تتوالى الهجمة العنصريّة الصهيونيّة على الشعب الفلسطيني، حيث يسقط المزيد من الشهداء في الغارات الصهيونيّة المتكرّرة على قطاع غزّة، وحيث يعمد العدوّ إلى اعتقال طفل دهسه مستوطن فور خروجه من المستشفى، وبعد إطلاق سراح المجرم، في عملية محاكمة عنصرية يُبرَّأ فيها القاتل، ويعاقب فيها الضحيّة.
وإلى جانب ذلك، تجري مصلحة السجون في كيان العدوّ، تدريبات طوارئ حول التصدّي التنظيمي لاستيعاب أعداد كبيرة من المعتقلين العرب، عندما تقرّر حكومة العدوّ ترحيلهم من الأراضي المحتلة في العام 1948، ضمن عملية ترحيل محتملة...
أمَّا القدس المحتلة، فقد دخلت في دائرة الخطر التهديدي الأكبر الذي يستهدفها في المناطق المتاخمة للمسجد الأقصى، حيث يتحضَّر العدو لإزالة حيّ البستان، في سياق مخطط يستهدف الاستيلاء الكامل على بلدة سلوان...
وفي غضون ذلك، يأتي مبعوثٌ دوليّ إلى الضفّة الغربية ويذهب آخر، فما أن يودّع فلسطينيّو السلطة «ميتشل»، حتى يأتي «طوني بلير»، ولا شغل لهؤلاء إلا الضغط على الفلسطينيين، حتى تعود طاحونة المفاوضات المباشرة إلى سابق عهدها، وليأخذ الاستيطان والتهويد شرعيّةً جديدةً تحت مظلّة المفاوضات، ولتدخل فلسطين في دوّامة الاغتصاب النهائي الممهور بتوقيع من يعتبرونهم أصحاب الشأن، ومن ورائهم عرب الأنظمة، في ظلِّ عملية تهوين خطيرة يمارسها البعض حيال تصوّراته الذاتية لمسألة يهوديّة الكيان، واستعداده لتقديم فلسطين التاريخيّة على طبق من ذهب إلى الصهاينة الغاصبين.
إنّ الخطورة تكمن في أنّ ذلك كلّه يحصل في ظلّ محاولات جارية لإلغاء الذاكرة أو كيّها لمصلحة العدو، حتى تتناسى الشعوب العربية والإسلامية أنّ المشكلة في المنطقة كلّها بدأت مع إنشاء الكيان الصهيوني واغتصاب فلسطين، وحتى يستمرّ الحديث عن سلاح المقاومة، وعن إيران وعن سورية، من دون أن يسأل أحد عن السبب في وجود هذا السلاح أو وجود المقاومة ودعمها، أو أن يشير إلى الاحتلال الذي هو مصيبة المصائب ومأساة المآسي.
أمَّا الأمين العام للأمم المتحدة، فقد خرج مجدَّداً عن طوره، وقدَّم للشعوب العربية والإسلامية صورةً عن مسئول دوليٍّ لا يتصرَّف وفق ميثاق المنظمة الدولية، فهو لا يرى في الاستيطان «ظاهرةً خطيرةً»، ولكنَّه يرى في المقاومة هذه الظاهرة، وهو لا يعتبر أنَّ الاحتلال هو المشكلة، بل يرى أنَّ المشكلة تكمن فيمن يستعدُّ لردع عدوان هذا الاحتلال، ولذلك فهو يكرِّر في تقريره الجديد حديث المسئولين الصهاينة عن «الترسانة العسكرية الكبيرة» للمقاومة، والتي يزعم أنّها «تخلق مناخاً من التخويف، وتمثّل تحدياً أساسياً لسلامة المدنيين اللبنانيين»، كما قال، من دون أن يرى في ترسانة الأسلحة الصهيونية النوويّة، وكذلك في طائرات العدوّ التي تنتهك السيادة اللبنانية يوميّاً، خطراً محدقاً باللبنانيين وبسلامهم وأمنهم، وكأنّه يُراد من هذا التحريض الدولي على المقاومة، هو بمثابة مضبطة اتهام أخرى تُضاف إلى المحاكم الدولية، حتى يأخذ العدو شرعيّةً دوليّةً في أيِّ عدوان جديد على لبنان، أو تبرير كل الخطط في مواجهتها وإسقاطها...
إنّ على اللبنانيين أن يدركوا حجم الخطورة في هذا الخطاب الدولي الذي يلبس لبوس الحرص على لبنان، ولكنّه يُقدّم أوراق الاعتماد الدولية لعدوان صهيوني قد يحصل عندما يشعر العدو بأنّ هناك تراخياً قد حصل في الساحة الداخلية، أو أنّ هذه الساحة قد سقطت في فخّ الفتنة القاتلة، ويساهم في إضعاف موقع من مواقع قوة اللبنانيين، لمن يفكر بأن قوة لبنان في قوته لا في ضعفه.
كما أنّ على اللبنانيين أن يستشعروا الخطر في زيارات المسئولين الأميركيين للبنان، وآخرها زيارة «فيلتمان» التي مثّلت عدواناً غير مباشر على وحدتهم الداخلية، من حيث إنّها عملت على تطويق المساعي السورية والسعودية لوأد الفتنة في لبنان، ولأنّها تسعى لصبّ الزيت على النار في الخطاب السياسي الانفعالي الذي أُريد له أن يلتفَّ على كلِّ مساعي الخير، ومحاولات توحيد رؤية اللبنانيين حيال ما يُحاك لهم جميعاً على مستوى اللعبة الدولية، ومن خلال العناوين التي تتصل بالقضاء الدولي.
إننا في الوقت الذي نحذّر من خطورة استجابة بعض اللبنانيين لمطالب الإدارة الأميركية التي أثبتت أنّها ليست حريصةً على حقوق الفلسطينيين ولا على سيادة لبنان، وأنّها لا تنظر إلى المنطقة إلا من زاوية مصالحها، والأمن الصهيوني في المقدمة... فإننا نرى في الحركة السورية - السعودية، نافذة أمل حقيقية لتجاوز الوضع الصعب الذي يعيشه البلد، وخصوصاً القلق الذي يساور اللبنانيين حيال المخططات الدولية الساعية لإثارة الفتنة.
ولذلك، فإننا ندعو الأطراف الداخليين إلى ملاقاة هذه الحركة (السورية - السعودية) لتجنيب البلد أية توترات أو انقسامات حادّة، كما ندعو الأطراف الإقليمية المعنيّة بالوضع اللبناني، إلى دعم هذه الحركة، وعدم وضع العصيّ في دواليبها نزولاً عند الرغبة الأميركية، التي تريد أن يبقى لبنان ورقة في حسابات التسوية التي تجري في المنطقة، سواء في فلسطين أو العراق أو أفغانستان.
وفي المقابل، فإننا نريد للحكومة اللبنانية أن تتحمّل مسئوليّاتها الاجتماعية إلى جانب المسئولية السياسية الملقاة على عاتقها، وألا تتحوّل إلى شاهد زور حيال ما يجري من اختطاف للقمة عيش الفقراء، ومن إنهاءٍ للطّبقة الوسطى، في عمليات التجويع الحاصلة، من خلال رفع أسعار السّلع الضرورية، بعد رفع سعر ربطة الخبز بطريقة غير مباشرة، إلى جانب البنزين الذي يمثّل مادّةً مشتعلةً في القضايا الاجتماعية، والمازوت الذي تتوالى أسعاره في الارتفاع على أبواب موسم الأمطار والبرودة.
أيّها المسئولون.. لا تُدخلوا البلد في الفتنة لتحرقوه في أتون الجوع، ولا تديروا ظهركم للمشكلة الاجتماعية والاقتصادية، فيدفع الناس فاتورة الفشل السياسي والاجتماعي أيضاً...
أيّها المعنيّون: إنّ عليكم أن لا تراهنوا على طيبة هذا الشعب عندما تلهونه عن قضاياه المعيشية ببعض الوعود، أو بإثارة الخوف من هذا الموقع أو ذاك، وهذه الطائفة أو تلك، وهذا المذهب أو ذاك، فهذا الشعب الطيب قد لا يكون كذلك عندما يرى الأب أولاده يعانون جوعاً وحرماناً، فيما أولاد المسئولين يعيشون ترفاً وطغياناً في المال، أو عندما لا يجد لهم مدرسة أو مكاناً ينامون فيه، فيما الآخرون - هم وأولادهم - يتنقلون في بقاع العالم للاستجمام والراحة، أو في الجامعات العالية والمدارس المرفّهة!! لذلك، إن عليكم أن تتحمّلوا المسئولية قبل أن يلفظكم الحاضر وتحاصركم محكمة التاريخ، وترجمكم الأجيال الحاضرة والمتعاقبة.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد حسين فضل الله"العدد 2969 - الجمعة 22 أكتوبر 2010م الموافق 14 ذي القعدة 1431هـ