هل يتحول الوجود الإسلامي في أوروبا إلى مشكلة سياسية تستدعي من دول الاتحاد البحث عن حلول أمنية لمعالجته؟ الكثير من المؤشرات تدل على أن الاتحاد الأوروبي بدأ يقرأ المسألة جديا مستفيدا من هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 وهجمات مدريد وأخيرا هجمات لندن في 7 يوليو/ تموز . 2005 فهذه الهجمات أعطت الضوء الأخضر في ترتيب قوانين تهدف إلى محاصرة الوجود الإسلامي في أوروبا والولايات المتحدة ومراقبته ومطاردة المشكوك فيهم وطردهم من القارة. المسألة إذا بدأت أمنية وأخذت تتحول إلى مشكلة "وجودية" تبحث عن وسائل قانونية تشرع تلك الحملة المضادة وتبرر الملاحقات وتصرفات الشرطة تحت سقف القضاء. وهذا التطور في العلاقات الداخلية بين دول الاتحاد والوجود الإسلامي "الجاليات" في القارة يفتح الباب أمام احتمالات خطيرة في حال انفلت الوضع وانزلقت أوروبا باتجاه مواجهة مع أقليات منتشرة في الكثير من المدن والعواصم والمناطق الأوروبية. الوجود الإسلامي في أوروبا ليس قليلا في المقاييس النسبية. والإحصاءات تقدر المسلمين "الجاليات" بأكثر من 15 مليونا تضاف إليهم ملايين أخرى موجودة تاريخيا في أوروبا الشرقية "رومانيا، شمال اليونان، ألبانيا، كوسوفو والبوسنة". فالكمية العددية كبيرة وهي منتشرة في مختلف أرجاء القارة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها. وهذا الانتشار غير متموضع إلا في بعض المناطق من شرق أوروبا، ولكنه موزع على أقليات صغيرة في دول غرب أوروبا. كذلك انتماءات تلك الأقليات غير موحدة قوميا أو لونيا أو ثقافيا. المسلمون في أوروبا يوحدهم الدين، ولكنهم غير موحدين في أنماط حياتهم وطرق تفكيرهم وأساليب عيشهم. وهذا التنوع والاختلاط في الهويات الثقافية واللغوية والقومية واللونية أسس مشكلات معقدة من الصعب معالجتها وفق منظور قانوني واحد أو ضمن مواصفات منظومة فكرية تعتمد نسقا مشتركا في القراءة. وزاد الأمر صعوبة نمو ظاهرة الأسلمة في أوروبا وإقدام مئات الآلاف على اعتناق الدين الإسلامي في العقود الثلاثة الأخيرة. فهناك الكثير من المسلمات من أصل أوروبي، وهناك عشرات المئات من المثقفين والمفكرين والأكاديميين والفنانين اعتنقوا الإسلام. المشكلة إذا متداخلة. وهناك شبكة من العلاقات الأهلية تأسست في العقود الثلاثة من خلال الزواج والمصاهرة والإنجاب. وكل هؤلاء من الرعيل الأول أو الثاني أو الثالث أصبحوا جزءا من النسيج الاجتماعي وتوطنوا وبعضهم انقطعت علاقاته واتصالاته مع الوطن الأم. ومن هؤلاء هناك جيل لا يتكلم سوى لغة وطنه الجديد "الألمانية، الفرنسية، الإنجليزية، الإيطالية، الإسبانية، اليونانية، البرتغالية وغيرها"، ونسي لغة أهله الأصلية "العربية، الفارسية، التركية، السواحلية، الأردوية وغيرها من لغات إفريقية وآسيوية". المسألة إذا معقدة ومن الصعب معالجتها أمنيا أو من خلال اختراع بعض القوانين التي تسهل للشرطة الملاحقة وتعطي صلاحية للقضاء بالترحيل أو الطرد. وفي حال اتبعت هذه الطرق بصفتها الحل الوحيد "والأمثل" للتعامل مع مشكلة الأقليات المسلمة فمعنى ذلك أن أوروبا مقبلة على طور جديد في التعاطي مع المختلف "الآخر" في الهوية والدين واللغة والثقافة واللون. وهو يعد في المعايير الإنسانية "حقوق الإنسان" انتكاسة لما يسمى بـ "الديمقراطية" وردة رجعية إلى الوراء لا يستبعد أن تتآلف نظريا مع الفلسفات العنصرية "التفوق الآري مثلا" التي جلبت الانتهاكات والويلات والحروب لتأكيد فكرة "الصفاء" العرقي أو الدموي. حتى الآن لم تسقط أوروبا في هذه الردة الفاشية "النازية" وإن ظهرت بعض ملامحها في تصريحات وخطب وبيانات تفوه بها بعض المسئولين وتم الاعتذار عنها لكونها مجرد "زلات لسان". المشكلة إذا موجودة وزلات اللسان أحيانا تشير إلى وجود نوع من التفكير السلبي في قراءة المسألة الإسلامية في أوروبا. فهذه القراءة تحتاج إلى نوع مختلف في التفكير يتجاوز حدود العقلية الأمنية. فالأمن ضروري، ولكنه حين يتجاوز حقوق الإنسان تبدأ زلات اللسان تنزلق إلى نوع من العنصرية "الدينية، الثقافية واللونية" تذكر الناس بتلك الفترة الفاشية التي عمت أوروبا نهاية الحرب العالمية الأولى
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1121 - الجمعة 30 سبتمبر 2005م الموافق 26 شعبان 1426هـ