العدد 2979 - الإثنين 01 نوفمبر 2010م الموافق 24 ذي القعدة 1431هـ

«بيان الدوحة»... ما أصعب التحقيق؟

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

مجموعة كبيرة من وزراء الثقافة العرب ومسئولين آخرين اجتمعوا في العاصمة القطرية (الدوحة)، ليتدارسوا هموم الثقافة العربية وآلية تحسينها في بلادنا العربية...

وأصدر الوزراء بياناً عرف بـ «بيان الدوحة» أصدروا فيه توصيات في غاية الأهمية، أعتقد أنها - لو طبقت - لتغير وجه العرب كله، سياسياً واقتصادياً، وثقافياً، ولأصبحت لهم مكانة أخرى تتلاءم مع إمكاناتهم الحقيقية التي أضاعوها!

أوصى الوزراء بالتمسك بحرية الرأي والفكر والتعبير! وهذه توصية رائعة، ولكن السؤال: لمن هذه التوصية؟! هل سيسمح الوزراء العرب بممارسة حرية الرأي والتعبير؟! بعضهم يرأس الإعلام والثقافة، وبعضهم يرأس الثقافة فقط، لكن له نفوذ في الإعلام فهل سيمارس كل منهم دوره في السماح بحرية الرأي والفكر والتعبير؟! وهل ستتاح هذه الحرية - إن وجدت - كل أطياف المجتمع أم ستكون حكراً على طيف معين؟! ثم هل سيكون للحرية سقف واضح المعالم يعرفه الجميع أم أن هذا السقف سيكون مطاطاً بحسب المقاسات التي يريدها البعض؟! هذه مسائل في غاية الأهمية لعلنا نرى لها حضوراً عندما يعود الوزراء إلى بلادهم.

من التوصيات كذلك، التأسيس لثقافة التسامح واحترام الآخر مهما كان مختلفاً عن سواه...

الحديث عن ثقافة التسامح أمر في غاية الأهمية، ومجتمعاتنا في أمسِّ الحاجة إليه، فنحن ينبغي أن نتسامح مع بعضنا بعضاً، كما نتسامح مع الآخرين الذين يختلفون معنا في الدين أو المذهب.

ولكن ماذا تفعل مع الذين لا يتسامحون معنا؟! مجموعة من حاخامات اليهود يطالبون بإبادة العرب جميعاً... بضعهم يفتي بقتل أطفال فلسطين، وطرد الجميع من بيوتهم! ماذا نفعل مع هؤلاء وكيف نتسامح معهم؟ّ! بعض النصارى يحرقون قرآننا ويسخرون من رسولنا... فهل مثل هؤلاء يمكن أن نتسامح معهم؟! البعض يحتل بلادنا ويقتل رجالنا ونساءنا ويحرق أرضنا... قولوا لي: هل من سبيل لكي ننسى ما فعلوا بنا؟!

ليت وزراءنا وكل القيّمون على الكلمة في بلادنا أن يعملوا برامج لشبابنا لكي يعلموهم من هم الذين يجب أن نتسامح معهم، ومن ينبغي أن نعاملهم بالمثل...

لو فعلوا ذلك لقدّموا لشبابنا خيراً كثيراً، ولحمَوْهم من كثير من الانحرافات التي انجرفوا إليها...

تحدث وزراؤنا الكرام عن دعم المؤسسات الثقافية وكذلك المبدعين والكتّاب، وعللوا ذلك بأن هذا الدعم هو السبيل «الوحيد إلى تحقيق إسهام عربي فاعل في زمن التكتلات الإقليمية وفي زمن التحديات الكبرى في عصر العولمة».

أتفق معهم في كل ما قالوه... ولكن كيف السبيل إلى ذلك ونحن - وهم - يعلمون أن الكتّاب في الدرك الأسفل من سلّم التقدير الحكومي، ومثلهم العلماء والمبدعون ومن على شاكلتهم!

لن أطالبهم أن يطالبوا بمعاملة الكتّاب والمبدعين مثل معاملة المغنين ولاعبي الكرة، يكفي أن يكونوا مثل معشار معشارهم أو أقل من ذلك... إن الواقع مؤسف للغاية ومن أجل ذلك رأينا أن العلم يتناقص، وأن طلابه ينفصلون عنه!

كيف يمكن أن نحترم العلماء ولغة العلم لا قيمة لها في بلادنا! اللغة العربية في بعض بلادنا تحتل الدرجة الرابعة، وفي البعض الثالثة أو الثانية! لغة الشارع في بلادنا عربية أخرى ليست اللغة العربية! أما العامية فحدّث عن انتشارها في كل مفاصل حياتنا ولا حرج! الفنادق تتحدث بغير لغة العرب، وكثير من المحلات والشركات الكبرى لا تكتب بلغة العرب، وقل عن مثل هذا كثيراً، فكيف يستطيع وزراؤنا الأفاضل التعامل مع هذه القضية الشائكة؟ّ وهل سيجدون من يدعمهم لتحقيق انتشار لغة العرب في كل حياتنا؟ لست أدري!

الوزراء الكرام تحدثوا عن أهمية تفاعل العرب مع العصر والفكر الآخر لا الاستعارة منه وتقليده!

جميل أن يتفاعل المثقفون العرب مع كل معطيات عصرهم، وجميل - أيضاً - التعاطي مع الفكر الآخر وليس تقليده! ولكن هذا التفاعل يحتاج إلى معطيات كثيرة أهمها أن يقتنع المثقفون - أو معظمهم - بأن لديهم كنزاً عظيماً يتمثل في تراثهم ولغتهم ودينهم، وأنهم يجب أن ينظروا إلى هذا التراث قبل أن ينظروا إلى سواه، وأن يفخروا به قبل أن يفخروا بغيره، ثم يبحثون في تراث الآخرين عن كل ما يفيدهم فيأخذون منه...

أليس من المؤسف أن نجد في بعض دعاة الثقافة من يسخر بتاريخ أمته وحضارتها ودينها؟ أوَليس من المخجل أن يدعوَ البعض إلى الارتماء في أحضان الغرب وأخذ كل شيء عندهم مهما كان متناقضاً مع ثوابتنا؟!

وفي البيان التفاتة طيبة إلى القدس وحضارتها وثقافتها، ودعوة إلى حمايتها من الانتهاكات الصهيونية التي عملت - ومازالت - على طمس هويتها الثقافية... مرة أخرى... ولكن كيف؟! هل يملكون شيئاً أمام عجرفة الصهاينة وإصرارهم على تهويد القدس وطمس هويتها العربية الإسلامية؟!

أشكر كل الوزراء على هذه التوصيات، وأشكر لدولة قطر احتضانها هذا اللقاء الثقافي الجميل، ولكني - أيضاً - أتمنى منهم ألا يكتفوا بتلك التوصيات بل يعملون بكل الوسائل لكي يراها كل عربي حية أمامهم...

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2979 - الإثنين 01 نوفمبر 2010م الموافق 24 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 7:30 ص

      المتابعة

      نعم نريد المتابعة وان نرى الكلام واقعا على الارض

    • زائر 4 | 7:24 ص

      كلام

      الكلام جميل ولكنه صعب التطبيق كما قال الكتور وفقه الله

    • زائر 3 | 7:20 ص

      التسامح

      التسامح قيمة ممتازة ولكننا لانراه كثيرا فهل لهذا التسامح شكل خاص لايعرفه الكثيرون أم ماذا

    • زائر 2 | 12:39 ص

      ياسلام

      الحديث عن القدس كثير ولكن اليهود مازالو يهودونها والعرب صامتون فمتى ينصرون القدس اذا لم ينصروها الان

    • زائر 1 | 12:32 ص

      الحرية

      الحديث عن الحريات كثير ولكن أين الحريات الحقيقية في البلاد العربية فهل يتغير الحال

اقرأ ايضاً