العدد 1122 - السبت 01 أكتوبر 2005م الموافق 27 شعبان 1426هـ

تقدم الى الوراء

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مئة سؤال وسؤال يمكن طرحه لرصد التحولات التي طرأت في القارة الأوروبية في السنوات الأخيرة وتحديدا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وتلاشي العناصر الحيوية التي أنتجت ما يعرف بـ "الحرب الباردة". فالحرب الباردة التي اضمحلت رسميا بعد تبخر المعسكر الاشتراكي وتفككه وانضمام معظم دوله إلى الحلف الأطلسي "الناتو" أو الاتحاد الأوروبي تركت ترسبات وأنتجت سلسلة تداعيات إيجابية وسلبية. الإيجابيات تمثلت في متغيرات سياسية انتقلت خلالها الأنظمة من "الاشتراكية" إلى "الرأسمالية" أو بلغة أيديولوجية ماركسية ارتدت تاريخيا من طور أعلى إلى طور أدنى. ولكن هذا الارتداد الأيديولوجي أنتج نماذج شبه ديمقراطية مهدت الطريق لانضمام تلك الأنظمة إلى معسكر آخر... أي إلى العدو السياسي. فأوروبا الشرقية حرقت الكثير من المراحل وبسرعة زمنية للالتحاق بعدوها التقليدي "أوروبا الغربية". هذا الالتحاق/ الارتداد أنتج سلسلة هزات سلبية عبرت عن نفسها بحروب وانشقاقات وانقسامات تتوجت في تلك الكارثة الإنسانية التي لحقت بيوغسلافيا وأسفرت عن مجازر ضد المسلمين في البوسنة وكوسوفو. فالحرب ضد المسلمين أطلق عليها التصفية العرقية وهي قاربت عمليا في مشهدها التاريخي العام تلك المذابح التي ارتكبت ضد اليهود في ألمانيا وبعض أوروبا خلال فترة العهد النازي. اضطهاد اليهود إذا جاء في ضوء مسألتين: الأولى الفكر الفاشي "النازي" الذي طرحه ادولف هتلر أساسا أيديولوجيا للتفرقة العنصرية والتمييز بين البشر دينيا وعرقيا وثقافيا. والثانية تمثلت في الانقسام السياسي الذي عاشته القارة وتبعثر دولها وجماعاتها إلى محاور متقاتلة للسيطرة على القرار الأوروبي والانطلاق منه للهيمنة على أسواق العالم وخامات آسيا وإفريقيا. وبهذا المعنى دفع اليهود ثمن الانقسام الأوروبي بصفتهم الطرف "الأجنبي" في معادلة الصراع الداخلي بين تيار عنصري يريد القارة صافية من أقليات مشكوك في هويتها الدينية والثقافية، وتيار آخر اعتبر أوروبا مساحة جغرافية تستوعب الغريب والمختلف ويمكن التفاهم معه في سياق تعددي يقبل "الأجنبي" ويتعايش معه من دون توتر عنصري. انتهت الحرب العالمية الثانية بهزيمة الأيديولوجية العنصرية "الفاشية/ النازية" وما تمثله من تجاذبات أهلية ونجح التيار الثاني "المتسامح/ المنفتح" في فرض وجوده بديلا واقعيا عن حرب مدمرة. إلا أن الحرب الساخنة التي انتهت في العام 1945 احتلت مكانها "الحرب الباردة" وتركزت على التنافس في إظهار محاسن النموذج ومساوئ الآخر إلى أن سقطت الاشتراكية لمصلحة الرأسمالية. هذا السقوط أنتج ما يسمى بـ "السلم البارد" وأظهرت الفترة التي امتدت من تسعينات القرن الماضي إلى الآن وجود ثغرات تسمح بتسلل أيديولوجيات رجعية عنصرية "شوفينية" تذكر بتلك المفاهيم التي لقيت الرواج السياسي في نهاية الحرب العالمية الأولى. فما حصل كان ما يشبه الزلزال التاريخي الذي أحدث سلسلة ردات فكرية إلى الوراء وأطلق موجة من العداء لكل الأفكار التي تتحدث عن المساواة والعدالة والرفاهية الاجتماعية والضمانات الصحية وغيرها من نقاط تتصل بحقوق الإنسان واستقراره وشيخوخته. الكثير من الأنظمة الرأسمالية في أوروبا الغربية تخلت عن بعض مظاهرها "الاشتراكية" وتراجعت عن تلك الإنجازات التي حققتها الاتحادات النقابية خلال فترة امتدت نحو نصف قرن من الزمن. هناك إذا ردة أوروبية على مستوى المفاهيم والأفكار وعودة إلى الوراء عن بعض المكتسبات الاجتماعية التي حققتها بعض أنظمة "الاشتراكية الديمقراطية" في أوروبا الغربية. مقابل الردة الغربية حصلت محاولة للتقدم السريع سمحت لدول أوروبا الشرقية بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. هذه السلبيات والإيجابيات خلطت الأوراق في مرحلة انتقالية "ارتدادية" حساسة تداخلت فيها المفاهيم وتغيرت وتلونت بواقع فيه الكثير من الثغرات التي تسمح للأيديولوجيا العنصرية "الفاشية" المعادية للأجنبي "السامي" بالنمو في لحظة دولية متوترة وقلقة من المخاطر المتأتية عما تسميه "الإرهاب العالمي". وهذا الأمر يعزز المخاوف من احتمال وجود مؤشرات ترسم ملامح نزعة "لا سامية" جديدة ضد المسلمين تقارب تلك اللاسامية القديمة ضد اليهود. أسئلة كثيرة يمكن طرحها بشأن التحولات التي طرأت على القارة... إلا أن الجديد فيها ظهور مؤشرات تذكر بمرحلة مظلمة قيل إن أوروبا تجاوزتها

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1122 - السبت 01 أكتوبر 2005م الموافق 27 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً