العدد 2977 - السبت 30 أكتوبر 2010م الموافق 22 ذي القعدة 1431هـ

التنوع في البحرين... واستحقاقات «العدالة والتوازن»

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

في ظل المجتمعات المتنوعة مذهبياً وعرقياً والمتقاطعة فكرياً وسياسياً يبرز صراع محموم ودائم بين ثنائية «العدالة والتوازن» يمكن أن ترى أعراضها في الدولة والشارع على حد سواء. وسبب هذا الصراع الخشية من عدالة تقضي على التوازن، أو من توازن يأتي على حساب العدالة.

جميل للغاية أن تعيش في ظل واقع متعدد، ولكن كثيراً ما ستواجه عقبة كبيرة تتمثل في صعوبة إدارة المجتمع المتنوع. والحق أنها ليست مسألة سهلة البتة. ففي الأسبوع الماضي سمعنا تصريحاً مثيراً للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، تتحدث بصراحة ودون مواربة عن فشل التنوع الثقافي في ألمانيا. وإذا كان ذلك ينطبق على دولة أوروبية عصرية ومتقدمة مثل ألمانيا فإنه من باب أولى أن ينسحب على مجتمعات شرقية كثيرة.

وعند الحديث عن الحالة البحرينية، كنموذج، فإن البحرين ورغم صغر رقعتها الجغرافية، فإنها تعد من أكثر دول المنطقة التي تتشكل من فسيفساء مذهبية وثقافية وعرقية واجتماعية متنوعة.

لعل من الواضح، أن التنوع في الحالة البحرينية ظل على الدوام يثير الحيوية في المجتمع، ولكنه أدى في بعض الأحيان إلى نشوء تعارضات وتقاطعات سياسية وفكرية، سببها الرئيسي تقاطع المصالح.

لقد كانت البحرين، الأكثر عرضة في منطقة الخليج للتأثيرات الاقليمية والدولية. والمتابع لتاريخ البحرين الحديث سيرصد حتماً أن تلك الانعكاسات الخارجية أدت إلى خلق مناخات سياسية صعبة. يمكن أن نرى ذلك في الفترة التي صاحبت وأعقبت انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وردة الفعل المعاكسة من الجهات الأخرى في ضفة الخليج.

ويمكننا أن نرصد ذلك في الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت لثماني سنوات، ويمكن الإشارة هنا بوضوح إلى أجواء ما بعد غزو الكويت، وصولاً إلى المنعطف الرئيسي وهو غزو العراق، والصراع الخفي أو العلني بين المكونات المذهبية والعرقية في العراق، والتي لاتزال متواصلة حتى اليوم بصيغ مختلفة، فيما لا يصح إغفال واقع التجربة اللبنانية بواقعها المرير ما قبل اتفاق الطائف وحتى اتفاق الدوحة.

مجتمعنا البحريني واجه كل تلك الإشعاعات الطائفية القادمة من فوهة النزاعات في المنطقة، ما أكثرها. وفي كل مقطع زمني تعاني الساحة من تجاذبات واستقاطبات هي انعكاس لا مباشر ولاإرادي للارتدادات الاقليمية.

هذه الإشعاعات الخارجية تزامن مع تفاعلات محلية، قادت إلى نشوء صراع سياسي كثيراً ما يتخذ لبوساً طائفياً. ولعل آباءنا يتذكرون بأن الهوس الطائفي لم يكن معهوداً بصورة واضحة كما هو الواقع اليوم.

من القرائن المهمة على أن التنوع لم يكن مشكلة في حد ذاته لو أن صاحبته الأعراض السياسية، هو تجربة التزاوج بين الطوائف في البحرين، فالناس لم يكونوا يديرون حياتهم الاجتماعية بناء على المركب الطائفي. ولم تكن اختيارات الناس السياسية تبنى على أساس طائفي أيضاً.

وتحديداً ما بعد العام 1979 (عام انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية) قاد المد الطائفي الجارف في المنطقة إلى انعكاسات وخيمة على الساحة السياسية الداخلية. ومنذ هذا التاريخ أصبحت سياسة الدولة مبنية في الكثير من جوانبها على استشعار خطر من التنوع الذي يميز البحرين عن سواها من بلدان الخليج الأخرى.

قلق السلطة وتوجس الشارع من قلق السلطة من الاستشعارات الطائفية جر الوضع الداخلي إلى مواجهات حادة في عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. وكل ذلك خلق تحديات جسمية أثرت على قضية العدالة الاجتماعية، وهي الاستحقاق المهم الملقى على عاتق الدولة.

ولدت أزمة من الثقة بين الدولة وجزء كبير من المركب الاجتماعي البحريني. وهذه الأزمة تحولت إلى سياسات تحدّ من تواجد بعض المكونات المجتمعية في مراكز القرار، ونرى آثار ذلك في التركيبة الحكومية والمناصب القيادية والتوظيف في القطاع العام وخصوصاً في الأجهزة الأمنية وفي السفارات والبعثات الرسمية وفي الخدمات الحكومية.

نرى أعراض الثقة بارزة في الكثير من الأمور الآنية وحتى الاستراتيجية ذات العلاقة بالهوية، ومن هنا يمكن قراءة أزمة التجنيس السياسي الذي يهدف إلى خلق تركيبة سكانية بمواصفات مختلفة تحقق مزيداً من الحصانة من وجهة نظر الدولة. وفي هذه الخانة أيضاً يمكن تصنيف «التقرير المثير» الذي يؤطر السياسات الحكومية المعنية بالتعامل مع مكونات المجتمع المختلفة.

في السابق كانت الدولة تراعي مسألة التوازن الاجتماعي إلى حد معقول، وجزء كبير من السياسات والتعيينات لم تكن ذات صبغة طائفية، لكن كل ذلك تغير منذ نهاية عقد السبعينيات. ودفعت الدولة والشارع ثمناً باهظاً لأزمة عدم الثقة.

ومع مطلع الألفية الجديدة، ظهر مشروع الإصلاح السياسي في البحرين، وهو محاولة جريئة من الدولة في احتواء أزمات التنوع الاجتماعي عبر منح مساحة أكبر من حرية التعبير. وهدف هذا المشروع هو إحداث مصالحة تاريخية وغير مسبوقة بين الدولة وفئات واسعة من المجتمع.

ولابد من الاعتراف بأن ثمة مصالحة تاريخية قد أنجزت فعلاً، ولكن التحديات الرئيسية من ميراث المواجهات وأزمة الثقة السابقة تطل برأسها بين حين وآخر حتى اليوم. وحين يشعر الناس بغياب دور الدولة كقوة تحقق العدالة والتوازن فإنهم يلجأون إلى التمترس خلف الخنادق الطائفية، وتبرز الولاءات الفرعية، والإحساس بقيمة الانتماء للدولة التي تحتضن الجميع بلا تمييز عاملاً أساسياً لرفض استقطابات أمراء الطوائف.

وينبغي الاعتراف أيضاً بأن الدولة والمجتمع لم يستطيعا حتى الآن التغلب على خلل رئيسي يتمثل في غياب العدالة الاجتماعية في الكثير من مواقع القرار والتأثير، فالتشكيلة الحكومية المتعاقبة لا تعكس الصورة الحقيقية للتنوع البحريني، وكذلك الطريقة التي لجأت إليها الدولة في رسم الدوائر الانتخابية وفي تركيبة المجلس النيابي التي لاتزال بعيدة عن التناغم مع عدالة التمثيل.

نتمنى أن تراعي الدولة في التشكيلة الحكومية المقبلة مسألة العدالة الاجتماعية في توزيع الحقائب الوزارية بين جميع مكونات الشعب. ونأمل في ولادة حكومة تضم مختلف الكفاءات وتمثل ألوان الطيف البحريني بشكل عادل ومتوازن.

ومن المنطقي أن تؤخذ مؤشرات نتائج الانتخابات في الحسبان عند تشكيل الحكومة، حتى نقترب من الحالة الديمقراطية.

يجب أن ندرك أن في مجتمع تعددي كالبحرين، فإن الثقة تلعب دوراً جوهرياً في نمط إدارة التنوع الاجتماعي.

ومن المهم للغاية أن يطمئن الناس إلى تمثيل عادل ومتوازن في السلطات والثروات الوطنية وفي توزيع الخدمات المقدمة من الدولة. ومن المهم كذلك أن تطمئن الدولة إلى دورها المركزي في المجتمع. وهذا الأمر سيساهم في إنتاج واقع اجتماعي مستقبلي خالٍ من أمراض الثقة التي ورثناها من ماضٍ مليء بالتحديات

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 2977 - السبت 30 أكتوبر 2010م الموافق 22 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:46 ص

      العدالة والتوازن

      السلام عليكم،
      العدالة هي المحور في الوجود.. وما عداها دونها..
      أما التوازن فيثُنظر إليه بلحاظين:
      1. توازن يؤدي إلى ظلم. وهو يتعارض مع المحور الأساس، وهذا ما يحدث في البحرين، وهو مرفوض شرعاً وعقلاً وعرفاً.
      2. توازن يؤدي إلى الأمن والاستقرار من غير تعارض مع العدالة الأعم من العدالة الاجتماعية. وهذا هو المطلوب تحقيقه.. وهو مفقود ولا يُنظر إليه البتّة.
      وشعار التوازن للحالة المتنوعة في البحرين هو تبرير لواقع ظالم فاسد أقصى العدالة بحجّة التوازن..

    • زائر 1 | 11:32 م

      أبن المصلي

      صباح الخير جميعا الموضوع هذا اليوم والذي تناوله الأستاذ حيدر حفظه الله تعالى هو في غاية الأهمية بمكان وخصوصا ونحن نعيش في وطن متنوع الأطياف والمذاهب وهذا بحد ذاته يعد جميلا مالم تشبه ظلامة أوتفضيل طيف على طيف آخر أوتفضيل طائفة على طائفة أخرى فأذا اردنا للوطن أن يسمو ويتقدم علينا أنتهاج سياسة العدالة الأجتماعية في تمثيل متوازن لتوزيع الخدمات وتمثيل متوازن في توزيع الثروة ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب بغض الطرف عن أنتمائه المذهبي بهذه السياسة سيخرج الوطن من حالة الأحتقان الى حالة الأمان

اقرأ ايضاً