في حديثه الصحافي قبل يومين، كشف الرئيس التنفيذي لشركة البحرين للاتصالات (بتلكو) بيتر كالياروبولوس عن الرغبة في شراء حصة تبلغ نحو 25 في المئة من شركة الاتصالات «زين السعودية»، مستدركاً، بأن تنفيذ القرار رهن «بالقيمة المناسبة لحصة الشركة التي سيتم طلبها عند طرحها للبيع».
وعرج كالياروبولوس على الكثير من القضايا التفصيلية الخاصة بإستراتيجية «بتلكو» في السنوات المقبلة، ومن بينها قوله «نتوقع أن يرتفع النمو في الإنترنت اللاسلكي، وهذا هو السبب الذي جعل الشركة تستثمر أكثر في شبكة الهاتف الجوال لتقديم سرعة كبيرة إلى الناس في اللاسلكي والهاتف النقال». وعند سؤاله عن احتمال لجوء «بتلكو» إلى سياسة «الاستحواذ (Acquiring)» على شركات أخرى تستكمل بها الخدمات التي تطمح الشركة توفيرها للأسواق التي تنشط بها، كان رده، «لانزال نبحث عن فرص كبيرة، وهناك العديد من الشركات الصغيرة التي يمكن تملكها، ولكننا لا نرغب في الوقت الحاضر في هذه الشركات، وإنما نبحث عن أهداف كبيرة، وهناك القليل منها، وإنها تأخذ وقتاً».
تعكس تصريحات كالياروبولوس بعضاً من التوجهات الجديدة التي تحاول «بتلكو» من خلالها التحول ولو بشكل تدريجي، قد يبدو بطيئاً لكنه مهماً، من شركة اتصالات لاسلكية تقليدية (Telecommunications) مهمتها تزويد زبائنها بخطوط هاتف أو قنوات اتصال، ربما تكون كفوءة في أدائها التقني، لكنها فقيرة في الخدمات المرافقة لها، إلى شركة معاصرة (Communications)، تركز على الخدمات المتطورة، دون التفريط في كفاءة قنوات الاتصال التي تزودها. وأول خطوة على طريق هذا التحول، هي تلك الإشارة التي وردت في حديث كالياروبولوس، بشأن «الاستحواذ»، لكونها تعبر عن سياسة تكاملية جديدة، تقوم على التعاون مع الآخرين، مهما كانت أحجامهم، بدلاً من نفيهم، أو تجاوزهم. فكرة كالياروبولوس الصحيحة تصدم بمجموعة من العقبات الذاتية الخاصة بشركة «بتلكو»، وموضوعية تتعلق بالأوضاع التي تتحكم في السوق البحرينية.
فعلى المستوى الذاتي، ستكون أول العقبات وأكثرها صعوبة التي سيواجهها كالياروبولوس هي الذهنية الساكنة التي تتحكم في الطاقم الإداري الذي لايزال يضع سياسات الشركة ويسيّرها. هذا الطاقم يعاني من مرضين أساسيين، أولهما هيمنة السلوك الاحتكاري على كل تصرفاته، سواء عند إقرار الإستراتيجيات، أو في سياق تنفيذها. وهو سلوك غرسته في نفوس ذلك الطاقم الإداري، مرحلة الاحتكار التي نعمت بها «بتلكو» لما يزيد على ربع قرن، منذ تأسيسها، حتى تحرير سوق الاتصالات البحرينية في مطلع هذا القرن. وثانيهما هي «جدة» مفهوم الاستحواذ في أسواق تقليدية مثل السوق البحرينية.
أما على المستوى الموضوعي، والمتعلق بالسوق، فربما تكون العقبة الكأداء التي سيصدم بها كالياروبولوس هي، إلى جانب صغر سوق البحرين وتواضع آفاق نموه مقارنة بالأسواق المحيطة، العلاقة مع هيئة تنظيم سوق الاتصالات البحرينية، التي في خضم رغبتها في تشجيع دخول شركات اتصالات جديدة للسوق، قد تضطر إلى ممارسة بعض الضغوط على «بتلكو»، رغبة في إثبات عدم انحيازها لها، أو لإعطاء تلك الشركات الجديدة، بعض المحفزات لدخول هذه السوق.
وإذا ما نجح كالياروبولوس، وهذا ما نتمناه لما له من انعكاسات إيجابية على الخدمات المتوفرة ولصالح المستخدم، في تجاوز تلك العقبات، وإذا ما ركزنا على ما جاء في حديثه بشأن عدم الرغبة - في هذه المرحلة - في «الاستحواذ» على الشركات الصغيرة، والتي نطمح أن يكون المقصود بالحديث هنا المحلية، وليست العالمية، أو حتى الإقليمية، فإننا نرى أن اتجاه الاستحواذ في الأسواق النامية يتمحور حول الشركات الصغيرة وليس العكس، لكن هذه السياسة، في حال إقرارها، بحاجة إلى دراسة سوقية متكاملة تركز على القضايا التالية:
1. المقارنة العلمية حول جدوى الاستحواذ على الشركات الكبيرة، بدلاً من الصغيرة، وهنا نأمل أن توازن «بتلكو» بين المصلحة الذاتية الضيقة الأفق القصيرة المدى، وبين تلك الواسعة الأفق البعيدة النظر التي ترى السوق البحرينية من زاويتها الشرق أوسطية الكبيرة، وليست البحرينية المحدودة، وخاصة أن عنصر المخاطرة في الاستحواذ على الشركات الصغيرة، وكما يقول العديد من الدراسات الحديثة، أقل بكثير مقارنة بتلك الكبيرة.
2. واقع سوق الاتصالات والخدمات التي يحتاجها، والحديث عن الخدمات ينبغي أن يتجاوز تلك التقليدية التي تنحصر في تزويد الزبون بخطوط اتصالات متعددة غير متكاملة مع بعضها البعض، إلى قناة اتصال واحدة تتفرع منها الخدمات جميعاً، وقادرة على التخاطب مع الأجهزة المختلفة التي بحوزة ذلك المستخدم، الذي يفترض أن يستمتع، ومن خلال قناته الوحيدة، والتي هي «ماسورة» الاتصال التي تربطه بالخدمات المختلفة التي يمكن أن توفرها «بتلكو»، بكل تلك الخدمات، بغض النظر عن طبيعتها أو الأجهزة المستخدمة من أجل الحصول عليها.
3. جدوى البدء بالاستحواذ على شركات صغيرة محلية مختارة تتكامل الخدمات التي تقدمها والمنتجات التي بحوزتها مع تلك التي تحتاجها السوق البحرينية، وغير متوفرة، حالياً عن طريق «بتلكو». إذ يفترض هنا أن تكفّ «بتلكو» عن ممارسة الدور الاحتكاري القائم على القدرة على القيام بكل شيء، وعدم الحاجة للتنسيق أو التعاون مع أي طرف آخر، إلى الحرص على التفتيش على المزيد من الحلفاء، وتوسيع نطاق دائرة التعاون معهم، إلى أن تصل علاقة التعاون هذه إلى درجة «الاستحواذ».
لا شك أن خطوة بيتر كالياروبولوس سليمة، وتأتي في الوقت الصحيح، لكننا نأمل أيضاً أنها تسلك الطريق التي تمد خدمات الاتصالات التي توفرها «بتلكو» الشركة بمقومات الصمود في وجه منافسيها، وتزودها بعناصر النمو والتطور التي تحتاجهما للتفوق على الآخرين في سوق شرق أوسطية شديدة التنافس
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2970 - السبت 23 أكتوبر 2010م الموافق 15 ذي القعدة 1431هـ
يا بتلكو
خفضوا الاسعار وحسنوا الخدمة