ماذا في المشهد الفلسطيني؟ لقد انسحبت "إسرائيل" من غزة، ولكنها قامت بتحريك طائراتها ودباباتها بلصف المناطق الآهلة بالسكان ومدارس الأطفال والسيارات المدنية، واغتيال قيادات الفصائل الفلسطينية واعتقال المجاهدين، واجتياح أكثر من منطقة في الضفة، وإعلان شارون بأنه لن ينسحب من أية أرض محتلة، وإطلاق يد الجيش الصهيوني في القيام بتدمير البنية التحتية الفلسطينية، في نطاق مباركة أميركية لذلك كله من قبل الرئيس بوش الذي أعلن "تفهمه" لما يقوم به العدو فيما وصفه بـ "الدفاع عن نفسه"، من دون أي تحفظ في كل هذه الوحشية. إن المطلوب إسرائيليا وأميركيا هو القيام بإبادة شعب الانتفاضة التي تمثل المأزق للعدو، بما يؤكد أن حلم الدولة الفلسطينية لن يتحول إلى حقيقة حتى مع الجزء البسيط لفلسطين، على رغم أن بوش يواصل خداعه للعالم وللعرب بالذات في الحديث عن الدولة الفلسطينية، لأنه لا يعترف بأن للشعب الفلسطيني أي حق قانوني أو شرعي في أرضه التي يعتبرها أرضا متنازعا عليها لا أرضا فلسطينية، ما يجعل الحق عنده للعدو في اجتياحها ومصادرتها وبناء المستوطنات والجدار العنصري عليها، غير عابئ بالقانون الدولي الذي يعتبرها أرضا محتلةلأن الاحتلال لا شرعية لـه. ولكن أميركا التي احتلت العراق من دون أساس لا تمانع في بقاء احتلال "إسرائيل" لفلسطين، وحتى للأرض اللبنانية والسورية. أما الدول العربية فإنها تعلن المزيد من الولاء لأميركا في مسألة تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" على حساب الفلسطينيين، غير آبهة بكل ما يجري لهم من تقتيل واعتقال ومجازر ترتكب بحقهم، ومن انتهاكات يومية لحقوق الفلسطيني الذي ينظر يمنة ويسرة فلا يرى شيئا اسمه العالم العربي إلا من خلال الطلبات الأميركية لبعض حاكميه، والتي يراد منها إكمال المخطط الإسرائيلي، ما يجعلنا نهيب بالفلسطينيين أن يبادروا إلى مواجهة هذا التحدي الكبير الذي ينقلهم من متاهة إلى متاهة، ومن مجزرة إلى مجزرة، من دون أن يتحرك هذا العالم الذي لا يملك أي ضمير إنساني وأية شرعية سياسية لحقوق الشعوب، فما ضاع حق وراءه مطالب. ومن الطريف أن الإدارة الأميركية أرسلت مساعدة وزيرة الخارجية لتبدأ جولة في المنطقة العربية والإسلامية، لتحسين صورة أميركا لدى شعوبها التي لا تثق بكل ما تمثله الإدارة التي تدعم احتلال "إسرائيل"، وتؤيد مجازرها الوحشية، كما تستمر في احتلالها للعراق الذي حولته إلى جحيم باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان في النفاق السياسي، وتتحرك لمصادرة حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، ودعم الظالمين من حكامها، والسيطرة على مقدراتها وثرواتها. ولذلك، فإننا نقول لهذه السيدة إن عليها أن ترجع إلى بلادها لتقدم تقريرا واحدا لوزيرتها، مفاده أن تحسين صورة أميركا لا يتحقق إلا بتغيير كل سياستها الاستكبارية ودعم "إسرائيل"، وفي خنق حريات الشعوب وتعطيل حركتها في تقرير المصير. إن الصوت الواحد يقول: إننا لا نثق بأميركا مهما حاولت أن تضع مساحيق التجميل على وجهها البشع. ويبقى العراق الجريح يعاني تحت تأثير الاحتلال الأميركي الذي يقف على يمينه الاحتلال البريطاني، وتستمر المجازر التي تتكرر في كل يوم من قبل التكفيريين الذين لايزالون يمارسون مخططاتهم الخبيثة في قتل المدنيين باسم المقاومة التي هي منهم براء، من دون أن تتحرك قوات الاحتلال لحماية الشعب العراقي الذي تتحمل مسئولية أمنه، لأن هذا الوضع السلبي الشاذ قد يطيل فرصة الاحتلال في البقاء في العراق لتحقيق أطماعه الاقتصادية والأمنية، من دون أن يسمح للحكومة العراقية بمحاكمة جنوده الذين يعبثون بأمن العراقيين، كما حدث في قضية الجنديين البريطانيين في البصرة. إن الاحتلال هو الأساس في مأساة العراقيين، وإن الفئات التكفيرية هي الرديف للاحتلال، وإن الفوضى الأمنية والحرمان الاقتصادي هو المشكلة الكبرى لما يعانيه هذا الشعب الجريح. وإننا نقدر المظاهرات الضخمة التي انطلقت في المدن الأميركية والبريطانية التي تندد بأكاذيب المسئولين هناك وخداعهم لشعوبهم، وندعو شعوبنا العربية والإسلامية إلى السير في هذا الاتجاه في رفض الاحتلال للعراق بكل قوة، لتفرض على الأنظمة أن تقف مع الشعب العراقي ضد الاحتلال، وندعو رجال الدين مسيحيين ومسلمين إلى وقفة مماثلة لوقفة أساقفة الكنيسة الأنغليكانية في بريطانيا ضد حكومتهم التي طالبوها بالاعتذار من المسلمين. كما ندعو العالم الإسلامي إلى وقفة حقيقية لدعم إيران في سعيها المشروع إلى إنتاج الطاقة النووية للأهداف السلمية، في الوقت الذي تنطلق فيه "وكالة الطاقة النووية" بالضغط الأميركي والأوروبي لإحالة هذا الملف إلى مجلس الأمن لفرض العقوبات عليها، ولكنه لا يحاسب "إسرائيل" على امتلاكها للسلاح النووي بالدرجة التي تستطيع فيها تدمير المنطقة كلها بقنابلها، لأنهم لا يملكون الضغط على هذه الدولة المارقة، بينما يضغطون على العرب والمسلمين والشعوب المستضعفة للبقاء في موقع الضعف للخضوع للقوة النووية في السلاح المدمر الذي تملكه الدول الكبرى وحلفاؤها. أما لبنان الذي تعترف حكومته بالعجز الأمني في الوقوف أمام التفجيرات المتحركة في الظلام، والتي تمثل الخطر على حياة المواطنين ولاسيما الإعلاميين، إلى جانب العجز الإداري في تعيين قادة الأمن الأكفاء الذين يملكون إدارة الشئون الأمنية، ورفع الصوت عاليا للدول الكبرى للقيام بالتحقيقات الدقيقة للأوضاع الأمنية السلبية، ليكون الأمن اللبناني أمنا مستعارا بحجة الاستعانة بالخبرات الدولية فيما لا يملك اللبنانيون مثله. وهذا ما يدفع إلى السؤال: أين ذهبت المليارات التي صرفتها الحكومات المتعاقبة في تأسيس جهاز أمني كفؤ، ولاسيما أن مشكلة لبنان في تاريخه القريب هي مشكلة أمنية؟ أين هو لبنان العنفوان الحر المستقل من حكومات لا تملك حماية مواطنيها بإمكاناتها الخاصة التي تزداد فقرا، بينما يزداد السياسيون الحاكمون في الماضي والحاضر ثراء، من دون أن يملك أحد محاسبتهم؟ وهل يبقى لبنان خاضعا لوصاية مغلفة باسم الدعم لخطة الإصلاح؟ إننا نسمع النفي لوجود وصاية دولية في حديث المسئولين، ولكن القضية هي أن الآخرين يفرضونها على البلد من دون أن يملك القائمون عليه التحرر منها.الخطة المطروحة هي أن يقلع الشعب اللبناني شوكه بأظافره، وأن يحفظ الناس أمنهم الذاتي بوسائلهم الخاصة في مواجهة الأشباح التي يتحدث عنها المسئولون. * مرجع ديني
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1122 - السبت 01 أكتوبر 2005م الموافق 27 شعبان 1426هـ