في غمرة أحداث العنف التي مرت بها البحرين في الفترة الأخيرة لم نجد من بعض القوى من يدعو للحوار لإخراج البلد من دوامة العنف التي كانت تتسع بشكل مخيف وتجر البلد الى منزلقات خطيرة، كما لم نجد من ممثلي هذه القوى أي مبادرة أو انفتاح على الآخر أو حتى استعداد لسماع ما يطرحه هذا الآخر، كان الجميع يطالب بالحلول الأمنية التي تردع من تسول له نفسه بالمعارضة، وحتى الأطروحات التي كانت تصدر عن قوى معتدلة كانت تفسر بأنها تبرر للعنف وتدعو إليه.
وحتى عندما طرحت جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي مبادرتها التي دعت من ضمن بنودها القوى السياسية المعارضة الى احترام النظام السياسي في البلاد و ترشيد الخطاب السياسي و نبذ مظاهر العنف كافة من حرق وتفجيرات والاعتداء على رجال الأمن والتأكيد على سلمية العمل السياسي ووقف خطابات التحريض والتخوين والتشكيك في الولاء الوطني للمواطنين على أساس انتمائهم المذهبي، في حين تقوم الدولة بإطلاق سراح الموقوفين والمعتقلين، ونبذ العنف المستخدم من قبل رجال الأمن، وضمان فتح حوار بينها وبين القوى المجتمعية والسياسية حول الملفات موضع الخلاف، وجد من يقول إن هذه المبادرة مشروطة بإطلاق سراح الموقوفين على ذمة قضايا أمنية وإن هذه الخطوة ستمس من هيبة الدولة وإن شرط إطلاق سراح الموقوفين يقف في وجه المضي قدما في مناقشة هذه المبادرة أو الأخذ بها.
ومع إصدار جلالة الملك عفوه عن المعتقلين والموقوفين في القضايا الأمنية سقطت هذه الحجة التي كان يظن البعض أنها ستقف عائقا أمام تحقيق المصالحة الوطنية وبدء حوار شامل لخروج البحرين من وضع مفتوح بكل اتجاهاته على الأسوء.
في الفترة الماضية لم تكن أي من تلك القوى تسمح بالانفراج، بل دائما ما كانت تقف حجر عثرة أمام تمرير أي ملف «معلق» سواء كان ذلك من خلال السلطة التشريعية أم من خلال الحوار مع الدولة حتى كثرة هذه الملفات وتراكمت وتداخلت على مدى السنوات الماضية بحيث أصبح من الصعب فرزها أو الاتفاق على أيها أكثر أهمية.
كل ذلك جرى بحجة أن هذه الملفات يمكنها الانتظار وأن ما يهم في هذه المرحلة هو توفير العيش الكريم للمواطنين من سكن وعمل وتعليم وصحة ومع ذلك لم يجد المواطنين خلال الفصلين التشريعيين ما يوحي بأن هذه الملفات المعيشية في طريقها للحل بل بالعكس لم تستطع تلك القوى حتى من مقاربة مشكلة الإسكان والفقر وتحسين جودة التعليم والخدمات الصحية.
الآن وعندما أصبح الجميع مقتنعين بأهمية الحوار وأصبح الجميع يدعوا إليه - وبقدرة قادر- يجب أن يقتنع الجميع بأن حلحلة الملفات العالقة ليست مطالب لفئة معينة دون آخرى فقط وإن خلق العوائق أمام الحوار لا يعني الوقوف أمام القوى المتشددة.
على هذه القوى أن تفهم بأنها في موقفها هذا إنما هي تمثل القوى الرجعية التي تقف ضد التطور الطبيعي للإنسانية والديمقراطية وحقوق الإنسان وأن كل ذلك لا ينبع من حبها لوطنها وإنما للدفاع عن مصالحها الآنية.
إقرأ أيضا لـ "جميل المحاري"العدد 2425 - الأحد 26 أبريل 2009م الموافق 01 جمادى الأولى 1430هـ