العدد 2974 - الأربعاء 27 أكتوبر 2010م الموافق 19 ذي القعدة 1431هـ

مِسْكِيْن العِرَاق

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ماذا تعني فضيحة «ويكيليكس»؟ إنها تعني باختصار أن كلّ عائلة عراقية تحمل صورة لابنها المفقود، ودَرَجَتْ تبحث عنه صباح مساء في المستشفيات والسّجون الأميركية أو العراقية، وتعرض صوَره باستمرار في برامج تلفزيونية بقناة «العراقية» أو «السّومريّة» أو غيرها من القنوات العراقية أن تقِيمَ له مأتماً وشاهِداً على قبْر وتترحّم عليه.

كثرٌ هي العوائل العراقية التي فَقَدَت أبناءً لها. بعضهم منذ العام 2003 وهو عام الاحتلال، وبعضهم في العام 2004، أو 2005، أو 2006 ولغاية العام 2010. كثير من أؤلئك المفقودين كانوا قد ذهبوا للتبضّع لكنهم لم يرجعوا. وبعضهم كان في عمله الرسمي وفقِدَ أثره مع توزّع وزارات الدولة العراقية على الأحزاب الحاكمة. وبعضهم كان ينَادِم أصحابه في مقهى ولم يرجع. وبضعهم كان ذاهباً للسؤال عن أحد أقربائه المفقود تَوَّاً فَفقِدَ معه إلى الأبد.

ما كَشَفَه موقع «ويكيليكس» للمعلومات الاستخباراتيّة هو جزء يسير من الحقيقة الغائبة. لا يَظنَّنَ أحدٌ بأن هذا الكشف هو تام وشامل، بل هو ناقص بالمقدار الذي لا يظهِر بشاعة الأميركي على حقيقته، رغم أن الموقع مشكور، ويجب مساندته في الحملة التي تشَنّ عليه من قِبَل الإدارتَيْن العراقية والأميركية التي بدأت تنعَت ويكيليكس بالاصطفاف مع «أعداء أميركا» معيدة السيمفونية ذاتها الخطابية التي كانت تقولها الشيوعية عند الصَّفَّارين.

فحين يقول ويكيليكس (عبر الوثائق المسَرَّبَة) بأن القتلى العراقيين هم أكثر من 260 ألف ما بين العام 2004 و2009 فإن ذلك ما لا يقبله عاقل تابَعَ الحرب الأميركية على العراق، وشاهَد الأحداث فيه طيلة تلك الأعوام العِجَاف، والتي كانت أيامها تعجّ بالأخبار اللحظية (وليست اليومية فقط) التي كانت تتحدث عن تفجيرات، واغتيالات وتصفيات على الهوية المذهبية.

هل من المعقول أن تأتي طائرة أميركية من طراز إف 16 أو طائرة أباتشي وتقصف بيتاً تجاوِره بيوت وسط حيّ سكني مأهول في الفلوجة أو في مدينة الصّدر ولا يسقط ضحايا بالعشرات في الوقت الذي يعرف الجميع أن الكثافة السكانية فيها مرتفعة؟ أو هل أن المدفعية المباشرة، أو تمشيط الأحراش بالرصاص بعد كلّ عملية تفجير ضد رتل أميركي لا تؤدي إلى مقتل مدنيين عزَّل يعملون في تلك المناطق كرعاة أغنام أو مزارعين، أو حتى كَسَبَة عاديين. هذه أمثولة مَمْجوجَة من إناء الكذب الأميركي الواسع الذي رافق الحرب في العراق.

أضِف إلى ذلك، أن هناك أسباباً غير مباشرة للمأساة وهي تؤدي بالخسائر ذاتها التي تؤديها الأسباب المباشرة يجب إدراكها واحتسابها. فحين اكتشِف وباء الكوليرا في العراق نهاية العام 2007 وتأكّد إصابة 3324 شخصاً (يفوق عدد المصابين في قارة آسيا برمّتها حسب وصف ستيلنغر) فلا يمكن فصل هذا الأمر عن غيره من الأسباب المؤدية للخسائر الفادحة في الأرواح والتي يتحملها الاحتلال.

وحين نعلم بأنه ومع حلول شهر سبتمبر/ أيلول من العام 2007 كان 4.7 ملايين عراقي (واحد من أصل سبعة) قد اضطروا لمغادرة منازلهم (وهي أضخم هجرة قسرية لشعب في الشرق الأوسط منذ نكبة فلسطين في العام 1948م) فإن مستوى انكشاف هؤلاء أمام الخطف والاغتيال والقتل على الهوية سيكون أوسع من غيره، خصوصاً إذا كانت المناطق التي تئويهم لا تزيد عن خِيَم في براري مفتوحة أو في أطراف المدن وهو ما يتحمّله الاحتلال أيضاً.

ويكيليكس أظهرت قمة جبل المأساة فقط. أما بناء الجبل وقاعه فإدراكه هو من سياق التجربة العراقية ما بعد الاحتلال وما تجرّه من ويلات على العراق والعراقيين.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2974 - الأربعاء 27 أكتوبر 2010م الموافق 19 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 12:47 ص

      غريب

      الغريب ان الوثائق لم تتحدث عن السيارات المفخخة ومن يقوم بارسالها لقتل الشيعة في مدينة الصدر والخالص وغيرها من الاماكن ان الوثائق انتقائية ولها اهداف محددة ..........

    • زائر 6 | 1:58 م

      خالد الشامخ : هل يسقط المالكي؟

      الجرم لابسه فهل يساق الي المشنقه ؟

    • زائر 5 | 9:23 ص

      إلى زائر 4

      أما أن العرب يعادون إيران فاضحك على نفسك ، نجاد الرئيس الوحيد الذي ترفع صوره و يهتف باسمه في أرجاء العالم العربي ، وزيارة لبنان التاريخية خير دليل ، وهذا استطلاع أمريكي اجرته جامعة "مريلاند" الاميركية بالتنسيق مع مؤسسة "زاغبي" الاميركية،ان معدل تأييد البرنامج النووي الايراني في العالم الإسلامي بدأ يتصاعد بصورة ملحوظة، مما يؤكد حق ايران في تملكها للطاقة النووية، حيث تشير الاحصائية الى ان النمو في التأييد من عام (2008 ـ 2010) بلغ 95ظھ أي بزيادة قدرها 20ظھ ... وشهد شاهد من أهلها

    • زائر 4 | 9:15 ص

      إلى زائر 4

      إن كانت هناك عنصرية نتنة فهي في تعليقك الذي يفوح منه بغض القومية الفارسية ، لإيران أن تفخر بقوميتها الحضارية و تتنافس مع الآخرين لأجلها وللعرب أن يفخروا بقوميتهم وينافسوا لأجل رقيها ، وهذا هو مبدأ تنافس الحضارات نحو الأفضل ، لكن أمثالك العنصريون الحقيقيون هم من يرفضون أي وجود للآخر ، أي كما هي نظرية ( نحن شعب الله المختار ) اليهودية الصهيونية ، أمثالك التكفيريون يتحدثون عن مجوسية إيران مكفرين 70 مليون مسلم ( بمن فيهم سنة إيران !! )

    • أحمد المحرقاوي | 2:04 ص

      إيران العنصرية

      إيران العنصرية المجوسية تستولي على العراق وتذيق أهله الويلات والبسطاء يظنون ان إيران تدافع عن مذهبهم أو عقيدتهم بينما هي تريد بسط سيطرتها على المنطقة كلها والكثير من الناس المنخدعين بها من العرب تنبهوا أخيراً غلى هذه النقطة . . إيران لا تدافع عن الشيعة بل تدافع عن قوميتها الفارسية فحسب وهي تكره العرب كرهاً شديداً .

    • زائر 3 | 1:21 ص

      انه حر الناعمه

      يحاولون بكل الطرق ان يهاجموا الدوله الأسلاميه - ايران _ و يزعزعوا ثقة الناس فى ايران . حقاً انهم شياطين . افعلوا ما تشأون و لكن الناس تدرك الحق من الباطل .

    • زائر 2 | 12:55 ص

      موقع

      ماهذا الموقع الذي يسرب لأحداث يقال أنها خرجت بالرغم من الإدارة الأمريكية, من هذا الذي يصدق بأن التسريب لوجه الله؟ هناك أحداث أقدم من 2003 ولكن لم يتم النشر حولها, لماذا أغفل التقرير دور دول أخرى غير إيران ؟
      هل أمريكا مؤسسة خيرية لأغراض البحث العلمي؟

    • زائر 1 | 12:08 ص

      برنامج بلا حدود

      هذا الأسبوع ستقوم قناة الجزيرة باستضافة رئيس موقع ويكيليكس ضمن برنامج بلا حدود
      الموضوع اكثر من مهم يا جماعة

اقرأ ايضاً