العدد 2967 - الأربعاء 20 أكتوبر 2010م الموافق 12 ذي القعدة 1431هـ

الدولة العراقية والسند الإقليمي

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مشروع الدولة العراقية لم يُولَد بعد. ما يجري هو تَرَفٌ سياسي ليس إلاّ. إحدى جوانب ذلك التّرف هو مساواة الدّم بالماء ثمناً، والهواء بدخان المدافع مشاعاً. في هذه المرحلة لا يُوجَد للبشر سوى اللجوء إلى ذواتهم المباشرة. مذهبٌ أو طائفة، أو عِرْق. وهي أشدّ ملامح الاحتراب الاجتماعي خطراً.

الشيعة تنبّهوا على أنهم «شيعة» قبل أن يكونوا مسلمين رغم أن الإسلام كدين هو أوسع من التشيّع كمذهب. والسُّنَّة أدركوا أنهم «سُنَّة» أولاً حالهم كحال سابقيهم. والأكراد رَدُّوا حالهم إلى تاريخهم الأول حيث الكاردوخينة قبل أن يكونوا عراقيين. والتركمان بدأوا يتحدثون عن سلجوقيتهم بين الحين والآخر. وهو حال الشَّبَك والإيزيديين والمسيحيين. هذا ما خصّ المذهب.

في السياسة بات الشيعة العراقيون يتّكِئون على معطيات الوضع الحالي، وهم في الأصل (الشيعة) يُسيطرون على محافظات الجنوب الزاخرة بالثروات الطبيعية من نفط وغاز ومعادن ومياه وآثار وحدود حيّة مع دول نَشِطَة، بالإضافة إلى منفذ بحري باتجاه الخليج.

والكُرْد الذين استقرّت حواضرهم السياسية على العلمانيّة باتوا يستندون على ما نالوه من حظوة الأرض المكنوزة بالثروات وبالخصوص في مجال النفط وحدود مع قوتين إقليميتين كبيرتين هما تركيا وإيران على دعمٍ أميركي وغربي باتت عينه على كردستان وخيراتها.

والتركمان باتت سيادتهم السياسية تتعاظم بفعل الدعم التركي القوي نظراً لقرابة الدم والقومية. وباتت أنقرة تضطلع بدور مهم على هموم وتطلعات هذا المُكوّن بشكل حساس وخطير تجلّى خلال الانتخابات الأخيرة.

أما السُّنّة فقد ضاع سَنَدُهُم الجغرافي بتواجدهم في الوسط العراقي المحاصر بالجبال والصحارى. كما ضاع مدماكهم الاستراتيجي بانفصال العالَم العربي ودوله ونُظُمِه السياسية عن عراق ما بعد الاحتلال الأميركي، وهو ما يعني خسارة مُزدوجة لهذا المُكوّن.

ما يجري في العراق اليوم يقوم على معادلة «طوائف تحمي نفسها بطائفيتها الإقليمية». فالشيعة لم يحصلوا على سيادة سياسية بفعل أغلبيتهم العددية؛ وإنما من خلال الدعم القوي الذي توفر لهم بعد العام 2003.

والأكراد لم يستطيعوا القيام بما يقومون به حالياً من دون الاعتماد على خصوصية العلاقة مع واشنطن، وخصوصاً في ظل رفض إيراني، سوري، تركي مُجتَمِع لأي مسعى كُردي نحو الاستقلال قد يُحفّز أكراد تلك الدول نحو المطالبة بامتيازات أو بحكم ذاتي.

والتركمان الذين لا تزيد أعدادهم في العراق عن الـ 300 ألف باتَ يُلتَفتُ إليهم أكثر من ذي قبل. فحين يُهدِّد هذا المُكوّن بأنه سيطلب حماية تركية عَقِبَ مقتل مسؤول فرع الموصل في الجبهة التركمانية ياووز أفندي أوغلو فهذا يعني أن الحضور التركي يُطلّ داخل العراق من هذا المِخْرَز.

لذا فإن موضوع «السَّنَد الإقليمي» بات مُلِحَّاً جداً. الموضوع ليس مُتصلاً بمحاولة إيجاد تناكف أو تنافس طائفي أو إقليمي في الداخل العراقي بقدر ما هو إيجاد مزيد من التوازن السياسي والاجتماعي داخل ذلك النسيج على الأقل خلال هذه المرحلة التي تسبق نهوض الدولة والتي عادة ما تكون فيها الأمور متشابكة وميزان القوى لا يزال رجراجاً.

منذ سقوط بغداد، والسُّنَّة العراقيون تتقاذف بهم المشروعات البائسة، مرة من تنظيم القاعدة ومرة من الميليشيات المُسلّحة ومرة باسم الفدرلة، وتارة باسم قوات الصحوات التي ضاعت بين مطرقة الإرهاب وسندان الحكومة.

ما هو مطلوب اليوم، مزيد من الحضور العربي في ترتيبات الداخل العراقي، ليس عن بُعْد فقط، وإنما عبر الولوج المباشر الذي يُكرّس من حالة التوازن الاجتماعي والسياسي. فالعراق في نهاية الأمر يحتاج إلى عُمق عربي يُحاكي واقعة وطبيعته ومكوّناته.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2967 - الأربعاء 20 أكتوبر 2010م الموافق 12 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً