توقفنا في الحلقة السابقة عند الرسالة التي كتبها تاجر اللؤلؤ أحمد بن يوسف بوشقر من بمبي في 24 رمضان من العام1341 هـ الموافق 10 مايو/ أيار 1923م. إلى صديقه الحميم تاجر اللؤلؤ في البحرين شاهين بن صقر الجلاهمة، وبما أنه يدرك أن رسالته تلك لن تصل إلى البحرين إلا بعد عيد الفطر لذاك العام فقد أضاف لها في أعلى ورقة الرسالة، قبل الديباجة، تهنئة خاصة لصديقه بحلول العيد السعيد كما يظهر منها (انظر الرسالة المرفقة).
هذه الرسالة تحتاج لدراسة متأنية من قبل الباحثين في هذا المجال نظراً لأنها تحمل أكثر من مضمون ومعلومة تأريخية عن بداية فترة تدهور تجارة اللؤلؤ الطبيعي في البحرين والخليج العربي مع نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى الكساد العظيم الذي أصاب أوروبا العام 1929 واستمر حتى العام 1932.
في الرسالة «الوثيقة» يشكو أحمد بوشقر تعرضه لخديعة من بعض تجار اللؤلؤ في الهند في آخر رحلاته اللؤلؤية إلى تلك الديار. هذا ما نستشفه من بين ثنايا ما كتبه بخط يده في الرسالة التي بدأها بالديباجة المعتادة في تلك الفترة حتى وصل إلى بيت القصيد في شكواه لصديقه شاهين حين قال: «... وعن السوق في بمبي له مدة واقف والسورتيه (الشريطية كما يطلق عليهم في البحرين كذلك) خارجين طالعين من بمبي وهمتهم متنمرة للعالي لابد يتوجهون لطرفكم وكل أعمالهم ضرار على تجار البلد، فيهيجون السوق بلؤلؤ والقيام تطلع دون الحساب وإذا تولف بزيادة تعسر بيعه.
وقد أسرنا ما سمعنا أن جنابكم كل ما تولف قليل بعتوه وهو أخي الحسن (أي أفضل) واجعلوا هذا النظر في كل وقت لا يتخذكم الطمع في جمع الرقام وكبرها (أوحجرها) لنه (لأنه) ليس وقتها الآن.
هذا وعن السوق بلولاية (يقصد الهند) وباريز (باريس) ليس كما املو الناس.. وقد توجه بهذا الموسم جملت (جملة) ناس ولاكن (ولكن) ما تحمل لهم التصريف والمخارجة مثال يوسف بن بهزاد وفاروق وعباس باعو قلايل من مجمل اعواظهم (تعويضاتهم) كل واحد بلكين روبيه (200 ألف روبية)، ابن عباس ابتاع عندهم عقد مرهون عندهم حق «مروالي» عن ثمانية لك (800 ألف روبية)، وأما الحاج امحمد علي زينل فباع جميع أمواله على صديق له تاجر في باريز وثم أراد محمد علي مثال العام أن صاحبه يبيع بوقته بمصلحة فعرض المال على حبيب ولا اتفق معه ثم استلم المال الذي اشتراه الأول صاحبه وقابله في الدراهم وبكره يتوجه بحسب كلام أخي يوسف مع عبدالغفار. كذلك بيوم وصوله باع له الحاج محمد علي في باريز لابد يكون وصولهم بمبي في نصف شوال، وفي ذي القعدة يتوجه امحمد زينل إلى البحرين فيكون عند وصوله عندكم عوض يشتريه منكم ونحن انشاء الله عزمنا في آخر شوال نتوجه لطرفكم. ربنا يقدر الاجتماع بكم في أحسن الأحوال.
ويكون يا أخي تجتهد عن الزيادة بالقيام ترامن ثلاث سنين ما هنا زيادة بل اندراج حصل في العالي وهنا بواسطة حركة زينل ومشتراه أما في الولاية فكتب يوسف بن بهزاد حق ابنهم خليل يقول في باريز ما هنا اقيام ولا ربع ما نسمع بلأول ولو درينا لما سافرنا ولا خرجنا المراد والسوق خصوص بهذه الأيام فاتر ولا يتحصل بيع ويكون لا تشتري أول الوقت ولا ترفع نضرك (نظرك) حتى يتبين الأحوال لئن مدار السوق على الولاية وباريز والعرب بهذا الموسم لابد نضرهم في القماش ازيد من العام وذلك قلط منهم جنابكم توقع لا ترفع نضرك أول الوقت والمصلحة في المشترا ربنا يوفق الكل للخير.
هذا ما لزم بما يلزم برسم الشارة ليبلغ سلامنا الولد أحمد وإخوانه وعلى الأخ علي وأولاده عبدالله وعلى كافة الجماعة، منا الأولاد امحمد ويوسف يهدونكم السلام ودم محروس والسلام».
التوقيع: احمد بن يوسف بوشقر
- رغم أن النظر للوهلة الأولى في الرسالة ملياً يتبين أن بها أخطاء إملائية واضحة إلا أن هذا كان يعتبر في تلك الفترة وفي بلد لم يدخله التعليم النظامي إلا قبل أقل من أربع سنوات فقط من كتابة الرسالة (بداية التعليم النظامي في البحرين العام 1919) وبيد رجل لم يدخل أيضاً المدارس النظامية حتى تلك اللحظة واعتمد على تعليمه الذاتي وثقافته الشخصية، يعتبر تطوراً في الكتابة وأسلوبها وثقافة صاحبها مقارنة ببعض ما يكتبه طلبة المدارس والجامعات في هذا الزمن ونحن في القرن الواحد والعشرين.
- ما يلفت النظر أيضاً في هذه الرسالة أنها مكتوبة على ورقة رسمية تحمل اسم التاجر بوشقر مطبوعة في الهند باللغتين العربية والإنجليزية وبعنوانه التلغرافي (تلغرافياً - بوشقر)، مما يشير إلى تقدم المراسلات والمعاملات التجارية في تلك الفترة المبكرة من تاريخ البحرين عند بعض تجار اللؤلؤ الكبار أمثال أحمد بوشقر. كما يشير ذلك لمكانة هذا التاجر وأهميته في سوق التجار وعظم ثروته والدليل أنه اشترى كثيراً من اللؤلؤ من سوق البحرين وسافر به إلى الهند لبيعه هناك توقعاً منه بأن الربح سيكون وفيراً جداً. ويبدو أنه مكث مدة طويلة لبيع ما لديه ولكنه واجه مشاكل متعددة يشرحها في رسالته بالتفصيل ويعيد على صاحبه أكثر من مرة بألا يتسرع في شراء كميات كبيرة من اللؤلؤ دفعة واحدة. كما يؤكد أن الكساد في سوق اللؤلؤ في مومبي بدأ منذ العام 1920 وليس في تلك السنة التي كتب فيها رسالته، حيث قال بالحرف (ترا من ثلاث سنين ما هنا زيادة) بل تدهور في أحوال سوق اللؤلؤ في مومبي... يتبع...
في الحلقة الأخيرة من حياة تاجر اللؤلؤ بوشقر:
«الرسالة الأخيرة وتجار البحرين في باريس».
العدد 2981 - الأربعاء 03 نوفمبر 2010م الموافق 26 ذي القعدة 1431هـ