كنت أتجوّل بين رفوف مكتبة مصادر التعلم بالمدرسة بحثا عن الكتب الواردة حديثا، وإذا بكتاب في الرف السفليّ يأخذني عنوانه ويشدني لون غلافه، فلا أدري كيف امتدت يدي إليه ونفضت غبار السنين الخمس عن دفتيه نعم بين يدي كتاب محمد عباس العمادي: «من بوح الذاكرة: في مسيرة التربية والتعليم» الصادر سنة 2005.
جلست أقلب صفحات الكتاب وأتجوّل بين أفكار الكاتب من محطة إلى أخرى ومن باب إلى باب لأتعرّف من خلاله على رجل يعتبر شاهد عيان على مرحلة طويلة من التعليم في البحرين تطورت فيها مسيرة التعليم في النصف الثاني من القرن العشرين حيث شغل محمد عباس العمادي طيلة أربعة عقود مناصب إدارية كثيرة، فضلا عن دوره كمدرس في بداية مسيرته وخلال تقلبه من إدارة إلى أخرى لمس عن قرب مواطن الخلل وحاول إيجاد الحلول من أجل تطوير التعليم بإعادة النظر في البنى الأساسية للتعليم مؤكدا: «أن مشكلة التعليم معادلة صعبة وخطيرة يدخل في مكوناتها كل أطراف المجتمع والدولة ومن ثم فإنه لزم لهذه الأطراف أن تشترك في حلّها» كما جاء في كتابه بالصفحة (23) ولقد اختار المربي محمد عباس العمادي أن يجمع شتات مقالات كثيرة نشرها في الصحافة المحلية وأن يضيف إليها مجموعة من البحوث والدراسات التي أسهم بها في مناسبات وطنية ومحافل إقليمية ومؤتمرات دولية ليضعها بين يدي التربويّ وغيره سيرة وتجربة ينشر من خلالها الوعي التربوي لدى أبناء البحرين وذلك كما قال: «من منطلق الإيمان الصادق بأننا جميعا كتربويين وآباء وخبراء نخدم في ميدان واحد ومعركة واحدة معركة التقدم والرقيّ».
إن تجربة هذا الرائد الثرية تضع بين يدي القارئ مسائل تربوية كثيرة بدأ فيها بمنزلة التربية في دستور مملكة البحرين ثم أجاب عن سؤال مفصلي مهم «ماذا نريد من التربية؟» ليتصدّى بعد ذلك إلى جملة من القضايا التربوية مثل تمويل التعليم الحكومي وظاهرة الدروس الخصوصية كما تقرأ في الكتاب عن معركتنا مع الأمية الثقافية والتعليم الابتكاري والموهوبين بما هم قاطرة الوطن فضلا عن كيفية توظيف التعليم في خدمة المجتمع ومسألة تعليم الكبار... إلخ.
وليس المجال هنا لتلخيص الكتاب والاستعاضة بذلك عن قراءته وإنما ما دفعني للحديث عنه ندرة الكتب التي تستخلص عصارة تجربة واقعية ميدانية حيث تمتلئ المكتبات بالكتب والبحوث النظرية من موقع غير المجرب غالبا في حين أن التجربة الميدانية هي التي تكشف حقا عن الصعوبات ومنها تستخلص الحلول الفضلى.
وإذا جاد علينا محمد عباس العمادي بهذا الكتاب - الذي يمكن أن يقال عنه سيرة ذاتية تربوية في مسيرة التعليم البحرينية في النصف الثاني من القرن العشرين - فإن الكثيرين من أمثاله وخاصة في مجال التعليم قادرون على أن يرفدوا النظريات والتجارب المستوردة بما عاشه من واقع ميدانيّ ساعده على الوقوف على نقاط القوة والضعف في مختلف الإدارات التي عمل بها.
وليس الأمر حكرا على من شغل مناصب إدارية رفيعة بل إن المعلم الذي بدا مشواره معلما وأنهاه معلّما يملك في جراب تجربته الثرية دررا يمكن أن يفيد بها من خلفه وحمل المشعل عنه وتجارب المعلمين تختلف فتجربة مدرس العلوم تختلف عن نظيره في مادة العربية أو الرياضة أو زميله في المواد التجارية كذلك فإنّ تجربة معلم الابتدائي تتميز عن تجربة معلم الثانوي والجامعي... إلخ.
إن فيض خاطر محمد عباس العمادي في كتابه من بوح الذاكرة في مسيرة التربية والتعليم يعدّ نموذجا يحتذى بمعنى أننا نحتاج كمربين ومهتمين بالشأن التربوي عموما إلى مثل هذه الكتب أو اللقاءات مع هذا الجيل المؤسس والمطور فتجربة جيل عمل في مجال التعليم ما يربو على نصف قرن لا مجال لنسيانها أو تناسيها لأنها ولا شكّ حبلى بالفوائد وما على أصحاب الأقلام من ذلك الجيل إلا أن يتحركوا لنشر تجربتهم وسيرتهم التربوية ونحن على يقين أن هناك عددا كبيرا من هؤلاء الذين لو باحوا بذكرياتهم وخواطرهم في التعليم او غيره من خلال تجاربهم الطويلة لاحتاجوا إلى بحر حبر من بعده بحر وليس الابتعاد عن ذكر بعض هذه الأسماء جهلا بهم وإنما خشية التقصير بذكر بعضهم والسكوت عن الآخر، فهل نقرأ قريبا تجارب أخرى تكون خير شاهد عيان على مسيرة التعليم أو غيرها من مسيرات التطور الناجحة في هذا البلد الكريم؟
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 2979 - الإثنين 01 نوفمبر 2010م الموافق 24 ذي القعدة 1431هـ
نعم لتأريخ جديد لمسير التعليم
يفتح المقال - بعد شكر صاحبه - على قضية حساسة ومهمة هي التجارب المفيدة من "المجاهدين " في باب التعليم على امتداد
أ كثر من قرن وخاصة الحقبة السابقة للتعليم النظامي وهي مبحث مفتوح لذوي الاختصاص للنظر والتدقيق وبذل الجهد لكتابة موضوعية تاريخية علمية للتعليم في البحرين
للاسف الاستاذ التربوي لم يقدر التربويين من زملاءه اثناء الوظيفة التربوية
ولقد اختار المربي أن يجمع شتات مقالات كثيرة نشرها في الصحافة المحلية وأن يضيف إليها مجموعة من البحوث والدراسات ليضعها بين يدي التربويّ وغيره سيرة وتجربة ينشر من خلالها الوعي التربوي لدى أبناء البحرين وذلك كما قال: «من منطلق الإيمان الصادق بأننا جميعا كتربويين وآباء وخبراء نخدم في ميدان واحد ومعركة واحدة معركة التقدم والرقيّ».
باب الكتابة عن التعليم في البحرين
باب الكتابة عن التعليم باب مفتوح ولجه واستثمره من لا علاقة له بجوهره وتاريخه الحقيقي مبعدا التاريخ الصادق المنير والا كيف يؤرخ لتعليم من عام 1919 وينسى ما قبله علما بانه لو لم يكن هنال قاعدة ووعي كاف لما حصل واستقر وقبل التعليم النظامي ولعل سجل علماء البحرين المنسي لدى بعضهم خير شاهد فمنهم الفلاسفة ومنهم الادباء ومنهم من كتب وبرز في شتى العلوم فكيف ينسى هؤلاء ويذكر غيرهم اليس من الظلم -وما اقبحه - نسيان ما قبل 1919 واي ظلم اشد من ظلم الوطن خاصة اذا جاء الظلم من أهله أو ممن ينتسبون اليه ظلما .