خلال السنتين من عمر التجربة النيابية في السبعينيات ، تبدو المقاربة التاريخية للدور الذي اضطلعت به «الكتلة الدينية» - كما كان يطلق عليها في سبعينات القرن الماضي - في الحياة السياسية والوطنية مطلباً ملحاً في ضوء سيرورة تفاعلات الحركة الإسلامية في البحرين، وإعادة التأمل في التمظهرات والعناوين والظواهر التي مثلت الحالة وعبرت عنها، فالكتلة كانت تعبر عن أشواق منتخبيها، وكان ثمة اعتقاد يشابه «العقيدة» بأن الكتلة الدينية، كانت لا تمثل مصالح الناس أو الناخب فحسب، بل كانت تعبر عن الضمير النظيف للناخب (المؤمنين)، والصوت الذي سيصون الإسلام من الانحرافات والأفكار الإلحادية التي كانت تهدد «الأصالة الدينية» لمجتمع هو في طور تشكل هويته السياسية التي، ومن الآن، يجب توفر ضمانات دستورية لتأكيد البعد الديني فيها.
وإذا كانت بداية الأحزاب الشيعية تتزامن مع بداية التجربة البرلمانية في البحرين (كما تشير الى ذلك منيرة فخرو في كتابها «المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في البحرين» ص 97)، فإن الكشف عن دور الكتلة الدينية وإماطة اللثام عن أدائها في البرلمان سيساهم من دون شك في إجلاء ما يمكن أن يشكل إضافة حقيقية لفهم واستيعاب مسار الحركة الإسلامية في البحرين.
بعد استقلالها في 1971 نهضت البلاد بعبء استكمال عناصر ومقومات الدولة الحديثة فأسست المجلس التأسيسي المنتخب الذي كانت مهمته الأساسية منحصرة بمطلب كتابة دستور دائم للبلاد (1972 - 1973)، ثم تم تأسيس المجلس الوطني المنتخب في 1973 والذي قدر له أن يعيش لغاية 1975م، مدوناً في سجل تاريخ البلاد نقطة ضوء فاقعة اللمعان إلى الحدّ الذي يعشي النظر ويضاعف من شدة الإحساس بالتأثر والافتجاع المزمن لوفاة التجربة وهي في المهد ما دفع بالمرحوم الشيخ سليمان المدني ذات يوم إلى أن يصفها بأنها كانت كـ «ثوبٍ فصّل على أكبر من قامة الجزيرة».
لقد مثل الاستقلال حجر الأساس للتطوير السياسي والإداري في بناء الدولة الحديثة في البحرين، ففي 16 ديسمبر/ كانون الأول 1971م، وبمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني لدولة البحرين، أعلن أمير دولة البحرين المغفور له بإذن الله تعالى صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، في بيان للشعب عن رغبة حكومته بتكليف مجلس الوزراء بوضع «مشروع دستور حديث متطور للبلاد» يكفل تطبيق المبادئ الديمقراطية السليمة. وتنفيذاً لهذا البيان فقد استقدمت الدولة الخبير الدستوري المصري الدكتور عثمان خليل عثمان ليسهم في وضع مسودة مشروع دستور دولة البحرين، طبقا لأصول وقواعد القانون الدستوري. وكان عثمان يعمل في الكويت، وقد ساهم في وضع الدستور الكويتي، وكان يعمل خبيراً دستورياً لمجلس الأمة الكويتي. وقامت الحكومة بتشكيل لجنة وزارية من اربع وزراء لمساعدة الخبير، وللاشتراك معه في اعداد مسودة المشروع، التي عرضت على المجلس التأسيسي لتولي مهمة الاعداد الرسمي للدستور. وقد تألفت اللجنة الوزارية من الشيخ محمد بن مبارك ال خليفة، السيد جواد سالم العريض، الدكتور علي محمد فخرو، الدكتور حسين محمد البحارنة (انظر كتاب «التجربة البرلمانية الاولى في البحرين» للدكتورة ريا يوسف حمزة).
وبعد عدة اجتماعات دامت بضعة شهور أعدت اللجنة الوزارية مسودة دستور للبلاد وأوصت مجلس الوزراء بوضع خطة زمنية لدارسة مشروع الدستور من قبل المجلس المذكور ثم عرضه على المجلس التأسيسي لمناقشته وإقراره. وعلى ضوء هذه التوصية أصدر الأمير المرسوم بقانون رقم (12) لسنة 1972م بشأن إنشاء مجلس تأسيسي لإعداد دستور للدولة، والمرسوم بقانون رقم (13) لسنة 1972م بشأن أحكام الانتخاب للمجلس التأسيسي.
كما أن المرسوم بقانون رقم (12) لسنة 1972م الصادر في 20 يونيو/ حزيران 1972م، نصت المادة الأولى منه على: «ينشأ مجلس تأسيسي لوضع مشروع دستور للبلاد، ويتألف من اثنين وعشرين عضواً ينتخبهم الشعب بطريق الانتخاب العام السري المباشر، ومن عدد لا يزيد عن عشرة أعضاء يعينون بمرسوم، ويكون الوزراء أعضاءً في المجلس بحكم مناصبهم».
أما المرسوم بقانون رقم (13) لسنة 1972م والصادر في 16 يوليو/ تموز 1972م، فيتعلق بتنظيم أحكام الانتخاب للمجلس، وجاء في المادة (8) منه بإجراء الانتخابات العامة للمجلس التأسيسي يوم الجمعة الأول من ديسمبر 1972م. وفي اليوم المحدد للانتخابات، انتخب شعب البحرين 22 عضواً للمجلس التأسيسي، وفي يوم 9 ديسمبر 1972م، أصدر الأمير مرسومين، الأول يقضي بتعيين ثمانية أشخاص كأعضاء في المجلس التأسيسي، بالإضافة للأعضاء المنتخبين والثاني يدعو المجلس التأسيسي (المكون من 22 عضواً و8 أعضاء معينين، و12 وزيراً بحكم مناصبهم) للانعقاد يوم 16 ديسمبر 1972م ، وذلك بمناسبة العيد الوطني للبحرين، وافتتح الأمير الجلسة الأولى للمجلس بكلمة سامية، وبعدها باشر المجلس أعماله منذ ذلك اليوم في مناقشة أحكام مشروع الدستور الذي قدمته الحكومة لأعضاء المجلس التأسيسي لإقراره بعد إدخال التعديلات الضرورية عليه.
وحددت مدة المجلس المذكور لإقرار مواد الدستور بستة شهور ابتداءً من تاريخ أول جلسة في 16 ديسمبر 1972م. وانتهى بالفعل المجلس التأسيسي من مراجعة وتعديل مشروع الدستور، مادةً مادةً، في 26 مايو/ أيار 1973م، وقد تليت مواد الدستور المقترحة بعد التعديلات عليها في جلسة خاصة في 2 يونيو 1973م. وكانت آخر جلسة للمجلس – الجلسة الختامية - بتاريخ 9 يونيو 1973م. وعقد المجلس التأسيسي 45 جلسة، منها 9 جلسات سرية لمناقشة اللائحة الداخلية للمجلس.
وكان يحضر جلسات المجلس التأسيسي كبار ضيوف الدولة، ففي جلسة 10 فبراير/ شباط 1973 حضر الجلسة الإمام السيدموسى الصدر ووزير خارجية الجمهورية الهندية سر دار سواران سيسنج.
لقد سلكت البحرين مسلك الكويت في إعداد دستور دائم للبلاد، فالدستور البحريني في نصوصه مستقى من الدستور الكويتي، فهو مطابق له ومشابه من حيث الأحكام والمواد والصياغة الحرفية، مع فوارق طفيفة لا تكاد تذكر، ويرجع ذلك إلى أن حكومة البحرين استعانت بالدستور الكويتي والاستهداء بمبادئه، وطلب مشورة خبرائه وما ينتج عنه وأعقبه من صدور مذكرة تفسيرية ووقائع تطبيقية أفرزتها الممارسة العملية في التطبيق أعانت على تنظيم الصياغة وإقرار الأحكام وسهلت للحكومة الطريق للبحث والدراسة والنقاش.
ويصف المرحوم الشيخ سليمان المدني - الذي كان له دور كبير في التأثير على نشاط الكتلة الدينية في المجلس التأسيسي والوطني – دور الكتلة بقوله: «على رغم أن ممثلي التيار الإسلامي في المجلس التأسيسي كانوا بالمقياس العددي قلةّ، إلا أنهم استطاعوا التأثير بقوة في صياغة الدستور، وخصوصاً فيما يتعلق باسم الدولة وهويتها وفي ربط الاقتصاد والعدالة الاجتماعية بالإسلام، وإصرارهم على إطلاق صيغة العدالة الإسلامية بدلاً من جعل المواد مطاطة كما كانت في المسّودة بعنوان العدالة الاجتماعية، وعلى رغم تكاتف اليساريين والعلمانيين مع الوزراء في الدفاع المستميت ضد تلك المسودة، إلا النضال والجهاد الذي خاضه أفراد التيار الإسلامي أحدث إيجابيات كبيرة على الدستور، وكانت للشهيد عبدالله المدني أدوار مشهودة في هذا الصدد». (من لقاء خاص مع كاتب السطور في 19 سبتمبر/ أيلول 2002).
وحدث منذ أولى جلسات المجلس التأسيسي نقاش محتدم بشأن هوية البلاد دستورياً، وتحت إصرار الكتلة الدينية على توصيف الدولة بأنها «إسلامية» وتنصيص ذلك في الدستور وجدت بقية الأطراف في المجلس إرجاء النقاش في هذا الأمر إلى الجلسة الختامية للمجلس، وفي دوامة النقاش بدا الشيخ عبدالله المدني والشيخ عيسى قاسم مصرين وبشدة على «إسلامية الدولة» حتى قال الأخير: «إن هذا المطلب لا تنازل عنه، ولن يسكتني عنه إلا الرصاص». (من لقاء خاص مع المرحوم حسن المتوج في 21 فبراير 2006م).
بعد إنجاز عملية إعداد دستور البلاد، وتنفيذاً لما جاء في الدستور، وإدراكاً من القيادة السياسية في البلاد بأن إنشاء مجلس وطني، هو من المطالب الشعبية الملحة التي وعدت بتنفيذها، أصدر سمو الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة في 11 يوليو/ تموز 1973م مرسوماً بشأن أحكام الانتخاب للمجلس الوطني، وجاء في المادة الأولى من هذا المرسوم: «يتألف المجلس الوطني من ثلاثين عضواً، ينتخبهم الشعب بطريق الانتخاب العام السري المباشر، ويكون الوزراء أعضاءً في المجلس الوطني بحكم مناصبهم».
ويعتبر يوم الأحد السادس عشر من ديسمبر العام 1973م، هو البداية التاريخية لبدء التجربة النيابية في البحرين، حيث عقد المجلس الوطني أول جلسة له في هذا التاريخ، حيث قام الأمير بإلقاء الخطاب الأميري بمناسبة افتتاح المجلس الوطني. بعد ذلك ألقي رئيس الوزراء كلمة شكر، ثم بدأت على أثرها المرحلة الإجرائية، حيث أدى رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة والمجلس الوطني اليمين الدستورية، وذلك تمهيداً لبدء اجتماعات المجلس. وفي يوم الأحد 23 ديسمبر 1973م. عقد المجلس الوطني أولى جلساته العملية. ولم تمر سوى بضعة أسابيع، حتى ظهر واضحاً أن وقائع هذه الجلسات تمر بفترات من الأخذ والرد والشد والجذب. واستمر الأمر على هذا الحال، حتى حان موعد نهاية انعقاد الفصل التشريعي الأول للمجلس الوطني في 30 يونيو/ حزيران 4791م.
وبدأ المجلس الوطني دور الانعقاد العادي الثاني في الفصل التشريعي الأول، وذلك في صباح يوم الأربعاء 22 أكتوبر/ تشرين الأول العام 1974م. وقام أمير البلاد بافتتاح أولى جلسات هذا الدور أيضاً. واستمرت اجتماعات المجلس تشهد قدراً من السخونة التي تصاعدت حدتها تدريجياً حتى صدور المرسوم الأميري في 23 يونيو 1975م، بفض دور الانعقاد الثاني للفصل التشريعي الأول للمجلس الوطني، إلا أنه إزاء الخلافات التي نشبت وتفاقمت بين الحكومة وبعض أعضاء المجلس. وبعد أن وصلت محاولات تسوية هذه الخلافات إلى طريق مسدود، تقدم رئيس الوزراء باستقالة الوزارة إلى أمير البلاد في 24 أغسطس/ آب العام 1975م. وجاء في خطاب الاستقالة: «إن الوزارة أخذت على عاتقها استكمال التشريعات الضرورية اللازمة لمرحلة الاستقلال... ولكن الوزارة لم تجد في المجلس الوطني عوناً لها في ذلك، على رغم محاولاتنا المخلصة التي بذلناها خلال عامين، إذ سادت مناقشاته أفكار غريبة عن مجتمعنا وقيمنا... واتجهت إلى الإثارة والإهاجة والتحريض والمزايدة، وعملت على بث الفرقة وروح الكراهية، غير مقدرة للضرر الذي يعود على الوحدة الوطنية من جراء ذلك». مدفوعاً بادراك ضرورة تجاوز الأزمة سريعاً أصدر أمير البلاد وقتها أمرين متلازمين في اليوم نفسه الذي تقدم فيه رئيس الوزراء باستقالة الحكومة الأولى يقضي بقبول الاستقالة. أما الثاني فيعني بتكليف الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة بتشكيل وزارة جديدة للبلاد. وفي 25 أغسطس 1975م، أرسل رئيس الوزراء إلى أمير البلاد بمقترحات تشكيل الحكومة الجديدة. كما أنه في 26 أغسطس العام 1975م أصدر أمير البلاد مرسوماً أميرياً رقم 13 للعام 1975م. والذي تضمن الأمر بحل المجلس الوطني.
وعلى رغم قصر المدة التي مرت بها تلك التجربة البرلمانية والتي استمرت فصلين تشريعيين أي منذ افتتاحه في 16 ديسمبر 1973حتى نهاية 1975م، أي أنه استوفى نصف المدة المحددة له بأربع سنوات. (من أطروحة دكتوراة بعنوان «الهياكل التنظيمية في مجالس الشورى والوطني والأمة بدول مجلس التعاون» للباحث عبدالناصر محمد جناحي. انظر: الموقع الرسمي لمجلس النواب البحريني: http://www.nuwab.gov.bh).
وجاء قانون أمن الدولة في العام 1974م بكل أبعاده وتداعياته ليخط أسطر الخاتمة للتجربة الديمقراطية الأولى التي عاشها وعاصرها الوطن والمواطنون. فقد كتب القدر لرواية المجلس الوطني نهاية لم تكن في الحسبان. يقول الشيخ سليمان المدني: «عندما حصلت الأزمة بين الحكومة وأعضاء المجلس بسبب قانون أمن الدولة كنتُ قد اقترحت تشكيل لُجنة من أعضاء المجلس الوطني وأخرى حكومية تشكل من الوزراء، ووضعت مشروعاً أعطيته للشهيد عبدالله المدني والشيخ عبدالأمير الجمري ليتم طرحه وعملت أنا أيضاً مع سمو ولي العهد (جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة)، وقد كان في تلك الفترة رئيساً للوزراء بالنيابة بسبب ظروف سفره خارج البلاد، عملتُ معه على تقبل فكرة الالتقاء بين اللجنتين، وكان الشيخ عبدالأمير الجمري والشيخ عبدالله المدني والشيخ عباس الريس هم الذين مثلوا التيار الإسلامي في هذه اللجنة، إلا أن اللجنة لم تتمكن بعد الاجتماع بالوزراء من الوصول إلى تسوية مرضية فقد كان الوزراء في ذلك الوقت متشددين، ما أدى إلى انهيار التجربة النيابية الأولى، والتي كانت قد فُصلت أوسع مما كانت تتحمله البحرين والمنطقة آنذاك». (حسن المتوج، مصدر سابق).
وواجه المجلس منذ بدايته تعثرات جعلت بعض النواب يستشعرون بشكل مبكر المخاطر المحدقة بالتجربة، يقول الشيخ عيسى قاسم في تصريح لصحيفة «السياسة الكويتية» (4 يوليو/ تموز 1975م): «لاشك أن المجلس لم يستطع حتى الآن أن يبلغ غايته كاملة غير منقوصة، لأن رائد المصلحة العامة بعد، لم يأخذ شكل مقياس عام لعمل كل الأعضاء، هذا صادق بالنسبة للأعضاء المنتخبين، كما هو صادق وبنفس القوة والتركيز بالنسبة للحكومة، وإن ارتباط عمل بعض الفئات بطموحات تعادي طموحات هذا الشعب وطموحات الأمة التي منها هذا الشعب يعتبر عائقاً من العوائق الدائمة من دون تحقيق التجربة هدفها الكبير... وإن تأصل روح الاستعلاء في نظر أفراد السلطة التنفيذية، أيضاً يعتبر مشاركاً كبيراً على طريق الإعاقة، لكن أملنا في أن استمرارية التجربة سيحسن هذا الذوق وسيعطيه مقداراً من ملح يحتاجه...».
أعضاء المجلس الوطني كانوا أعلنوا أن الحكومة لم تمنحهم الوقت الكافي لدراسة ومناقشة قانون أمن الدولة. وانفردت الحكومة بإصدار قانون أمن الدولة، فاحتج أعضاء المجلس على الأسلوب الذي خرج به هذا القانون إلى النور، بالإضافة إلى احتجاجهم المسبق على مضمون القانون نفسه. امتنعت الحكومة عن حضور جلسات المجلس. ربما كخطوة تمهيدية لتعلن الحكومة عدم قدرتها على التعاون مع أعضاء المجلس وتقديم الاستقالة (ريا يوسف حمزة: «التجربة البرلمانية الأولى في البحرين المجلس التأسيسي والمجلس الوطني»).
جاء حل المجلس كنتيجة حتمية للخلل في علاقة الطرفين، وليسدل الستار على التجربة الديمقراطية التي عاشتها البلاد، والتي أراد لها الجميع البقاء والاستمرارية، ولكن لاشك في أن العوامل التي خلقتها الظروف، ساهمت في إخفاقها.
لقد كان للكتلة الدينية في البرلمان البحريني دور وثيق الصلة بميكانيزمات الوعي الديني الشعبوي في البحرين، وبمستوى الوعي السياسي الذي كان يتنسمه البحرينيون في تلك البيئة المثقلة بالأحداث والتحولات، حيث كانت البلاد خارجة للتو من استعمار الامبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس والتي كانت «عظمى» في الزمن السالف.
لقد انتشرت في الستينيات النوادي الثقافية والرياضية في القرى الشيعية في البحرين انتشاراً لم يسبق له مثيل، وكانت نشاطات هذه النوادي تشمل، بالإضافة إلى الألعاب الرياضية، صحف الحائط، المسرحيات، التلفزيون، وغيرها من النشاطات الثقافية التي تدعو إلى مشاركة الفتيات. وكان من الواضح أن هذه النشاطات في النوادي كانت تقلِّص من نفوذ رجال الدين والسلطة الدينية. وهكذا، برز في القرى الشيعية وخصوصاً في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، تياران متعارضان: تيار ديني وتيار «تقدمي»، وكان التيار الديني، يدعو إلى التمسك بالتقاليد والأعراف الدينية - وهنا يصعب الفصل بين الدين والدنيا ونبذ البدع ووسائل التفاعل الاجتماعي وخصوصاً تلك التي تستوجب الاختلاط بين الرجال والنساء كالمسرحيات والتجمعات الثقافية والتلفزيون والمدارس المختلطة وغيرها - أما التيار «التقدمي» فكان يدعو إلى تبني «العصرنة» شرط أن تأتي منسجمة مع التراث، وإلى «التجديد» شرط أن «يحافظ على القيم الأساسية لا على القشور»، معتبراً التلفزيون والنوادي والنشاطات المختلفة أموراً بريئة تقرها التقاليد ويؤيدها التراث الحضاري. وتركزت القاعدة الشعبية عند «الدينيين» في التجمعات العائلية والمآتم وفي قطاعات المهن الحرفية وصغار الباعة، كما تركزت عند «التقدميين» في النوادي والجمعيات والمدارس وفي قطاع المثقفين والموظفين وأصحاب المهن.
بعد إعلان الحكم عن إنشاء مجلس تأسيسي ومجلس وطني دُعيَّ إلى انتخابات عامة في البلاد، بدأ هذان التياران يتحولان إلى تكتلات سياسية تنافس بعضها بعضاً على مراكز السلطة والنفوذ. وكما أشرنا إلى ذلك في مكان آخر من هذا الفصل، لم يكن للكتلة الدينية أي تنظيم سياسي واضح قبل الإعلان عن إنشاء المجالس التمثيلية في البلاد. وهكذا بدأ الدينيون، بقيادة قاضي شرع معروف في المحكمة الجعفرية، يجمعون القوى المشتتة وينظّمون وجودها تنظيماً سياسياً، وفي هذا السبيل حاولوا إنشاء جمعية إسلامية في أواخر الستينيات وفشلت المحاولة. غير أنه في العام 1972، أي قبل انتخابات المجلس الوطني بقليل، سمحت وزارة العمل والشئون الاجتماعية بإنشاء هذه الجمعية شرط أن تقتصر عضويتها ونشاطاتها على قرية الدراز دون غيرها من القرى الشيعية، وهكذا كان، فلا عجب إذاً أن نرى الصراع بين «الدينيين» و «التقدميين» على أشده في هذه الدائرة الانتخابية.
صحيح أن «الدينيين» لم يكونوا منظمين في تكتل سياسي قبل الانتخابات، ولكنهم استطاعوا أن ينشئوا هذا التكتل بسرعة وفعالية تثيران الدهشة، ولعل نجاحهم هذا يكمن في التنظيم الديني الموجود سلفاً عند الشيعة، وخلال الانتخابات ما كان على هؤلاء إلا أن ينقلوا تنظيمهم من ميادين التفاعل الديني إلى ميادين التفاعل السياسي. ففعلوا ذلك مسجلين انتصاراً لا يستهان به. وبالفعل كانت الكتلة الدينية عشية الانتخابات أشد تنظيماً من كتلة الشعب التي جمعتها المعارضة وفرقتها التنظيمات المتعددة.
كان رصيد التقدميين في صفوف الناخبين قوياً بسبب تحليهم بالعلم والثقافة والعصرنة والتجاوب الفعال مع الحديث والجديد، فهم رجال عصاميون، بنوا أنفسهم «بعرق الجبين»، بالجد والكد والعمل الدؤوب المتواصل. ولهذا السبب انبرى الدينيون لهم يقارعونهم الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان، فشكلوا لائحة من المتعلمين والمثقفين ممن مارسوا التدريس، كغيرهم من التقدميين، في المدارس الرسمية المختلفة. وقد شملت لائحة الدينيين الطلاب الأربعة الذين كانوا يدرسون الفقه والتعاليم الدينية في النجف، وهذا بحد ذاته إشارة واضحة إلى محاولة «الدينيين» استمالة الناخبين وكسب أصواتهم عن طريق ترشيح «مثقفيهم» كبديل لمثقفي التيار التقدمي.
ألقت الكتلة الدينية بأصواتها إلى تسعة مرشحين فاز جميعهم بالانتخابات، وكان من المتوقع أن يؤلف التسعة كتلة واحدة متماسكة داخل المجلس، ولكن تسرب من الكتلة ثلاثة أشخاص ممن آثروا الانضمام إلى تجمع الوسط المستقل، والمعروف أن هؤلاء الثلاثة كانوا يتمتعون بتأييد شعبي واضح ضمن دوائرهم الانتخابية، وهكذا تشكلت الكتلة الدينية برمتها من الستة الباقين، وعلى رغم معارضة «الدينيين» للمرشحين «التقدميين» أو أعضاء كتلة الشعب، فقد وجدوا أنفسهم داخل المجلس الوطني في حلف غير مكتوب معهم. وهو ما أدى – بحسب الخوري - إلى حلّ البرلمان.
ظهرت الكتلة الدينية في العام 1972 بعد إعلان السلطة البحرينية نيتها إجراء الانتخابات النيابية بعد انتهاء أعمال المجلس التأسيسي العام 1973 ولم يكن للكتلة «أي تنظيم سياسي واضح قبل الإعلان عن إنشاء المجالس التمثيلية في البحرين». (فلاح مديرس: «الحركات والجماعات السياسية في البحرين»، ص 98).
1. الشيخ عيسى أحمد قاسم: وقد فاز بـ 1079 صوتاً عن الدائرة الانتخابية الخامسة عشرة محققاً بذلك أعلى الأصوات يليه مباشرة في الدائرة ذاتها الشيخ الجمري من حيث الحصول على عدد الأصوات الانتخابية. وولد الشيخ عيسى قاسم حوالي 1940 في قرية الدراز لأب سمّاك لا ينتمي إلى أي من العائلات البارزة في القرية، وكانت الدراز وبني جمرة والبديع (وقرى أخرى9 تشكل دائرة انتخابية واحدة خلال انتخابات المجلس التأسيسي والوطني. وفي هذه الأثناء كان قاسم قد التحق بمدرسة البديع الابتدائية حيث اشتهر بذكائه ومقدرته بين الطلاب، كان يحتل باستمرار الدرجة الأولى في الصف. وبعد إكماله الصفوف الابتدائية في البديع التحق بمساعدة أخويه بالمدرسة الثانوية في المنامة، وبعد تخرجه منها، أخذ يزاول مهنة التعليم في مدرسة البديع نفسها حيث لمع نجمه في الماضي، وبقي في منصبه هذا حتى بداية الستينيات. وبينما كان قاسم يدرّس في البديع، التحق بمدرسة ليلية في حي النعيم في المنامة من أجل دراسة الفقه الإسلامي على يد قاضي الشرع الشيخ عبدالحسين الحلي (توفي في 1957).
وبعد سنتين ترك التدريس وذهب إلى النجف ليكمل دراسته الدينية في كلية الفقه. وبقي في النجف أربع سنوات، عاد من بعدها إلى البحرين ليزاول مهنة التدريس مرة أخرى في إعدادية قرية الخميس الرسمية لمدة سنتين. ومن بعدها عاد إلى النجف ثانية ليتابع دروسه الدينية، حيث التقى هناك بطلاب آخرين من البحرين هم عبدالأمير الجمري وعبدالله المدني وعباس الريس وعبدالله الغريفي الذين كانوا يتابعون دراساتهم الدينية.
يذكر أن هؤلاء كانوا من جيل واحد تقريباً وكانوا يعرفون بعضهم معرفة جيدة قبل ذهابهم إلى النجف، أما كزملاء بالمدرسة أو كمدرسين في وزارة التربية. وكان الشيخ عيسى قاسم والمرحوم الشيخ عباس الريس رفاق طفولة يسكنان الحي نفسه في قرية الدراز.
في الدائرة الانتخابية، تبنى الدينيون ترشيح عيسى قاسم، أحد مؤسسي جمعية التوعية الإسلامية، وأيدهم بذلك آل شهاب العائلة التقليدية في القرية، وهكذا استطاع قاسم أن يجمع نقيضي الجديد والقديم معاً. فهو الوجه الجديد الذي خرج من صفوف الشعب، صاحب الجذور الاجتماعية المتواضعة، ولكنه في الوقت نفسه، هو الداعي إلى التمسك بالأعراف والتقاليد. وعندما تبنى الدينيون ترشيح قاسم، كان لايزال يدرس بالنجف، وأصر على البقاء هناك رافضاً العودة إلى البحرين والانغماس بالسياسة. وقبل انتهاء موعد تسجيل المرشحين بأربعة أيام، وكان قاسم مازال في النجف، سافر أخوه مهدي إلى العراق وعاد به وبزوجته وأولاده إلى البحرين ليفوز بالانتخابات بأكثرية مذهلة.
2. عبدالله الشيخ محمد علي المدني: وترشح للمجلس الوطني وحصل على 771 صوتاً. ولد المدني في العام 1939 في بيت الشيخ أحمد بن عبدالرضا آل حرز (جده لأمه). تربى في جدحفص، وتوفي والده وله من العمر حينها 6 أعوام. أكمل دراسته النظامية. كان أحد القياديين في حركة القوميين العرب حتى هزيمة حزيران 1967. وسافر إلى النجف الأشرف بالعراق في العام 1967 والتحق بكلية الفقه التابعة لجامعة بغداد. تخرج من كلية الفقه وحصل على البكالوريوس في اللغة العربية والشريعة الإسلامية في العام 1971م. رنخرط في صفوف الإسلاميين ومارس عدداً من المهن، منها التدريس في المدارس الحكومية بجدحفص والخميس وامتهن المحاماة. انتخب في المجلس التأسيسي في العام 1973 وشارك في صياغة دستور دولة البحرين، ثم انتخب عن منطقة قرى الريف الشمالي (مابين جدحفص ومقابة) في العام 1974م، وكان الشخصية الثالثة من حيث عدد الأصوات بعد الشيخ عيسى قاسم والشيخ عبدالأمير الجمري. أسس مجلة «المواقف» الأسبوعة في 24 سبتمبر/ أيلول 1973 وكانت منبراً للقوى الدينية حينها. كان صحافياً وسياسياً واستطاع من خلال مجلة «المواقف» دعم نشاطات الكتلة الدينية داخل المجلس الوطني «وكان هو أيضاً أمين سر المجلس»، وكان أثر الشيخ سليمان المدني واضحاً جداً على العمل البرلماني في الكتلة الدينية.أغتيل بتاريخ 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 1976م، وادين أفراد محسوبين على تيار الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي طبقاً لم جاء في الأحكام الصادرة في القضية.
3. الشيخ عبدالأمير منصور الجمري: وقد حصل في الانتخابات على 817 صوتاً، والشيخ الجمري عالم دين وخطيب وشاعر ومؤلف... من مؤلفاته«من واجبات الإسلام»، «من تعالم الإسلام» و«المرأة في ظل الاسلام». من مواليد العام 1937 بمنطقة بني جمرة بالبحرين، تلقى تعليمه الأولي في البحرين قبل أن يذهب إلى مدينة النجف الأشرف بالعراق في 1962 لمواصلة علومه الدينية. واستمر هناك حتى 1973. أرسل اليه أهالى دائرته الإنتخابية طالين عودته والترشح لانتخابات المجلس الوطني في ديسمبر/ كانون الأول 1973، وفاز بمقعد بالمنطقة الشمالية. ولعد دوراً متميزاً في العشرين شهراً من عمل المجلس قبل حله في أغسطس 1975. وكان عضواً في لجنة العلاقات الخارجية. وتصدر مع عدد من أعضاء المجلس الحملة لإفشال قانون أمن الدولة الذي طرحته الحكومة أمام المجلس في أكتوبر 1974. وبعد أن قرر الأمير تعليق العمل بالدستور وحل المجلس الوطني في 26 أغسطس 1975، عمل الشيخ الجمري قاضياً بالمحكمة الشرعية من العام 1977 حتى 1988. وكان من أبرز المتصدرين لمشاريع المطالبة بعودة العمل بالدستور. وفي 1992 كان أحد الستة الذين تبنوا مشروع العريضة النخبوية التي رفعت للأمير آنذاك تطالبه بإعادة العمل بالدستور. كما تصدر مشروع العريضة الشعبية العامة التي دشنت في 1994. وتعرض للاعتقال في 15 أبريل/ نيسان 1995، وخلال الشهور الستة التي سجن فيها طرح مع الحكومة مشروعاً لحل الأزمة أدى لانفراج نسبي ، وعلى إثر عودة الأحداث الأمنية اعتقل مرة أخرى في 21 يناير/ كانون الثاني 1996. وقد وافاه الأجل المحتوم في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2006م بعد صراع مرير مع المرض استمر أربع سنوات ونصف.
4. الشيخ عباس الريس: من خريجي النجف الأشرف حيث درس في حوزاتها 8 سنوات، وهو عالم دين وإمام جماعة ومدرس وخطيب وشاعر. له قصائد رصينة في المناسبات الدينية. وهو من قرية الدراز في الساحل الشمالي للبحرين. توفي في 20 جمادى الثانية في العام 1412هـ الموافق 26 ديسمبر 1991.
5. سيدمصطفى محمد علي ناصر القصاب: من مواليد العام 1934 في قرية جدحفص، وهو من أوائل رجال التعليم في البحرين، التحق بإدارة المعارف في العام 1954، وانتمى لحركة القوميين العرب في الستينيات لكنها سرعان ما أعلن مفاصلته عنها لينخرط في صفوف الإسلاميين، وبتوصية من الشيخ سليمان المدني ترشح القصاب لانتخابات المجلس الوطني في السبعينيات وفاز فأسس مع النواب الإسلاميين الكتلة الدينية. مسك بعد استشهاد عبدالله المدني في نوفمبر/ تشرين الثاني 1976 رئاسة تحرير مجلة «المواقف» التي كانت واجهة للتيار الديني في البحرين. عضو سابق بمجلس الشورى، ورئيس سابق لمجلس إدارة الأوقاف الجعفرية، عرف بصداقته الوثيقة بالشيخ سليمان المدني وشقيقه الشهيد عبدالله المدني.
وراح القصاب يكتب بعض المقالات في الصحافة المحلية، بأسماء مستعارة، أما على الصعيد الاجتماعي فقد كان أحد مؤسسي نادي جدحفص في العام 1951 ومؤسس جمعية جدحفص التعاونية العام 1975 ومؤسس لصندوق جدحفص الخيري العام 1969.
6. حسن علي المتوج: وقد حصل على 585 صوتاً انتخابياً عن الدائرة التي كان يشترك فيها مع زميله سليمان محمد الشيخ ناصر. وعائلة المتوج من الأسر ذات العراقة في العلم والفضل والأدب. سكناها في الأصل جزيرة «أكل» المعروفة حالياً بـ «النبيه صالح» وأصل هذه الأسرة من قبيلة بني أسد الشهيرة، وقد نبغ منهم أفذاذ عظام في القرنين الثامن والتاسع الهجريين وبرعوا في علوم الشريعة ومعارف الإسلام. ويقول الباحث النويدري: «وآل المتوج معروفون في جزيرة سترة وما جاورها من القرى، وأبرز رجالاتها الشاعر حسن المتوج... له شعر في المناسبات الدينية ونقد للواقع الاجتماعي يغلب عليه طابع النظم، أشهره قصيدته (اللامية في الحكم والمواعظ)».
7. سليمان الشيخ محمد ناصر المبارك: وقد حصل على 495 صوتاً انتخابياً، وسلمان من مواليد 1924، بدأ مشوار حياته طالباً للعلوم الدينية على يد الشيخ عبدالحسين الحلي والتحق بسلك التدريس في وزارة التربية والتعليم لمدة 25 عاماً، ترشح لنيابة المجلس الوطني عن منطقة سترة وبقي في المجلس إلى أن تم حله في العام 1975م. عين في الأوقاف الجعفرية من العام 1980 حتى العام 1990. ساهم في تأسيس الكثير من المشروعات الدينية والاجتماعية كنادي سترة، كما كان يتمتع بقريحة شعرية، فكانت له عدة مشاركات في الشعر والأدب في المناسبات الدينية والاجتماعية.
في إحدى جلسات المجلس التأسيسي اعترض العضو محمد سعيد الماحوزي على جاسم مراد بسبب ترديد الأخير عبارة الكتلة الدينية وقال له: «كلنا أعضاء هنا، وقد انتخبنا من قبل الشعب كله وليس من قبل فئة معينة... «، فقال الرئيس إبراهيم العريض: «إن المجلس عندما يرى أن كتلة معينة يكون اهتمامها بالجانب الديني في كل نص يرد، فلا غضاضة من أن تسمى الكتلة الدينية، وأعتقد أن تسمية «كتلة دينية» أفضل بكثير من (كتلة لا دينية)». فما كان من جاسم مراد إلا أن علّق: بأن «الكتلة الوطنية الدينية أمر يشرفهم... نحن الكتلة الوطنية الإصلاحية نطالب بإصلاحات عامة بينما هم يطالبون بإصلاح الدين... هذا كل ما في الأمر». (ريا يوسف حمزة، مصدر سابق، ص 67).
وفي لقاء أجرته صحيفة «السياسة» مع النائب البحريني محمد جابر صباح وتحت عنوان: «نحن ضد قانون أمن الدولة... والمجلس الوطني يعمل من أجل استقرار الأمن في البلاد... نحن لسنا شيوعيين... ولا نزايد... وإنما نعمل من أجل البحرين»، يقول: «لا أدري لماذا يقف الشيخ عيسى قاسم ويتهم الكتلة الشعبية داخل المجلس بأنهم يتصارعون من أجل حب الظهور، وإننا نزايد في قضايا المصلحة العامة... نحن والكتلة الدينية كنا نناقش مختلف القضايا في وقت واحد، وبالقدر نفسه من الحماس والاهتمام... الكتلة الشعبية ناقشت قضايا العمال كما ناقشتها الكتلة الدينية... ناقشنا مشكلة الغلاء وناقشتها الكتلة الدينية... طالبنا بالإفراج عن المعتقلين في السجون وطالبت الكتلة الدينية هذا الأمر... فإذا كانت هناك مزايدات كما تدعي الكتلة الدينية؛ فإذاً اشتركت هي في المزايدات من حيث لا تعرف. ثم إن مصلحة الوطن تنبع أساساً من إرادة الشعب... والإرادة الشعبية حتى الآن ترفض قانون أمن الدولة... وعلى الكتلة الدينية أن تمسك بالخط الوطني... وتعرف أنها ليست هي التي تقرر مصلحة الوطن وإنما الشعب هو الذي يقرر». (صحيفة «السياسة الكويتية»: 23 نوفمبر 1974م).
- طغيان الحس الحزبي ونشوب حالة من الصراع الايديولوجي بين أعضاء المجلس الوطني.
- إن الكتلة الدينية كان لها دور لا يقل وطنية عن دور كتلة الشعب في معالجة الملفات الساخنة وقتها وعلى رأسها مشكلة غلاء المعيشة والإفراج عن المعتقلين والقضايا العمالية وهي قضايا وضعتها الكتلة الدينية في برامجها الانتخابية.
- كان هناك سباق محموم بين الكتلتين (الشعب والدينية) في طرح القضايا الوطنية الحساسة وهو ما يدل عليه نص صباح حين يقول: «نحن والكتلة الدينية كنا نناقش مختلف القضايا في وقت واحد، وبالقدر نفسه من الحماس والاهتمام».
يجيب الشيخ عيسى على هذا السؤال الذي وجهته إليه صحيفة «السياسة الكويتية»: بأن «القوى الدينية تقوم على الشعور الديني العام الموجود... وتقوم على القاعدة الدينية العرفية التي شارك في بنائها قرون طويلة... فأبقت إسلاماً بنسبة معينة في النفوس، يستنكر أي تحرك معادٍ للقيم الإنسانية النبيلة، سواء جاء من حاكم أو محكوم... هذا الشعور العام يولد تياراً دينياً قوياً لا يقوم على التنظيم الحزبي... ولكن يمثل قوة لأنه شعور الشعب في نسبته الكبيرة... والدين في البحرين وغيرها هو أمانة الشعوب قبل أن يكون أمانة فئة ضيقة، وأتصور أن الشعوب لإيمانها وإسلامها... وما يحدث من فتور، إنما هو من الاستسلام للغفلة، ومن باب وجود تكتيكات معينة تستغل بساطة الإنسان المسلم، الذي لم يرق إلى مستوى التعليم... تستغل فيه هذه البساطة، لتركز فيه جانب الخمول... وإلا لو أحس على مستوى الشعوب أن هناك تحدياً للإسلام لثار الإنسان ولكن هذا الإنسان ليس في المستوى من ناحية إهمال القرون الطويلة له، ومن ناحية ما ابتلينا من حكام ظلمة على امتداد التاريخ الطويل... من خلال هذا التاريخ، الذي شوه نفسية الإنسان المسلم وأبعده كثيراً عن روح اليقظة الإسلامية... هذا جعل الإنسان المسلم لا يشعر بالتحدي فتأتي الأشياء الجديدة المعادية لصلب الدين... ويمكن للدعايات أن تريه أن الوضع عادٍ... ولو أحس أن الوضع مع هذه التجديدات التي تتناول جذور الدين، لبرز كقوة هائلة... وطاقة ضخمة، لا يقف أمامه حكام الظلم والفئات الحزبية... ولكن هو مصاب بالسبات... وهذا السبات خلفته الأجواء السياسية التي حكمت حينها باسم الإسلام وهي بعيدة عن الإسلام وحينها كاشفت الجماهير وحكمت الجماهير من دون الإسلام».
كانت «الكتلة» تنشط دينياً واجتماعياً – كما هو معروف – من خلال جمعية التوعية الإسلامية ا
لقد استطاع مرشحو الكتلة الدينية أن يحققوا انتصاراً كبيراً حيث تمكنوا من الفوز بتسعة مقاعد في الانتخابات وبعد تحقيق هذا الفوز تخلى ثلاثة من الأعضاء الفائزين بعضوية المجلس الوطني عن الكتلة الدينية وانضموا إلى كتلة الوسط المستقل.
ويصف الانثربولوجي فؤاد الخوري الكتلة الدينية بأنها كانت «ظاهرة شيعية ريفية صرفة تتكون من ستة أعضاء يمثلون جميعهم دوائر شيعية في القرى» (فؤاد الخوري: «القبيلة والدولة في البحرين» ص 342) وكان من بين الستة قاضي شرع (الشيخ عبدالأمير الجمري) والشيخ عيسى قاسم والشيخ عباس الريس وصحافي (الشيخ عبدالله المدني) واثنان كانا يمارسان مهنة التدريس في المدارس الابتدائية في الريف (سليمان مبارك وحسن المتوج) ومعظمهم قد تخرجوا من المعهد الديني الشيعي في النجف بالعراق. ويعود الفضل في فوزهم إلى تأييد الجهات الدينية العليا لاتجاهاتهم. وقد تبنت الكتلة الدينية في الانتخابات برنامج عمل موسعاً شمل دعم النقابات العمالية ومطالب العمال وتحريم بيع الخمور وفصل الذكور عن الإناث في التعليم العالي أسوة بفصله في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية الرسمية، كما دعت إلى عدم إشراك المرأة في الحياة العامة كالنوادي والجمعيات المختلطة ومؤسسات العمل التي تجمع بين الجنسين وإلى منع الطبيب الذكر من معاجلة المرأة المريضة وغير ذلك مما يتماشى مع الأعراف الدينية.
لقد تأرجحت مواقف الكتلة الدينية داخل المجلس الوطني من القضايا التي طرحت بين ضغط الحكومة وضغط الحركة العمالية، وعلى رغم أن الكتلة الدينية وضعت من ضمن برنامجها الانتخابي الدفاع عن القضايا المالية إلا أنها وقفت ضد التصويت على اعتبار الأول من مايو/ أيار عيداً للعمال.
وبحسب ما يؤكده أحد الباحثين المحسوبين اليسار فإن الكتلة الدينية سعت «للمساومة مع السلطة لتحقيق بعض مطالبها الخاصة والتي تستهدف بعضها اليسار في مقابل تمرير قانون أمن الدولة المرفوض شعبياً، ولولا الضغط الشعبي التي ووجهت به الكتلة الدينية من خلال الوفد الذي ذهب إلى بيوت أعضاء الكتلة الدينية لوافقت «الكتلة الدينية» على ذلك القانون»، (يوسف الحسن «موقفنا تجاه الحركات الدينية في البحرين»، مجلة «النهج»، السنة الرابعة، العدد الخامس عشر، 1978، قبرص، ص 53).
وهذا يتضارب تماماً مع الرواية التي ينقلها أحد أفراد الكتلة الدينية حسن المتوج الذي يؤكد أن كتلته «عارضت القانون منذ اليوم الأول لطرحه في البرلمان، وكانت الحكومة تريد إحداث شرخ بين كتلة الشعب (يسار) والكتلة الدينية، ليتيح لها السيطرة وإحكام القبضة على المجلس، فقد كانت الحكومة تتكلم مع الكتلة الدينية بما يناسب مزاجها، ثم تتحدث مع كتلة الشعب بلغة يستطيبها أفراد الكتلة وبالتالي كان المسعى الحكومي واضحاً في اللعب على أوتار الايديولوجيات وإثارة كوامن الصراع بين الكتل».
وقد «شجع رجال الدين السنة والشيعة بتعزيز دورهم العام من خلال مشاركتهم في البرامج التلفزيونية والاذاعية بانتظام. بدأ الدينيون بلعب دور فعال في المؤسسات الشعبية القائمة وإقامة مؤسسات خاصة بهم أو تنشيط الخامل منها. ومن الامتيازات البارزة التي قدمها الترخيص للدينيين الشيعة والسنة بإقامة مؤسسات خيرية خاصة بكل منهما. وستوفر هذه المؤسسات الخيرية خلال الخمس سعشرة سنة المقبلة لرجال الدين الشباب والراديكاليين منابر فعالة ومفيدة للوصول إلى الجمهور الأوسع. ويمثل ذلك من الأهمية إعطاء المؤسسة الدينية الشيعية امتيازات إضافية وشملت حظر المنظمات النسائية في الريف. وجرى كذلك إعطاء ترخيص للجناح الديني الشيعي الموالي للنظام كذلك امتياز مجلة أسبوعية «المواقف» فيما جرى رفض طلبات متكررة لمجموعات أخرى» (عبدالهادي خلف: «بناء الدولة في البحرين»، ص 54).
ويمضي أحد الباحثين إلى القول: «إن القاطع بنشوء تحالف غير معلن بين الكتلة الدينية والسلطة؛ فجمعية التوعية الإسلامية التي يرأسها واحد من أعضاء الكتلة (الشيخ عيسى أحمد قاسم) ارتبطت بالجهات الرسمية وكانت توجه من قبل بعض أصحاب القرار في البحرين لمحاربة القوى الوطنية». (منيرة فخرو، مصدر سابق، ص 97) وهو أمر يعارضه بشدة نشطاء الحركة الإسلامية التي كانت (الكتلة الدينية) جزءاً من نسيجها وحلقة من حلقاتها المهمة.
يقول ناشط في جمعية التوعية عن فرضية توجيه السلطة لجمعية التوعية: «هذا زعم غير صائب إطلاقاً، والمفترض أن تستبعد هذه الفرضية بلحاظ ما آلت إليه أوضاع جمعية التوعية من تجميد لنشاطها واعتقال لكوادرها. إنه زعم قد يلتبس على اليساري المضلل بنظرته لرجال الدين قبل حدوث منعطف الحل والإغلاق، أما بعد الحل والإغلاق فهو زعم ظالم ومظلل».
وعما إذا كانت «السلطة» استفادت من التيار الديني وجمعية التوعية بشكل ما قيل إنه «ضرب للقوى الوطنية» المحسوبة على اليسار قال: «الإسلاميون لم يسلّموا يوماً اسم ناشط يساري للدولة، فنقطة الخلاف بين الإسلاميين واليسار تختلف عن نقطة التصادم بين اليسار والدولة، وعلى رغم الحرب الشعواء بين اليسار والإسلاميين فإن الإسلاميين لم يشتغلوا جواسيس للدولة على اليسار، بل يمكن القول إنهم إجمالاً كانوا يتعاطفون معهم في الداخل في قبالة ما تعرضوا له من إضطهاد، انسجاماً مع اشتراك الجميع في الاستياء من الوضع السياسي. إذا كان ثمة التباس حصل في السابق بشأن هذا الأمر فلا مبرر لاستمرار هذا الالتباس الآن بلحاظ ما جرى من أحداث لاحقة»..
حاولت النظم الحاكمة في مختلف البلدان احتواء التيار الإسلامي المتنامي عن طريق التوسع في الأنشطة الثقافية ورعاية العلماء والنخب المثقفة، ونشر التعليم والثقافة وبث الخطاب الإسلامي الإصلاحي واحتضان المفكرين ودعم الحركات الإسلامية المعتدلة في العالم الإسلامي من خلال التبرعات والأموال ونشر الإصدارات الإسلامية، والكتب والدعم الإعلامي. (مفيد الزيدي: «التيارات الفكرية في الخليج العربي» ص 254 – 255).
وقد شهدت الكتلة الدينية، انقسامات في داخلها حيال بعض المواضيع المطروحة في البرلمان، فقد أثار مقترح إجازة عيد العمال في الحادي من مايو – على سبيل المثال - انقساماً في صفوف الكتلة، ففي حين أن غالبية أعضاء الكتلة كان لها موقف مضاد منه، إلا أن حسن المتوج صوت لصالح المقترح «لقد اعتبر المقترح ترسيخاً لمناسبة هي من مستحدثات القوى اليسارية، لكني لم أجدها إلا مناسبة يحتفل فيه العمال وعموم الناس بإجازة تكفل لهم الراحة من عناء العمل، ولذا كنت أراه مكسباً للناس فصوّتُّ لصالح إقراره، وقد شكرتني (كتلة الشعب) على موقفي هذا».
العدد 2968 - الخميس 21 أكتوبر 2010م الموافق 13 ذي القعدة 1431هـ
ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم
لقد جبلت القلوب على من احسن اليها . وان الناس تثق كل الثقة بمن يخلص لهم ويعيش همهم ويسعى لتحقيق آمالهم ويصون يده عن المال الحرام ونفسه عما حرم الله ، ويملك القدرة على ادارة الملفات دون تهديد للأمن الاجتماعي . واذا أمكن خداع قطاع من الناس ـ كما يدعي البعض ـ فهل يمكن خداع عامة الشعب . لسنا بحجة الى التفكير بأسلوب تهلك فيه الحرث والنسل ولسنا بحاجة الى محادثة الناس من الابراج العاجية العالية .
الفرق بين كتلة الشعب و الكتلة الدينية
نعم تبنى الجميع قضايا مشتركة تهم الشعب مثل المعتقلين و غلاء المعيشة و فضايا العمال لكن كل كتلة تناولتها من جهة مختلفة ففي الوقت الذي لعبت فيه كتلة الشعب دور المحرض للعمال للاضراب و زعزعة الامن من اجل الحصول على مكاسب مالية و سياسية و استخدام العمال كجسر كانت الكتلة الدينية تلعب دور الاطفائي لحماية العمال و الحفاظ على حقوقهم فليس من الانصاف القول بان كلتا الكتلتين عملت على حل نفس الملفات.
ناقد
أن مع راي زائر 3 اين موقع الشيخ حسن زين الدين من الاعراب .كن منصفا وتدارك الموضوع
لقد نسيت الشيخ حسن زين يا وسام السبع
اين الشيخ حسن زين الدين الذي دفعه الشيخ سليمان المدني للترشح بدلاً منه في ؟ لقد احد افراد الكتلة الدينية ، يرجى مراجعة الموضوع واستدراكه ، ويمكنك الرجوع إلى كلمة الشيخ سليمان المدني بعنوان موقفنا من الحياة النيابية الجزء الأول والثاني وفيهما الكثير من المعلومات القيّمة عن تلك الفترة.
شكر و تقدير
شكرا على هذا الموضوع المعلوماتي المفيد, فالصياغة الجميلة مع تنوع المصادر و ابراز مختلف الآراء يعطي قوة و موضوعية للمقال ... و نتمنى مواضيع اخرى مماثلة
الكتلة الدينية
بحث قيّم أشتمل على أراء متنوعة من مختلف الاطراف جزى الله أعضاء الكتلة الدينية خير الجزاء فقد أسئسو خير بنيان وحفظ الباقين منهم ورحم الماضين وفي نهاية المطاف دفع الشهيد عبدالله المدني ثمن الدفاع عن مبادئه الاسلامية و مواقف الكتلة الدينية أئنذاك وقد تم تصفية أخيه لاحقا في التسيعنات...
البحرين الآن تصنف شبه علمانيه
البحرين وحسب تشريعاتها اصبحت واضحا للجميع انها شبه علمانيه اي تنقصها نصوص بسيطه بدستور لتصبح علمانيه فكذلك يمكننا تسمية البحرين دولة مسلمه ليبرالية كما تونس تماما.
وبكل تأكيد كوني رجل علماني اتمنى تتأصل العلمانية اكثر في هذه البلد لننقد انفسنا من الانقسامات الدينيه وليحل القانون المدني في كل صغيره وكبيره بهذه البلد لينعم الجميع بهذه البلد وكذلك نرقي ببلدنا لاعلى المراكز .
كما اوربا عند فصل الكنيسه عن دولهم هاهم الآن من ارقى دول العالم والكل يعيش حريته .