك لا يكون بمقاطعة الانتخابات سواء للدستور أو للبرلمان. يجب على القوى السنية أن تلملم شتاتها وتقف موقفا حازما في ذلك وتتحالف مع القوى الشيعية لكي تكون الكعكة السياسية والاقتصادية للجميع ويجب أن يدفعوا نحو تشكيل دولة مدنية. لا نريد عراقا منقسما على نفسه، لا نريد عراقا يصبح بعبعا يهدد أمننا الخليجي أو العربي، نريد عراقا يتحالف مع النظام الخليجي ويكون ضمن التكتل القائم ليحفظ لنا استقرارنا السياسي والأمني والاقتصادي ولنتعلم من الغرب كيف أنهم توحدوا بعد الحرب العالمية الثانية. نريد مشروع مارشال عربيا يعمر العراق لا أن يقوضه أو يذبحه. جزء من ذلك قد يتحقق إذا لم يكرر سنة العراق في انتخابات الألفية خطأ شيعة العراق في مقاطعتهم لها في بداية القرن العشرين
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1122 - السبت 01 أكتوبر 2005م الموافق 27 شعبان 1426هـ