تشكل السوق في مراكش ميداناً خصباً للمفاوضين الباحثين عن صفقة جيدة، فهذه المدينة المزركشة بألوانها الزاهية تشكل مثالاً رائعاً لمؤشرات جذب أصحاب الأعمال والاستثمارات الأجنبية، وفي الواقع، فإن لدى مراكش خصوصاً، والمغرب عمومتً، القدرة على المنافسة أمام أي وجهة استثمارية أخرى في المنطقة.

فالدخول إلى سوق «جامع الفناء» المعروف والضخم في مراكش قبل مغيب الشمس يعيد المرء إلى حقبة غابرة من التاريخ؛ إذ يمكن رؤية كل شيء من الحرفيين الذين يعرضون المنتجات اليدوية الجميلة، إلى العطارين الذين يبيعون جرعات سحرية متنوعة.

وكنا قد وصلنا إلى مراكش بعد رحلة استمرت تسع ساعات بالطائرة من إمارة دبي، لحضور اللقاء الإقليمي للمنتدى الاقتصادي العالمي، ويبدو أن بعد المسافة بين الخليج والمغرب شكل حاجزاً أمام مشاركة الكثيرين من تلك المنطقة؛ إذ لم يحضر أي مسئول سياسي خليجي، حتى أن العاهل المغربي، الملك محمد السادس، لم يحضر الافتتاح، وهو أمر انتقده البعض.

وعلى رغم أن المغرب ليست أرضاً مجهولة بالنسبة إلى السياح من أوروبا، وخاصة في فرنسا وبريطانيا وإيطاليا، إلا أنها ماتزال مجهولة بالنسبة إلى اصحاب الأعمال في الخليج خصوصاً، والمشرق عموماً.

ولكن إذا ما تمكن المرء من إجراء نقاش هادئ مع كبار المسئولين في البلاد، فسيتمكن من تكوين صورة عامة عن المشروع الذي تطمح هذه المملكة لتنفيذه، وهذا ما اتضح لي بعد نقاش على جلسة شاي مع أحد كبار المستشارين الحكوميين، الذي طرح أمامي الخطط الرامية إلى تعزيز بناء الطبقة الوسطى وتنميتها؛ إذ إن هذه المملكة التي تشكل الحد الأقصى لدول منطقة «مينا»، التي تضم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تسير قدماً في مشاريع الخدمات وتكنولوجيا الطاقة الشمسية وتصنيع الرقائق الإلكترونية.

وذلك إلى جانب المشاريع العملاقة التي تصب في إطار الاستفادة من التقارب الاقتصادي لدول البحر المتوسط، وبينها تنمية ميناء طنجة ليكون الأكبر في إفريقيا، في حين تضم البلاد منشأة متطورة لشركة «رينو نيسان» التي استثمرت في المغرب مليار دولار لبناء مصنع ينتج 200 ألف سيارة سنوياً.