لا أحد يختلف أو يعارض بأن عدم الإفراط في الاستهلاك في كل شيء يقلل من نسب التلوث بشكل عام، والترشيد تنص عليه كتب السماء وتبين حرمة الإسراف، ولاسيما القرآن الكريم في قوله تعالى «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» (الأعراف: 31). ولا أحد يمانع أو لا يتفق بأن التقنين في إنشاء وتشييد المصانع يقلل من نسبة التلوث، وبالتالي يزيد من نظافة البيئة.
من هذا المنطلق نستطيع القول بأن عمليتي الترشيد والتقنين مسئولية جماعية، فلا يجوز أن لا نسمح لغيرنا، في حين نسمح لأنفسنا بالاستهلاك المفرط في الغذاء والكماليات وغيرهما، ويجب أن نتخذ مقولة «لا إفراط ولا تفريط» بشكل عملي في تصرفاتنا اليومية ونغرسها في ثقافتنا، وذلك بتخفيف الاستهلاك وبشكل معقول في كل حاجاتنا المتكررة، لا أن نطبخ طعاماً متنوعاً فوق معدل عدد الأسرة ونقذف بالفضلات الزائدة في القمامة، فبدلاً من أن نرميه نستغله ليوم آخر بحفظه جيداً بالثلاجة أو التكرم به على من يحتاجه من الجيران والأهل، أو بالتواصل والاتفاق، مع مربي الحيوانات لتقديمه غذاء لها، ليقلل من نسبة الضغط على أماكن تجميع النفايات من جهة، واستغلاله لطعام الحيوانات التي تعود بالنفع على الإنسان والنبات من جهة أخرى.
لا ينبغي أيضاً أن نغرق بيئتنا بشراء الأشياء المستهلكة يومياً أو دورياً ونرميها في «النفايات» مثل أكياس النايلون التي تأخذ عليها ضريبة في الدول الأوروبية ما يضطر المشتري جلب معه كيس مصنوع من الخيوط غير قابلة للتحلل، في كل مرة يذهب للتسوق، ويا ليت أن تحذو بلدنا حذو هذه الطريقة الصديقة للبيئة.
أيضاً بدلاً من استخدام الأواني البلاستيكية والزجاجيات، نستخدم المصنوعة من الخزف التي تستخدم بشكل مستمر أو معدات غير قابلة للكسر، بالإضافة إلى عدم إغراق بيوتنا بالكماليات، فبدلاً من استخدام أربعة تليفونات لكل فرد، نستخدم تليفوناً واحداً، وبدلاً من 4 تلفزيونات أو أكثر في بعض المنازل، وأخرى ريسيفرات نستخدم اثنين بالبيت، وبدلاً من أن نهيئ لكل فرد بالبيت كمبيوتراً شخصياً أو بلايستيشن وملحقاتهما، نكتفي بكمبيوترين ولعبة واحدة فقط بالبيت الواحد.
قد أتفق مع الصعوبة بمكان تلبية هذه المقترحات، في ظل مواكبة العلم المتطور بشكل مطرد أو ما تعرف بالعولمة، ولكن كل شيء ممكن إذا ما تغيرت ثقافتنا وتسلحنا بالدين الذي يعتبر عدم الإسراف عبادة ويثاب عليها المسلم، وسمعنا بالنصائح التي تعود بالنفع العام علينا وعلى أبنائنا، لأن هذا التضخم في الشراء والاستخدام، لا ينفعنا بل يضرنا صحياً ومعيشياً واقتصادياً من حيث لا نشعر، فلنبدأ بداية صحيحة، ولاسيما إذا ما استشعرنا وهيأنا أنفسنا لثقافة الاهتمام بالبيئة بأنها مسئولية جماعية لتعم الصحة على الجميع.
لو انتقلنا إلى ترشيد إنشاء وتشييد المصانع الذي نعتبرها المشكلة العظمى للتلوث في جميع البلدان وليس بمملكتنا فقط، ما يهمنا وما نصبوا إليه في هذا المقال هو تركيزنا على بلدنا ومجتمعنا الذي ننتمي إليه وبصفتنا ناشطين بيئيين، ندعو المسئولين إلى التقليل من المصانع غير الصديقة للبيئة، لأن أضرارها تزيد من خطر الموت المحتوم على كل إنسان، ونستطيع القول، بزيادتها بهذه الطريقة تؤول إلى زيادة عدد الموتى بشكل أسرع وأخطر، وهذا رأي كل العلماء والخبراء والاختصاصيين بشتى أنواعهم، فلماذا ندفع بأنفسنا نحو الموت في حين أن غريزة الإنسان وسلوكه يصارع من أجل البقاء.
لا نعارض التطور واستخدام التكنولوجيا لرقي المجتمعات، معارضتنا تبزغ وتنمو في الحث على عدم التفريط كما ذكرنا سلفاً، ونريد أن يعيش وطننا ومواطنينا تحت بيئة صحية سليمة، وفي أمن وأمان.
نشحذ عقولنا، ونحشد من كتاباتنا بهدف المصلحة العامة التي هي أصلاً من واجبنا، والتصعيد المتنامي أو التكرار من قبلنا لإثارة الانتباه نحو بيئة وطننا، بسبب شغفنا وحبنا لأهل هذا البلد العزيز على قلوبنا.
لو بيدي حتى ولو في الحلم، لرفعت النخيل عالياً بعد أن أشبعها غرساً، وكسوت الأرض شجراً واخضراراً بالنباتات الزاهية والمتنوعة وصيرت مملكتنا واحة خضراء، واقتلعت السحب السوداء المنتشرة في سمائنا من المصانع وحولتها إلى سحب وغيوم زرقاء تعم فضاء البلاد، لكي تمطرنا السماء ماءً صافياً لنتذكر بها الأمطار العذبة الماضية، ما حدا بالناس في الماضي أن تتهافت في تجميعه في أواني خاصة كلما أمطرت السماء، وحفظه للشرب بسبب عذوبته ونقاوته وخلوه من أي ملوثات جوية تعكر صفوه.
بالتركيز على تشييد المصانع، نلاحظ أنها، بدأت تنتشر حول أرجاء المملكة بشكل عشوائي ومخيف، وصار علينا لزاماً من التحذير لما لاقيناه من مساوئ وتهديد قاذفاتها السامة تجاه البيئة، وظهرت نتائجها بزيادة المجازفة بصحة الإنسان والمجتمع حتى وصلت آثارها إلى أهم موارد البيئة (الماء) الذي يعتبر أساس الحياة في قوله تعالى في محكم كتابه العزيز «وجعلنا من الماء كل شيء حي» (الأنبياء: 30).
من حق المواطن المخلص أن يدافع عن أي مؤشر يهدد حياة الناس، فنرفع لأصحاب القرار شعار المجتمع «أوقفوا أو قننوا المصانع الكيميائية الفتاكة»، مع علمنا ويقيننا التامّين بأن الهيئة العامة لحماية البيئة والحياة الفطرية والثروة البحرية متمثلة في مديرها العام، وإدارتي التقويم والرقابة البيئية لا يألون جهداً في هذا المجال، ولم تعط إدارة التقويم أي ترخيص لهذه المصانع إلا ضمن شروط ومعايير دقيقة ومحددة تتحقق فيها كل معطيات التنمية المستدامة، إلا أن هناك من المستثمرين من يتحايل على القانون في معطياته التقريرية والدراسية للمشروع، وهذا التلاعب موجود في جميع الدول وفي شتى المجالات خاصة إذا كان المستثمر (صاحب المشروع) هدفه الربح الوفير، وبعيداً عن مصلحة البلاد والعباد.
إقرأ أيضا لـ " أحمد العنيسي"العدد 2972 - الإثنين 25 أكتوبر 2010م الموافق 17 ذي القعدة 1431هـ
المصانع هي السبب
يا دكتور تتكلم عن البيئة وانت تعرف ما هي مشاكل البيئة في البحرين ... المشاكل نوعان اولهما ان التلوث من اصحاب النفوس المريضة من امثال المنافقين وانت تعرفهم يا دكتور وربما هم الذين ذكرة او تعني بالبيوت (السواد) والمصانع التي ينشأها هنا وهناك (هناك) والمصانع التي تتكاثر حول مدينة سترة ... كما ارجو منك كتابة موضوع بخصوص التلوث الموجود عندنا بالنادي وشكرا
ستراوي مخلص
في الصميم
يا ريت تتغير ثقافتنا بس ما اعتقد لان دول العالم الثالث متعودين على التبذير.
ستراوي
مشكور على التنبيه
وين اللي يسمع ، ويهتم بامور البيئة