كثيرة هي المشاهد التي تمر علينا خلال حياتنا اليومية، ولكن القليل منها التي تبقى في ذاكرتنا، وذلك إما لقوة تلك المشاهد، أو لرغبتنا في الاحتفاظ بها لأطول فترة ممكنة من الزمن، سواء كانت تلك المشاهد جميلة أو سيئة.
والأجمل من الجميل هنا إذا كانت تلك المشاهد أو المواقف تسير في الجانب الإيجابي، بمعنى أنها تترك آثارا إيجابية في حياتنا، وتجعلنا نبتسم، بعكس ما إذا كانت المناظر أو المشاهد التي نمر بها سلبية أو محزنة، كما في المشهدين المقبلين، اللذّين يتكرران لي بمعدل لا يقل عن مرة في الأسبوع -على الأقل-.
المشهد الأول وفيه أجد رجلا أو امراة تؤكد ملامحهما أنهما متعلمان ومثقفان، وتشير تفاصيل وجهيهما إلى أنهما في نهاية الثلاثين أو في بداية الأربعين من العمر، إلا أنهما لا يمانعان على الإطلاق من فتح باب السيارة، ورمي المنديل أو كيس القمامة المتسخ في الشارع، أمام مرأى الجميع، ودون استحياء، على الرغم من أنهما يجدان نظرات الاستغراب تخرج مني ومن غيري من الذين يعبرون الشارع!
أما المشهد الثاني فنجد فيه إن لم يكن رجلا يستعرض عضلاته ويسوق سيارته وبكل جرأة يحمل في يساره طفلا صغيرا لا يتجاوز العامين، سنجدها امرأة تقود حافلة فيها أكثر من خمسة تلاميذ، بالإضافة إلى الطفل الذي تحتضنه وهي تسوق الحافلة الصغيرة، ضاربة بجميع القوانين التي تمنع ذلك التصرف عرض الحائط.
المشهدان السابقان هما صورتان على رغم من أنهما متكررتان بصورة مستمرة، إلا أن الجهات المسئولة قليلا ما تضبط من يقوم بهما، وخصوصا فيما يخص شأن النظافة.
منذ أن كنا صغارا وحتى قبل أن ندخل المدرسة ونتعلم كنا نقول ونردد «النظافة من الإيمان»، بل وأتذكر أنني كنت أضيف بعدها «... والقذارة من الشيطان»، إلى أن تعلمنا في المدرسة أن ننظف مقاعدنا وطاولات الفصول الدراسية في المدرسة، ورمي الأوساخ في الأماكن المخصصة لها، مع العلم أننا كنا ولا نزال نردد شعار «النظافة من الإيمان» ونحن على يقين بأن النظافة عمل قبل أن يكون شعارا يريد من يطبقه من خلال البحث عنه.
وها نحن كبرنا ولا نزال نؤمن بأهمية النظافة وبأنها فعل يطبق، وهو ما يدعو إلى الاستغراب والتساؤل: ما هو السبب أو الأسباب التي تجعل من أفراد إن لم يكونوا متعلمين فهم عاقلون ويدركون ما حولهم، أن يقوموا بمثل هذه التصرفات التي تثير الغضب؟ وإلى متى سيبقون يتصرفون بتلك التصرفات التي بلا شك تزرع في أذهان الأطفال فيقلدون الكبار تقليدا غالبا ما يكون بريئا في بدايته؟
بلدية العاصمة قامت منذ مدة طويلة بوضع لوحات إرشادية، التي عندما نمر في شوارع العاصمة نجدها وضعت على أعمدة الإنارة، وكتب عليها: غرامة 10 دنانير لمن يرمي الأوساخ.
فمع أنها كتبت بلغة عربية غير صحيحة (عشرة دينار) بينما الصحيح هو (عشرة دنانير) إلا أنها خطوة جيدة، ولكن نحتاج إلى إجابات عن أسئلتي: هل استطاعت البلدية أن تكتب مخالفة لأي فرد يرمي مخلفاته أو مخلفات سيارته في الشارع حتى الآن؟ كم عدد المخالفات التي رصدتها؟ هل هذا هو الحل الحقيقي فقط الذي نبحث عنه ونكتفي به؟
أما عن السياقة وإجلاس طفل أو رضيع في حضن السائق فهذا ما يعد أمرا أهم بكثير من الأول، بسبب أنه يهدد حياة السائق والطفل أو من يكون معهما في السيارة، ومع ذلك لم أجد في قائمة المخالفات التابعة للإدارة العامة للمرور أية مخالفة في هذا الجانب، عدا مخالفة جلوس الطفل دون عشرة أعوام في المعقد الأمامي، التي تصل إلى خمسة دنانير، والتي ربما تكون نفسها المخالفة التي تعطى لمن يُجلس رضيعا أو طفلا في حضنه، وإذا كانت كذلك فلا أجدها خطوة كافية ضد من يقومون بذلك التصرف.
أتمنى من الذين يتصرفون بالتصرفين السابقين أن يكلفوا أنفسهم ويقرأوا هذه السطور، ليتذكروا أن رمي الأوساخ من السيارة وإجلاس الطفل في حضن السائق تصرفان غير حضاريين على الإطلاق.
للأسف إن التصرفين السابقين هما من التصرفات التي نطلق عليها «قديمة»، يعني أن زمانها يجب أن يكون ولّى، والتي يجب أن نكون في البحرين تجاوزناها قبل أعوام طويلة جدا، لكنها لا تزال باقية بقاء غير مرغوب فيه على الإطلاق، وللأسف أنهما يمارسان من قبل أفراد لا تتوقع منهم ذلك، وكلتا الصورتان تعبران عن حال أسوء من الآخر، فلماذا نجدهما يتكرران حتى الآن؟ ومتى يأتي اليوم الذي لا أراهما؟ لا أعلم
إقرأ أيضا لـ "فرح العوض"العدد 2424 - السبت 25 أبريل 2009م الموافق 29 ربيع الثاني 1430هـ