جرت الانتخابات النيابية والبلدية في البحرين يوم السبت23 أكتوبر/ تشرين الأول 2010، وستكون الإعادة يوم السبت 30 أكتوبر 2010، في الدوائر التسع المتبقية. وقد سبق إجراء الانتخابات مناخ من القلق نتيجة الإجراءات الأمنية التي اتخذتها الحكومة ضد الذين اتهموا بالإعداد لعملية تآمرية للإطاحة بنظام الحكم. ولذلك برز التساؤل إلى أي مدى ترتبط تلك الإجراءات بالانتخابات، وما مدى شفافيتها ونزاهتها؟
ولست خبيراً بشئون البحرين وتعقيدات أوضاعها الداخلية، ولكنها ملاحظات ذات طبيعة عامة يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
الأولى: الدعاية الانتخابية المكثفة والحرة لكافة المرشحين حتى اليوم الأخير بدون أية قيود غير مبررة، سواء في خيامهم أو في الشعارات الانتخابية أو حركة المرشحين ومؤيديهم على الساحة الوطنية، فضلاً عن عدم وجود أية موانع قانونية على لافتات الدعاية في الشوارع، حيث لافتات بأسماء المرشحين وصورهم، ولم تفرض على عملية الدعاية الانتخابية أو حتى الترشح سوى الضوابط الإدارية الشكلية مثل مقر إقامة المرشح في الدائرة التي يترشح فيها.
الثانية: السماح بلا قيود للمراقبين الوطنيين، وحتى للصحافة العربية والأجنبية بمراقبة الانتخابات، وهناك لجان مراقبة من جمعية الشفافية البحرينية، وبعض الجمعيات الحقوقية الأخرى، وإنا أدرك أن منظمة الشفافية وغيرها من المنظمات الحقوقية ترغب في مزيد من الصلاحيات والتسهيلات، ولكن كما يقال ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، وليست هناك ظروف مثالية في أية منطقة من العالم فضلا عن منطقة الشرق الأوسط الكبير كما يطلق عليها البعض.
الثالثة: وجود تعليمات من السلطات الرسمية بعدم استغلال الأماكن الدينية مثل المساجد في الدعاية الانتخابية حتى لا تتأثر مواقف المواطنين بالتوجه الديني والمشاعر الدينية.
الرابعة: بروز المرشحين المستقلين بثقل أكبر هذه المرة من انتخابات 2006، وبما يقترب من انتخابات 2002. وقد حقق هؤلاء عدداً لا بأس به من المقاعد على حساب الكتلتين الإسلاميتين (المنبر والأصالة)، إذ حصد هؤلاء في الجولة الأولى 11 مقعداً للمستقلين والكتلة الاقتصادية حصلت على مقعدين، ولكن لم يستطع أي من المستقلين أو الليبراليين أو اليساريين الحصول على أي مقعد من جمعية الوفاق، ما يعكس تماسك الجمعية من ناحية، وصلابة قاعدتها الانتخابية وتماسكها من ناحية أخرى، ولعل أحد أسباب ذلك هو اعتماد مبدأ المرجعية الدينية، وارتباط العمل السياسي بها.
الخامسة: بروز المرشحات من السيدات أسوة بما حدث في الدورتين الماضيتين. ولكن أيضاً لم تحصد أية سيدة أي مقعد في الجولة الأولى، عدا فوز واحدة في دائرتها بالتزكية، ومازال الأمل قائماً في جولة الإعادة، ولكن بصفة عامة هذا يشير إلى أن المجتمع لم ينضج سياسياً واجتماعياً بعد لاختيار سيدات للعمل البرلماني عبر الانتخاب على غرار ما حدث في الكويت، بل إن أياً من الجمعيات السياسية الرئيسية مثل جمعية الوفاق أو جمعية المنبر الإسلامي أو الأصالة لم ترشح أية سيدة.
السادسة: مازالت حظوظ الاتجاه اليساري والليبرالي محدودة، فلم يكسب أي منهما أي مقعد في الجولة الأولى، ومازال الأمل قائماً لاحتمال ذلك في جولة الإعادة، وهذا يدل بوضوح على حدوث تغير جوهري في فكر المجتمع عما كان عليه في الستينيات والسبعينيات.
السابعة: ظهور حالة من الشكوك المسبقة حول نزاهة الانتخابات، وحول الحملة الأمنية قبلها، وهذا حدث في الماضي من قبل جماعات معينة للتشويش، أو لتغطية الفشل الانتخابي، وبعد صدور النتائج الانتخابية اقتنعت الأغلبية، وبخاصة المحايدين بنزاهة العملية الانتخابية وصدقيتها، وهذا ما أشادت به جهات محايدة عديدة رغم بعض الشوائب البسيطة التي لم ولن تغير من النتائج أو تؤثر على الاتجاه العام للنزاهة والصدقية.
الثامنة: النزاهة والشفافية، حيث نشرت أسماء اللجان في أماكن واضحة ومتعددة من البلاد، ولذلك يسهل على كل مواطن أن يذهب للجنة الانتخابية المفترض أن يصوت فيها، وزيادة في التسهيل على المسافرين والمتنقلين، وكان هناك عدد من الدوائر العامة التي يمكن لبعض المواطنين التصويت فيها. ولاشك أن هناك بعض خلافات في وجهات النظر حول هذه الممارسة، ولكن في تقديري أنه ينبغي أن تؤخذ الأمور بالنوايا الحسنة.
التاسعة: كثافة الدعاية الانتخابية في هذه الدورة مقارنة بالدورات السابقة، ومن ثم فهذا يعني أن التجربة الديمقراطية القائمة تترسخ جذورها وتتعمق التجربة لدى المواطن البحريني.
العاشرة: مشاركة المواطن البحريني المقيم في الخارج في العملية الانتخابية من خلال السفارات البحرينية والقنصليات البحرينية في الخارج.
الحادية عشرة: بروز دور رجال الأعمال المؤيدين من غرفة تجارة وصناعة البحرين، وهذا البروز له دلالة ذات أهمية، حيث إن رجال الأعمال لا يرغبون في ترك مصير أعمالهم لرجال الدين وتوجهاتهم المحافظة التي قد تمس مصالحهم، ومن غير المتصور أن يلعب رجال الأعمال دوراً أكبر مما هو متوقع في كثير من الدول الديمقراطية، بمعنى لن يستطيعوا تسخير المجلس الجديد أو النظام السياسي لفرض الهيمنة أو الاحتكار، كما يحدث في بعض الدول العربية الأخرى.
الثانية عشرة: استمرار بعض المستقلين في الحفاظ على مقاعدهم، وتعزيز بعضهم لدورهم في مواجهة الجمعيات السياسية ذات التوجه الديني، وخاصة جمعية المنبر الإسلامي، وإلى حد ما جبهة الأصالة.
الثالثة عشرة: حصول خمسة مترشحين على التزكية من الـ40 مقعداً أي ثُمنُ عدد المقاعد بالتزكية، منهم السيدة الوحيدة التي فازت بعضوية المجلس للمرة الثانية.
الرابعة عشرة: الدور المهم والنزيه الذي لعبه القضاء في الإشراف على العملية الانتخابية، ومراقبة صناديق الاقتراع، وفرز الأصوات، وإعلان النتائج.
ومن ناحية أخرى، فقد أكد وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة أن المرحلة المقبلة جديدة ومهمة، وإن المملكة ماضية في طريق الإصلاح، وهذه المشاركة في العملية الانتخابية وما اتسمت به من نزاهة وصدقية خير دليل على ذلك.
وختاماً نتمنى للفائزين كل توفيق، وللشعب البحريني وقيادته كل تقدم نحو تعميق الممارسة الديمقراطية، ولاشك أن تأكيد جلالة الملك، ورئيس الوزراء، وولي العهد على التمسك بالديمقراطية يعد الضمانة الرئيسية لنجاحها، والضمانة الثانية هي وعي الشعب وإدراكه لأهمية الانضباط، ومراعاة القواعد القانونية والسلوك المتحضر في أثناء العملية الانتخابية في مختلف مراحلها.
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 2974 - الأربعاء 27 أكتوبر 2010م الموافق 19 ذي القعدة 1431هـ
لايصح الا الصحيح
كلام جميل ولايصح الا الصحيح يا استاذ والله يعطيك العافيه