عاش المشهد السياسي في العراق أخيرا أكثر من حادث ملفت يستحق تسليط الضوء عليه. الحادث الأول هو انسحاب القوات الأميركية من محافظة كربلاء وتسليم الملف الأمني فيها إلى القوات العراقية وهي المحافظة الثانية بعد النجف. أما الثاني فهو دعوة المرجع الديني آية الله العظمى السيدعلي السيستاني الشيعة إلى ضبط النفس والتحذير من الفتنة الطائفية، والحكومة العراقية إلى توفير الأمن للعراقيين بمختلف انتماءاتهم وسبقتها دعوة مماثلة من السيدمقتدى الصدر لأنصاره. الحادث الثالث تصريح أحد قادة الائتلاف العراقي بأن هناك مناقشات جادة داخل الائتلاف للمراجعة بقصد تخفيف الطابع المذهبي، الذي ميز القائمة في المرحلة السابقة وأنه يجري مشاورات جدية للتحالف مع أطراف عربية سنية وعلمانية وشخصيات وطنية مستقلة استعدادا للاستحقاقات السياسية المقبلة وخصوصا الانتخابات التي ستجرى نهاية العام. مجمل هذه الحوادث لربما تثبت أشياء عدة في آن واحد منها: أن إخراج القوات الأميركية من العراق عموما ومن المدن خصوصا يمكن أن يتحقق بالطرق السياسية السلمية وليس عن طريق التفجيرات والعنف والقتل واحتضان الارهابيين تحت لافتة الجهاد، والأمر الثاني هو "وعي" الشيعة الكامل بكل المخططات التي تحاك ضدهم داخل العراق وخارجه من أجل استدراجهم لحرب طائفية مع اخوتهم السنة أو مع الآخرين لافشالهم في إدارة الحكم وتحقيق مقولة إن الشيعة "أهل لطم لا أهل حكم"، والأمر الثالث هو مراجعة الشيعة لبعض الاخطاء التي ارتكبوها بعد سقوط النظام لاستدراكها في المرحلة المقبلة. مع كل هذه الاعتبارات، إذا ما أراد الشيعة تعزيز نجاح تجربتهم فعليهم الانفتاح أكثر على الطرف الآخر وأن يقدموا مزيدا من التنازلات "المعقولة" ليبطلوا حجج الآخرين لأنهم أمام تحد تاريخي كبير، لا يحتمل الاخفاق، ولعمري أن العراق يستحق كل التضحيات بل و"التنازلات"
إقرأ أيضا لـ "فاضل البدري"العدد 1121 - الجمعة 30 سبتمبر 2005م الموافق 26 شعبان 1426هـ