يحتفل التونسيون والتونسيات، اليوم (7 نوفمبر/ تشرين الثاني)، بالذكرى الثالثة والعشرين لتحوّل السابع من نوفمبر 1987 المبارك، وهم فخورون بما تحقق لتونس، في هذا العهد الجديد، من إنجازات جمّة بفضل السياسة الحكيمة لسيادة الرئيس زين العابدين بن علي، التي تقوم على فكر تحديثي مستنير ورؤية إصلاحيّة شاملة تروم الارتقاء بتونس إلى أسمى مراتب النماء والتقدّم في ظل نظام سياسي ديمقراطي وتعدّدي ومناخ اجتماعي سليم واقتصاد عصري ومتفتح.
فقد أتاحت الإصلاحات السياسية التي أقرّها رئيس الجمهورية اقتحام مرحلة واعدة على درب ترسيخ دولة القانون والمؤسسات وتعزيز قيم الجمهورية ودعم منظومة حقوق الإنسان وصيانة الحريات العامّة والفردية في ظل سيادة الشعب واحترام إرادته.
فقد صدر قانون للأحزاب السياسية حرّر إجراءات تكوين الأحزاب وأرسى المعالم الأولى لحياة تعددية متطورة، لتدخل المعارضة، لأول مرة منذ الاستقلال، إلى البرلمان اثر انتخابات مارس/ آذار 1994.
ويعتبر التعديل الدستوري الجوهري، الذي حظي بإجماع الشعب في أوّل استفتاء عام في تاريخ تونس يوم 26 مايو/ أيار 2002، مرحلة مهمة على درب ترسيخ سيادة الشعب وإرادته الحرّة.
وقد شملت التنقيحات بمقتضى هذا الإصلاح الدستوري نصف فصول الدستور التونسي باتجاه تدعيم منظومة حقوق الإنسان في كونيّة مبادئها وشموليتها وتكريس حماية الحريات العامّة وكرامة الفرد والحياة الخاصّة وحرمة الاتصالات والمعطيات الشخصية، إلى جانب ترسيخ قيم التضامن والتسامح والاعتدال والوسطيّة بين الأفراد والأجيال والفئات.
وقد تتالت، على مدى سنوات التغيير، الإصلاحات السياسية والتنقيحات التشريعية المواكبة لتطوّر المجتمع التونسي لتشمل إلى جانب الدستور، المجلة الانتخابية ومجلة الصحافة ومجلة الأحوال الشخصية وقانون الجمعيات وقانون الأحزاب.
وتوجد في تونس، اليوم، 9 أحزاب سياسية معترف بها، 6 منها تأسّست بعد التحوّل المبارك وآخرها «حزب الخضر للتقدّم»، لتقيم الدليل على الإرادة السياسية الراسخة التي تحدو سيادة الرئيس زين العابدين بن علي في تعزيز المسار الديمقراطي التعدّدي.
وقد قرر سيادة الرئيس، في 7 نوفمبر 2005، الترفيع في منحة الدولة السنوية المخصصة للأحزاب السياسية، وهو ما ساهم في تعزيز تمثيلها في مجلس النواب والمجالس البلدية.
كما تم إحداث مجلس المستشارين في سنة 2005 بهدف إثراء الوظيفة التشريعية وإضفاء حركية على المشهد السياسي.
وتواترت، على مدى العقدين الماضيين، التشريعات والإجراءات الرامية إلى تدعيم منظومة حقوق الإنسان وتكريس هذه الحقوق، حيث انضمّت تونس إلى اتفاقيّة الأمم المتحدة المتعلقة بمناهضة التعذيب منذ سنة 1988، وتمّ إلغاء عقوبتيْ الأشغال الشاقة في سنة 1989.
كما حرص سيادة الرئيس زين العابدين بن علي، على إنشاء مؤسسات مختصّة في حماية الحريات وحقوق الإنسان، من ذلك إحداث المجلس الدستوري لمراقبة دستورية القوانين في 17 ديسمبر/ كانون الأول 1987، والهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية في 8 يناير/ كانون الثاني 1991، وإلحاق المؤسسات العقابيّة وقطاع حقوق الإنسان بوزارة العدل وحقوق الإنسان منذ يناير 2001.
وعلى الصعيد الدولي، انتخبت تونس عضواً في مجلس حقوق الإنسان بجنيف منذ إنشائه في سنة 2006، وعضواً في لجنة حقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة. وهو ما يُعدُّ بمثابة إقرار دولي متجدد بما حققته تونس من خطوات مهمة في هذا المجال.
وانطلاقاً من قناعة رئيس الدولة الراسخة بأهميّة الدور الموكول لوسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة في ترسيخ مقوّمات الديمقراطية والتعددية، حظي قطاع الإعلام في تونس بإصلاحات متتالية كان لها عميق الأثر في النهوض به.
وفي هذا السياق، تمّ تنقيح مجلة الصحافة في أربع مناسبات منذ تحوّل 7 نوفمبر 1987 (1988 و1993 و2001 و2005) في اتجاه إلغاء العقوبات السالبة للحريّة الشخصيّة وجعل حريّة الرأي والتعبير حقاً أساسيّاً من حقوق الإنسان بالإضافة إلى إلغاء إجراء الإيداع القانوني والعقوبات المترتبة عن عدم القيام به في مجال الصحافة. بالإضافة إلى رصد حوافز مالية لدعم صحف الأحزاب بما يساهم في الحفاظ على انتظام صدورها والتعريف ببرامجها وآرائها.
وأقرّ سيادة الرئيس زين العابدين بن علي، منذ سنة 2002، فتح الفضاء السّمعي البصري أمام القطاع الخاصّ. كما أذن بفتح منابر الحوار المباشر بين أعضاء الحكومة والمواطنين.
وترسيخاً للمسار الديمقراطي التعدّدي، حرصت تونس على توفير الأطر القانونية والتنظيمية والحوافز الماليّة اللازمة لدعم نشاط جمعيّات المجتمع المدني وتأهيلها. علما أنّ عدد الجمعيات قد تطور بشكل ملموس في عهد التغيير ليبلغ أكثر من تسعة آلاف جمعية حالياً تنشط في شتى المجالات.
وانطلاقاً من قناعتها الراسخة بأنّ حقوق الإنسان كل لا يتجزأ لا مفاضلة فيها بين حقوق الفرد وحقوق المجموعة، وبين الحقوق السياسية والمدنية من جهة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة أخرى، حرصت تونس على إرساء مسار متواصل من الإصلاحات من أجل النهوض بحقوق الإنسان في شموليتها.
فتمّ، فضلاً عن تعزيز الحقوق السياسية والمدنية ودعم مناخ حرية الرأي والتعبير، إيلاء الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأهمية التي تستحق، وذلك من خلال العمل على معالجة قضايا البطالة والفقر والأمية والنهوض بأوضاع المرأة والشباب والطفولة والإحاطة بذوي الاحتياجات الخصوصية والمسنين.
كما تعددت الإجراءات الرامية إلى مزيد النهوض بالموارد البشرية وتحسين مستوى عيش المواطن، ولا سيما من خلال توسيع مظلة التغطية الاجتماعية، وتطوير الرعاية الصحية، وإصلاح المنظومة التربوية، وبناء مجتمع المعرفة.
وفي إطار العناية التي توليها تونس لفئة الشباب، وبعد الاستشارة الوطنية حول الشباب المنعقدة في سنة 2008، أقرّ سيادة الرئيس زين العابدين بن علي الاستراتيجية الوطنية للشباب للفترة 2009-2014، التي تتضمن برامج واعدة من أجل مزيد فسح المجال أمام الشباب التونسي للمشاركة في مسيرة التنمية الشاملة.
وخدمة لأهداف هذه الاستراتيجية، اتخذ سيادة الرئيس جملة من القرارات، من بينها إحداث برلمان للشباب والتخفيض في السن الدنيا للانتخاب من 20 سنة إلى 18 سنة. فضلاً عن التخفيض في سن الترشح لعضوية مجلس النواب من 25 سنة إلى 23 سنة.
وتثميناً لهذه التوجهات، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع، يوم 18 ديسمبر 2009، مبادرة سيادة رئيس الجمهورية الداعية إلى جعل سنة 2010 سنة دولية للحوار مع الشباب يتخللها عقد مؤتمر عالمي حول الشباب برعاية الأمم المتحدة. فضلاً عن العديد من الفعاليات والملتقيات الوطنية والإقليمية والدولية التي تهتم بقضايا الشباب.
وعلى صعيد متصل يمثّل النهوض بأوضاع المرأة مسألة مركزية في منظومة حقوق الإنسان، حيث أصبحت المرأة، بفضل ما تحقق لفائدتها من إنجازات ومكاسب، شريكاً فاعلاً في بناء الأسرة والمجتمع وفي تسيير دواليب الدولة.
وتُمثّل فترة رئاسة السيدة ليلى بن علي، حرم سيادة الرئيس زين العابدين بن علي، لمنظمة المرأة العربية (2009-2011)، نقلة نوعية في عمل المنظمة التي شهدت مرحلة جديدة من البذل والعطاء في سبيل النهوض بأوضاع المرأة العربية وتعزيز دورها في التنمية.
كما ترسّخ في تونس مفهوم التضامن من خلال إنشاء صندوق التضامن الوطني في سنة 1992 وكذلك البنك التونسي للتضامن. بالإضافة إلى العديد من الإجراءات الأخرى في مجال التشغيل والتغطية الاجتماعية وبعث المشاريع الصغرى.
وكان من نتائج هذه السياسة الاجتماعية الموفقة، أن تضاعف الدخل الفردي خمس مرات خلال عشرين سنة وتراجعت نسبة الفقر إلى أقّل من 3,7 في المئة وتوسّعت الطبقة الوسطى لتمثّل أكثر من 82 في المئة من السكان. كما توسعت مظلة التغطية الاجتماعية لتبلغ 93 في المئة.
من ناحية أخرى، مثلت الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي شهدتها تونس خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2009 موعداً جديداً لترسيخ الممارسة الديمقراطية والتعددية وتوسيع دائرة المشاركة في الحياة السياسية.
وقد جدّد التونسيون والتونسيات، في الداخل والخارج، العهد مع سيادة الرئيس زين العابدين بن علي لمواصلة قيادة مسيرة البلاد، وذلك من منطلق تطلعهم لبلوغ مراتب أعلى من الرقي والازدهار والتنمية. ولا سيما أنّ سيادته قد تقدّم ببرنامج رئاسي طموح تحت شعار «معاً لرفع التحديات» يتضمّن تصوراً عملياً لمستقبل مسيرة التنمية في تونس في أفق الخماسية المقبلة.
وهو برنامج يتكون من أربعة وعشرين محوراً يشمل مزيداً من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفق مقاربة ناجعة تتواءم مع متطلبات المرحلة وأولوياتها، وتمهد الطريق من أجل رفع التحديات وقطع أشواط متقدمة على درب الحداثة والتقدم والازدهار.
من ناحية أخرى، تتميز العلاقات بين تونس ومملكة البحرين الشقيقة بالمودة والإخاء والعراقة، وهي علاقات راسخة ومتينة قوامها الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة والرغبة في الارتقاء بالتعاون الثنائي إلى مراتب الشراكة الحقة، بما يستجيب للإرادة السياسية الثابتة لقائدي البلدين، سيادة الرئيس زين العابدين بن علي وأخيه صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حفظهما الله ورعاهما. ومن المنتظر أن تشهد مسيرة التعاون بين البلدين الشقيقين دفعاً جديداً خلال المرحلة المقبلة، وذلك في أفق عقد اللجنة المشتركة التونسية البحرينية.
ولئن تمثل ذكرى مرور 23 سنة على تغيير السابع من نوفمبر المبارك مناسبة للوقوف على حصاد سنوات التغيير على جميع الأصعدة، فإنّها تعدّ كذلك مناسبة لتجديد العزم على رفع تحديات المستقبل والمضي قدما في مسيرة الإصلاح والتطوير
إقرأ أيضا لـ "خالد الزيتوني"العدد 2984 - السبت 06 نوفمبر 2010م الموافق 30 ذي القعدة 1431هـ
عشت على الدوام خضراء يا تونس
اكتب اسمك يا بلادي ع الشمس ال ما بتغيب
لا مالي ولا ولادي على حبك ما في حبيب
قد تكون الكلمات غير معبرة عما في القلب ولكن للوطن في القلب دقات ابلغ من الكلمات
مع تحيات
أبو أشرف