العدد 2973 - الثلثاء 26 أكتوبر 2010م الموافق 18 ذي القعدة 1431هـ

معالجة الكثافة الطلابية... إصلاح الإصلاحات

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

تُعرَّف الكثافة الطلابية «Student Density» في الأدبيات التربوية بأنها «مقياس إحصائي لعدد الطلبة في كل ميل أو كيلومتر مربع في الفضاء المدرسي، والتي يتحصل عليها بقسمة عدد الطلبة على مساحة المبنى المدرسي».

هذا في الوقت الذي تقسِّم الكثافة الطلابية المؤسسات التعليمية على فئتين: فئة ذات كثافة طلابية مرتفعة، وأخرى ذات كثافة طلابية منخفضة, وتحدَّد نسبة الكثافة بتوافر الإحصاءات الدقيقة لكل من: عدد الطلبة، وحجم الرقعة الجغرافية التعليمية.

صنوان لا يفترقان «الكثافة الطلابية والكثافة السكانية»، فالبحرين تتبوأ المرتبة السابعة عالمياً في كثافتها السكانية، كما أن مساحتها الجغرافية تقدر بـ 720 كيلومتراً مربعاً، هذا فضلاً عن أن المؤشرات الإحصائية تؤكد على أنها أعلى كثافة سكانية من الكويت (151)، وحتى من الصين (138)، وقطر (74)، وعمان (8.3)، وإيران (42)، ومصر (73).

فالإحصائية السابقة تشير إلى كثافة سكانية عالية، ما قد يدفعنا إلى الحديث مستقبلاً عن وجود ضغط كبير على القدرة الاستيعابية للطلبة في المدارس، وكذا على الخدمات أو البنية التحتية للمنظومة التعليمية، وستلقي آثار هذه الكثافة الطلابية العالية بظلالها على مستقبل التعليم في مملكة البحرين.

دعونا نسلط الضوء على ظاهرة الكثافة الطلابية من منطلق أنها أولوية ضمن أجندة إصلاح التعليم، من خلال طرح الأسئلة التالية:

1 - ما الكثافة الطلابية المعتمدة من قبل وزارة التربية والتعليم في فصول المدارس الحكومية لجميع المراحل التعليمية بدءاً من التعليم الابتدائي وانتهاءً بالتعليم الثانوي للمحافظات الخمس في مملكة البحرين للعام الدراسي 2010/ 2011م؟

2 - وهل تختلف تلك الكثافة من محافظة لأخرى؟ وما أسباب ذلك الاختلاف إن كانت الإجابة بـ «نعم»؟

3 - وما أعداد الطلبة البحرينيين والوافدين في جميع المراحل الدراسية الحكومية من الابتدائي إلى الثانوي في جميع المدارس وعلى مستوى محافظات المملكة، ونسبة كل منهما للعام الدراسي 2010/ 2011م؟

4 - وهل توجد إحصائية لدى وزارة التربية بحيث تشير إلى التكاليف المادية التي تنفقها الوزارة على الطالب الواحد خلال العام الدراسي لكل مرحلة من مراحل التعليم الحكومي من الابتدائي إلى الثانوي؟ إن كانت الإجابة بـ «نعم»، فما مقدار تكاليف كل مرحلة على حدة؟ وما جدوى قيام الوزارة مستقبلاً بمنح موظفي هيئات التدريس من الوافدين والعاملين بدلاً مالياً عوضاً عن السماح لأبنائهم بالالتحاق بالمدارس الحكومية للتخفيف من معدل الكثافة الطلابية للمدارس الحكومية؟

5- وما المعايير التي تضعها الوزارة عند إعدادها الخطط الإنشائية للمدارس بشتى مراحلها بحيث تراعي الاحتياجات المستقبلية لجميع المحافظات في ضوء نمو الكثافة السكانية والإمكانات المتاحة؟

لسنا بصدد الإجابة عن الأسئلة السابقة، بقدر ما نهدف إلى تناول الظاهرة بقصد الوقوف على المؤشرات الموضوعية المتوفرة على أرض الواقع، للتعرف على أبرز التحديات التي تواجه جودة التعليم نتيجة الكثافة الطلابية العالية في المؤسسات التعليمية، لوضع الحلول الممكنة على المدى القريب أو البعيد.

إن عدم قدرة المعلمين على الإدارة الصفية، وتدني نسبة الاستيعاب والتحصيل الدراسي، وإفساح المجال أمام الدروس الخصوصية لتأخذ مجراها، وتفشي ظاهرة الغش الجماعي، وظهور جماعات الشللية في المدارس، والضغط الشديد على الانتفاع الأمثل من الخدمات والمرافق العامة بالمدرسة وغير ذلك من التحديات الحقيقية والواقعية التي تواجه الكثافة الطلابية العالية، تتطلب منا المزيد من التأمل والدراسة، ومن ثم اتخاذ القرار.

فالكثافة الطلابية العالية نتيجة الأعداد الضخمة للطلبة في الفصل الواحد تجعل المعلم حائراً وفاقداً للسيطرة على الحراك الطلابي، لأن الإدارة الصفية شرط أساسي للتعلم، فوظائف المعلم تتعدد بين قدرته على تحقيق كفايات المادة الدراسية من أعمال تحريرية كتصحيح كراسات الطلبة وتقييم البحوث والتقارير التي يعدُّها الطلبة، وأخرى شفهية مثل الشرح والمناقشة وما إلى ذلك، والالتزام بالأعباء الإدارية اليومية كتسجيل الغياب وتطبيق اللائحة الصفية بشكل عام، فهو بالتالي - أي المعلم - واقع بين نارين: إما الاكتفاء بشرح المادة الدراسية، مع ترك المتابعة للأعمال التحريرية، وهو أمر قد يعرِّضه للعقوبات الإدارية، أو التركيز على الأعمال التحريرية، والتقليل من الاهتمام بالشرح، وهو ما قد يعرِّضه لتأنيب الضمير ومراجعة الذات.

وبما أن البحرين شهدت تحولاً كمياً ونوعياً في تحقيق التعليم الأساسي للجميع كحق من حقوق الإنسان، من خلال التشريعات التي تضمن حق التعليم كما ورد في المادة السابعة من الدستور، والمادة الثانية من قانون التعليم لسنة 2005 والتي تؤكد على أن «التعليم حق تكفله المملكة لجميع المواطنين»، إذ بلغت نسبة الاستيعاب الصافية في المرحلة الابتدائية 100 في المئة، لنفتخر جميعاً بتحقيق أهداف التنمية للألفية، والكثير من أهداف التعليم للجميع قبل الفترة الزمنية المستهدفة 2015م، فإن تداعيات الكثافة الطلابية تؤثر على تدني نسبة الاستيعاب عموماً، والتحصيل الدراسي لدى التلاميذ خصوصاً، ما سيفسح المجال - بلا أدنى شك - أمام الدروس الخصوصية المسائية، نظراً لعدم تحقق التعلم المنشود في الفترة الصباحية، وبالتالي زيادة الأعباء المادية على الأسر البحرينية، والتي ما فتئت تشتكي من الدروس الخصوصية.

وكنتيجة طبيعية للكثافة الطلابية فإن الأعمال التحريرية للطلبة تكون معرضة للانتهاك أو الضياع، لبروز الغش الجماعي، والذي ينشأ عندما تكتظ الفصول الدراسية، فتبرز لدينا حينئذٍ الجماعات الشللية!

ولأن قدر الطلبة أن يظلوا ساعات متواصلة بين أربعة جدران، فإن الخدمات والمرافق العامة في ظل وجود كثافة طلابية عالية تشكل حرجاً أمام الطلبة في الاستفادة من دورات المياه، أو بقاء الطالب من غير وجبة إفطار، نظراً للتدافع والازدحام الشديدين عند المقصف المدرسي، وبالتالي يحرم الطلبة من حقهم في الاستمتاع بأوقات الراحة والفراغ في فترات الفسح.

إن معالجة الكثافة الطلابية تتطلب نوعين من الحلول: قصيرة المدى، وبعيدة المدى، ونرى بأن الحلول قصيرة المدى تتمثل في:

1 - زيادة عدد الجهات التعليمية في المدارس ذات الدمج في المراحل، كالمدارس المشتركة بين الابتدائية والإعدادية، أو الإعدادية والثانوية في آنٍ واحد، ففي مثل هذه الحالة بالإمكان تخصيص فناء مشترك للمرحلتين، مع تبادل وقت الفُسَحِ بينهما.

2 - تفعيل الدراسة في الفترة المسائية، خصوصاً للطلبة الضعاف في المواد الأساسية.

3 - قيام الوزارة بتوفير «صفوف مصطنعة»، مجهزة بالكامل، على شكل كبينة Cabine، في المساحات غير المستخدمة بالمدرسة.

4 - الاهتمام بالأنشطة البدنية التي توجه الطاقات المتعددة للطلبة، وتقضي على ظاهرة الرتابة والملل، خصوصاً ونحن نتحدث عن وجود كثافة طلابية عالية.

5 - تبني استراتيجيات تدريس أكثر فاعلية، مثل «التعلم التعاوني Cooperative Learning»، في الفصل الواحد، لاكتشاف الموهوبين وأصحاب التفكير الناقد، وخلق جو من التنافسية لدى المتعلمين.

6 - الاستفادة من العلوم الحديثة كالبرمجة اللغوية العصبية NLP، لصالح العملية التعليمية، باعتماد «النظام التمثيلي» عند تقسيم الطلاب على ثلاثة أصناف «سمعيين وبصريين وحسِّيين»، وتدريب أعضاء هيئة التدريس على هذا النظام، الذي يراعي الفروق الفردية إلى حد كبير، خصوصاً عند ارتفاع الكثافة الطلابية في الفصول.

7 - إعادة النظر في آليات النقل، بحيث تتضمن تحديد المشكلة (الكثافة الطلابية)، عن طريق التهيئة والاستعداد للعام المقبل، فقد يلجأ مدير أو مديرة المدرسة إلى مخاطبة المدرسة الرافدة في المرحلة الأدنى، حسب آلية نقل الملفات المتبعة في كل عام، لمعرفة عدد الطلبة المتوقع تخرجهم في المدرسة، شريطة أن يكون ذلك الإجراء سنوياً من الأسبوع الأول من الفصل الدراسي الثاني من كل عام، استعداداً لبداية عام دراسي جديد، مع مراعاة قيام مدير المدرسة ذات الكثافة الطلابية العالية مسبقاً برفع إحصائية إلكترونية، تتضمن المعلومات الصحيحة والدقيقة عن المدرسة، كعدد الطلاب فيها، والفصول ومساحتها، ونوع المبنى، وإمكانية نقلهم إلى أماكن قريبة من سكنهم وما إلى ذلك.

أما فيما يتعلق بأفضل الممارسات أو الإجراءات قبل عملية التنفيذ، فتتمثل في قيام مشرف أو مشرفة الإدارة المدرسية والتخطيط المدرسي في آنٍ واحد بزيارة المدرسة، للوقوف عن كثب على مدى جدوى أو إمكانية فتح فصول أو نقلها إلى مدارس أخرى، ويكون اعتماد النقل الجماعي من قِبل مدير إدارة التعليم.

ولتنظيم عملية النقل الجماعي فإن الإدارة المدرسية تقوم بفرز الملفات حسب المجمعات السكنية المتفق عليها بعد الدراسة الدقيقة، والتأكد من صحة الأوراق الثبوتية، وإعداد التقارير اللازمة بأسماء الطلاب والطالبات، ملتزمين في ذلك كله بمفهوم المساواة، تأكيداً لمبدأ تكافؤ الفرص التعليمية، والذي يعد حقاً أصيلاً من حقوق الطالب، ويستثنى من عملية النقل الجماعي - بشرط موافقة ولي الأمر - الحالات التالية: الطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة، والطالب الذي له أخ بالمدرسة.

وعلى الجانب الآخر فإن الحلول بعيدة المدى، يمكن حصرها في الآتي:

1 - زيادة حصة التعليم من الميزانية العامة للدولة، ودعم ميزانية وزارة التربية والتعليم خاصة بند «الأبنية التعليمية أو المدرسية».

2 - اللجوء إلى البناء العمودي عند تصميم وإنشاء المدارس، بحيث يكون المبنى المدرسي متعدد الطوابق.

3 - مساهمة القطاع الخاص أو رجال الأعمال في إجراء عمليات التطوير والتوسعة الأفقية والعمودية للأبنية المدرسية وكذا القاعات الدراسية، انطلاقاً من المسئولية المجتمعية تجاه التعليم.

من كل ما سبق نستطيع القول بأن معالجة الكثافة الطلابية ستكون حتماً خطوة مهمة على طريق إصلاح مسيرة التعليم في هذا البلد العزيز.

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 2973 - الثلثاء 26 أكتوبر 2010م الموافق 18 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:11 م

      أمينة الفردان

      استاذ فاضل ..
      تسليط الضوء على هكذا ملفات مهملة جميل جدا ..
      أتمنى أن تأخذ وزارة التربية الموقرة ما تطرقت له بعين الإعتبار عند صياغتها لخططها المقبلة ..
      بإنتظار جديدك ..

اقرأ ايضاً